القول في إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ( 4 ) ) [ ص: 516 ] تأويل قوله تعالى : (
يقول تعالى ذكره : إن فرعون تجبر في أرض مصر وتكبر ، وعلا أهلها وقهرهم ، حتى أقروا له بالعبودة .
كما حدثنا محمد بن هارون ، قال : ثنا عمرو بن حماد ، قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي إن فرعون علا في الأرض ) يقول : تجبر في الأرض .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إن فرعون علا في الأرض ) أي : بغى في الأرض .
وقوله : ( وجعل أهلها شيعا ) يعني بالشيع : الفرق ، يقول : وجعل أهلها فرقا متفرقين .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وجعل أهلها شيعا ) : أي فرقا يذبح طائفة منهم ، ويستحيي طائفة ، ويعذب طائفة ، ويستعبد طائفة ، قال الله عز وجل : ( يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ) .
حدثني موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن قال : كان من شأن السدي ، فرعون أنه رأى رؤيا في منامه ، أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر ، فأحرقت القبط ، وتركت بني إسرائيل ، وأحرقت بيوت مصر ، فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة فسألهم عن رؤياه ، فقالوا له : يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه ، يعنون بيت المقدس ، رجل يكون على وجهه هلاك مصر ، فأمر ببني إسرائيل أن لا يولد لهم غلام إلا ذبحوه ، ولا تولد لهم جارية إلا تركت ، وقال للقبط : انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجا فأدخلوهم ، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة ، فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم ، وأدخلوا غلمانهم ، فذلك حين يقول : ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا ) يعني بني إسرائيل ، حين جعلهم في الأعمال القذرة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد [ ص: 517 ] ( وجعل أهلها شيعا ) قال : فرق بينهم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد : ( وجعل أهلها شيعا ) قال : فرقا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وجعل أهلها شيعا ) قال : الشيع : الفرق .
وقوله : ( يستضعف طائفة منهم ) ذكر أن استضعافه إياها كان استعباده .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : يستعبد طائفة منهم ، ويذبح طائفة ، ويقتل طائفة ، ويستحيي طائفة .
وقوله : ( إنه كان من المفسدين ) يقول : إنه كان ممن يفسد في الأرض بقتله من لا يستحق منه القتل ، واستعباده من ليس له استعباده ، وتجبره في الأرض على أهلها ، وتكبره على عبادة ربه .