[ قدومه مكة وتعرف القوم عليه ]
قال ابن هشام : ومما لم يذكره ابن إسحاق من بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه بعث ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما حدثني من أثق به من أهل العلم ، بعد مقتل عمرو بن أمية الضمري وأصحابه إلى خبيب بن عدي مكة ، وأمره أن يقتل ، وبعث معه أبا سفيان بن حرب جبار بن صخر الأنصاري فخرجا حتى قدما مكة ، وحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج ، ثم دخلا مكة ليلا ؛ فقال جبار لعمرو : لو أنا طفنا بالبيت وصلينا ركعتين ؟ فقال عمرو : إن القوم إذا تعشوا جلسوا بأفنيتهم ؛ فقال : كلا ، إن شاء الله ؛ فقال عمرو : فطفنا بالبيت ، وصلينا ، ثم خرجنا نريد أبا سفيان ، فوالله إنا لنمشي بمكة إذ نظر إلي رجل من أهل مكة فعرفني ، فقال عمرو بن أمية : والله إن قدمها إلا لشر ، فقلت لصاحبي : النجاء ، فخرجنا نشتد ، حتى أصعدنا في جبل ، وخرجوا في طلبنا ، حتى إذا علونا الجبل يئسوا منا ، فرجعنا ، فدخلنا كهفا في الجبل ، فبتنا فيه ، وقد أخذنا حجارة فرضمناها دوننا ؛ فلما أصبحنا غدا رجل من [ ص: 634 ] قريش يقود فرسا له ، ويخلي عليها ، فغشينا ونحن في الغار ، فقلت : إن رآنا صاح بنا ، فأخذنا فقتلنا .
[ قتله أبا سفيان وهربه ]
قال : ومعي خنجر قد أعددته لأبي سفيان ، فأخرج إليه ، فأضربه على ثديه ضربة ، وصاح صيحة أسمع أهل مكة ، وأرجع فأدخل مكاني ، وجاءه الناس يشتدون وهو بآخر رمق ، فقالوا : من ضربك ؟ فقال : عمرو بن أمية ، وغلبه الموت ، فمات مكانه ، ولم يدلل على مكاننا ، فاحتملوه . فقلت لصاحبي ، لما أمسينا : النجاء ؛ فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة ، فمررنا بالحرس وهم يحرسون جيفة ؛ فقال أحدهم : والله ما رأيت كالليلة أشبه بمشية خبيب بن عدي عمرو بن أمية ، لولا أنه بالمدينة لقلت هو عمرو بن أمية ، قال : فلما حاذى الخشبة شد عليها ، فأخذها فاحتملها ، وخرجا شدا ، وخرجوا وراءه ، حتى أتى جرفا بمهبط مسيل يأجج ، فرمى بالخشبة في الجرف ، فغيبه الله عنهم ، فلم يقدروا عليه ، قال : وقلت لصاحبي : النجاء النجاء ، حتى تأتي بعيرك فتقعد عليه ، فإني سأشغل عنك القوم ، وكان الأنصاري لا رجلة له .
[ قتله بكريا في غار ]
قال : ومضيت حتى أخرج على ضجنان ، ثم أويت إلى جبل ، فأدخل كهفا ، فبينا أنا فيه ، إذ دخل علي شيخ من بني الديل أعور ، في غنيمة له ؛ فقال : من الرجل ؟ فقلت : من بني بكر ، فمن أنت ؟ قال : من بني بكر ، فقلت : مرحبا ، فاضطجع ، ثم رفع عقيرته ، فقال :
ولست بمسلم ما دمت حيا ولا دان لدين المسلمينا
فقلت في نفسي : ستعلم ، فأمهلته ، حتى إذا نام أخذت قوسي ، فجعلت سيتها [ ص: 635 ] في عينه الصحيحة ، ثم تحاملت عليه حتى بلغت العظم ، ثم خرجت النجاء ، حتى جئت العرج ، ثم سلكت ركوبة ، حتى إذا هبطت النقيع إذا رجلان من قريش من المشركين ، كانت قريش بعثتهما عينا إلى المدينة ينظران ويتحسسان ، فقلت استأسرا ، فأبيا ، فأرمي أحدهما بسهم فأقتله ، واستأسر الآخر ، فأوثقه رباطا ، وقدمت به المدينة .