القول في تأويل قوله تعالى : ( فأوجس في نفسه خيفة موسى    ( 67 ) قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى   ( 68 ) وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى   ( 69 ) )  [ ص: 337 ] يعني تعالى ذكره بقوله : فأوجس في نفسه خوفا موسى  فوجده . 
وقوله ( قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى   ) يقول تعالى ذكره : قلنا لموسى  إذ أوجس في نفسه خيفة ( لا تخف إنك أنت الأعلى   ) على هؤلاء السحرة ، وعلى فرعون  وجنده ، والقاهر لهم ( وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا   ) يقول : وألق عصاك تبتلع حبالهم وعصيهم التي سحروها حتى خيل إليك أنها تسعى . 
وقوله ( إنما صنعوا كيد ساحر   ) اختلفت القراء في قراءة قوله ، فقرأته عامة قراء المدينة  والبصرة  وبعض قراء الكوفة   ( إنما صنعوا كيد ساحر   ) برفع كيد وبالألف في ساحر بمعنى : إن الذي صنعه هؤلاء السحرة كيد من ساحر . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة   ( إنما صنعوا كيد ساحر   ) برفع الكيد وبغير الألف في السحر بمعنى إن الذي صنعوه كيد سحر . 
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، وذلك أن الكيد هو المكر والخدعة ، فالساحر مكره وخدعته من سحر يسحر ، ومكر السحر وخدعته : تخيله إلى المسحور على خلاف ما هو به في حقيقته ، فالساحر كائد بالسحر ، والسحر كائد بالتخييل ، فإلى أيهما أضفت الكيد فهو صواب ، وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأ ( كيد سحر ) بنصب كيد ، ومن قرأ ذلك كذلك ، جعل إنما حرفا واحدا وأعمل صنعوا في كيد . 
قال أبو جعفر   : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها لإجماع الحجة من القراء على خلافها . 
وقوله ( ولا يفلح الساحر حيث أتى   ) يقول : ولا يظفر الساحر بسحره بما طلب أين كان . وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقول : معنى ذلك : أن الساحر يقتل حيث وجد . وذكر بعض نحويي البصرة  أن ذلك في حرف ابن مسعود   " ولا يفلح الساحر أين أتى " وقال : العرب تقول : جئتك من حيث لا تعلم ، ومن أين لا تعلم ، وقال غيره من أهل العربية الأول : جزاء يقتل الساحر حيث أتى وأين أتى وقال : وأما قول العرب : جئتك من حيث لا تعلم ، ومن أين لا تعلم ، فإنما هو جواب لم يفهم ، فاستفهم كما قالوا : أين الماء والعشب . 
				
						
						
