القول في تأويل قوله تعالى : ( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ( 11 ) ) [ ص: 447 ]
يقول - تعالى ذكره - : ( والله خلقكم ) أيها الناس ( من تراب ) يعني بذلك أنه خلق أباهم آدم من تراب ; فجعل خلق أبيهم منه لهم خلقا ( ثم من نطفة ) يقول : ثم خلقكم من نطفة الرجل والمرأة ( ثم جعلكم أزواجا ) يعني أنه زوج منهم الأنثى من الذكر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والله خلقكم من تراب ) يعني آدم ( ثم من نطفة ) يعني ذريته ( ثم جعلكم أزواجا ) فزوج بعضكم بعضا .
وقوله ( وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ) يقول - تعالى ذكره - : وما تحمل من أنثى منكم أيها الناس من حمل ولا نطفة إلا وهو عالم بحملها إياه ووضعها وما هو؟ ذكر أو أنثى؟ لا يخفى عليه شيء من ذلك .
وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم : معناه : وما يعمر من معمر فيطول عمره ، ولا ينقص من عمر آخر غيره عن عمر هذا الذي عمر عمرا طويلا ( إلا في كتاب ) عنده مكتوب قبل أن تحمل به أمه ، وقبل أن تضعه ، قد أحصى ذلك كله وعلمه قبل أن يخلقه ، لا يزاد فيما كتب له ولا ينقص . وقوله (
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( وما يعمر من معمر ) إلى ( يسير ) يقول : ليس أحد قضيت له طول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من [ ص: 448 ] العمر ، وقد قضيت ذلك له ، وإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت له لا يزاد عليه ، وليس أحد قضيت له أنه قصير العمر والحياة ببالغ العمر ، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت له لا يزاد عليه فذلك قوله ( ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ) يقول : كل ذلك في كتاب عنده .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : من قضيت له أن يعمر حتى يدركه الكبر ، أو يعمر أنقص من ذلك ، فكل بالغ أجله الذي قد قضي له ، كل ذلك في كتاب .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ) قال : ألا ترى الناس ; الإنسان يعيش مائة سنة ، وآخر يموت حين يولد؟ فهذا هذا ، فالهاء التي في قوله ( ولا ينقص من عمره ) على هذا التأويل ، وإن كانت في الظاهر أنها كناية عن اسم المعمر الأول ، فهي كناية اسم آخر غيره ، وإنما حسن ذلك لأن صاحبها لو أظهر لظهر بلفظ الأول ، وذلك كقولهم : عندي ثوب ونصفه ، والمعنى : ونصف الآخر .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره بفناء ما فني من أيام حياته ، فذلك هو نقصان عمره ، والهاء على هذا التأويل للمعمر الأول ، لأن معنى الكلام : ما يطول عمر أحد ، ولا يذهب من عمره شيء ، فينقص إلا وهو في كتاب عند الله مكتوب ، قد أحصاه وعلمه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس قال : ثنا عبثر قال : ثنا حصين ، عن أبي مالك في هذه الآية ( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ) قال : ما يقضي من أيامه التي عددت له إلا في كتاب .
وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب التأويل الأول ، وذلك أن ذلك [ ص: 449 ] هو أظهر معنييه ، وأشبههما بظاهر التنزيل .
وقوله ( إن ذلك على الله يسير ) يقول - تعالى ذكره - : إن إحصاء أعمار خلقه عليه يسير سهل ، طويل ذلك وقصيره ، لا يتعذر عليه شيء منه .