قال ابن إسحاق : ثم إن صفوان بن المعطل اعترض حسان بن ثابت بالسيف ، حين بلغه ما كان يقول فيه ، وقد كان حسان قال شعرا مع ذلك يعرض بابن المعطل فيه ، وبمن أسلم من العرب من مضر ، فقال [ ص: 305 ] :
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا وابن الفريعة أمسى بيضة البلد قد ثكلت أمه من كنت صاحبه
أو كان منتشبا في برثن الأسد ما لقتيلي الذي أغدو فآخذه
من دية فيه يعطاها ولا قود ما البحر حين تهب الريح شامية
فيغطئل ويرمي العبر بالزبد يوما بأغلب مني حين تبصرني
ملغيظ أفري كفري العارض البرد أما قريش فإني لن أسالمهم
حتى ينيبوا من الغيات للرشد ويتركوا اللات والعزى بمعزلة
ويسجدوا كلهم للواحد الصمد ويشهدوا أن ما قال الرسول لهم
حق ويوفوا بعهد الله والوكد
فاعترضه صفوان بن المعطل ، فضربه بالسيف ، ثم قال : كما حدثني يعقوب بن عتبة :
تلق ذباب السيف عني فإنني غلام إذا هوجيت لست بشاعر
قال ابن إسحاق : وحدثني : محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن وثب على ثابت بن قيس بن الشماس صفوان بن المعطل ، حين ضرب حسان ، فجمع يديه إلى عنقه بحبل ، ثم انطلق به إلى دار بني الحارث بن الخزرج ؛ فلقيه عبد الله بن رواحة ، فقال : ما هذا ؟ قال : أما أعجبك ضرب حسان بالسيف والله ما أراه إلا قد قتله ، قال له عبد الله بن رواحة : هل علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء مما صنعت ؟ قال : لا والله ، قال : لقد اجترأت ، أطلق الرجل ، فأطلقه .
ثم أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا ذلك له ، فدعا حسان ، فقال وصفوان بن المعطل ابن المعطل : يا رسول الله : آذاني وهجاني ، فاحتملني الغضب ، فضربته ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسان : أحسن يا حسان ، أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام ، ثم قال : أحسن يا حسان في الذي أصابك قال : هي لك يا رسول الله .
[ ص: 306 ] قال ابن هشام : ويقال : أبعد أن هداكم الله للإسلام . قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن إبراهيم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاه عوضا منها بيرحاء ، وهي قصر بني حديلة اليوم بالمدينة ، وكانت مالا لأبي طلحة بن سهل تصدق بها على آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأعطاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسان في ضربته ، وأعطاه سيرين ، أمة قبطية ، فولدت لي عبد الرحمن بن حسان ، قالت : وكانت عائشة تقول : لقد سئل عن ابن المعطل ، فوجدوه رجلا حصورا ، ما يأتي النساء ، ثم قتل بعد ذلك شهيدا .