القول في تأويل قوله تعالى : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ( 5 ) ( ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ( 6 ) )
قوله : ( ونريد ) عطف على قوله : ( يستضعف طائفة منهم ) ومعنى الكلام : أن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها ، من بني إسرائيل ، فرقا يستضعف طائفة منهم ( و ) نحن ( نريد أن نمن على الذين ) استضعفهم فرعون من بني إسرائيل ( ونجعلهم أئمة ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ) قال : بنو إسرائيل .
قوله : ( ونجعلهم أئمة ) أي : ولاة وملوكا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . [ ص: 518 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ونجعلهم أئمة ) أي : ولاة الأمر .
وقوله : ( ونجعلهم الوارثين ) يقول : ونجعلهم وراث آل فرعون يرثون الأرض من بعد مهلكهم .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ونجعلهم الوارثين ) : أي يرثون الأرض بعد فرعون وقومه .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ( ونجعلهم الوارثين ) يقول : يرثون الأرض بعد فرعون .
وقوله : ( ونمكن لهم في الأرض ) يقول : ونوطئ لهم في أرض الشام ومصر ( ونري فرعون وهامان وجنودهما ) كانوا قد أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل ، فكانوا من ذلك على وجل منهم ، ولذلك كان فرعون يذبح أبناءهم ، ويستحيي نساءهم ، فأرى الله فرعون وهامان وجنودهما ، من بني إسرائيل على يد موسى بن عمران نبيه ، ما كانوا يحذرونه منهم من هلاكهم وخراب منازلهم ودورهم .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) شيئا ما حذر القوم .
قال : وذكر لنا أن حازيا حزا لعدو الله فرعون ، فقال : يولد في هذا العام غلام من بني إسرائيل يسلبك ملكك ، فتتبع أبناءهم ذلك العام ، يقتل أبناءهم ، ويستحيي نساءهم ، حذرا مما قال له الحازي .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : كان لفرعون رجل ينظر له ويخبره ، يعني أنه كاهن ، فقال له : إنه يولد في هذا العام غلام يذهب بملككم ، فكان فرعون يذبح أبناءهم ، ويستحيي نساءهم حذرا ، فذلك قوله : ( ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) . [ ص: 519 ]
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( ونري فرعون وهامان ) فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والبصرة ، وبعض الكوفيين : ( ونري فرعون وهامان ) بمعنى : ونري نحن ، بالنون عطفا بذلك على قوله : ( ونمكن لهم ) . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة : " ويرى فرعون " على أن الفعل لفرعون ، بمعنى : ويعاين فرعون ، بالياء من يرى ، ورفع فرعون وهامان والجنود .
والصواب من القول في ذلك ، أنهما قراءتان معروفتان في قراء الأمصار ، متقاربتا المعنى ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب ، لأنه معلوم أن فرعون لم يكن ليرى من موسى ما رأى ، إلا بأن يريه الله عز وجل منه ، ولم يكن ليريه الله تعالى ذكره ذلك منه إلا رآه .