[ ] ربيعة بن نصر وشق
ثم قدم عليه شق ، فقال له كقوله لسطيح ، وكتمه ما قال سطيح ، لينظر أيتفقان أم يختلفان ، فقال : نعم ، رأيت حممه ، خرجت من ظلمه ، فوقعت بين روضة وأكمه ، فأكلت منها كل ذات نسمه .
[ ص: 18 ] قال : فلما قال له ذلك ، وعرف أنهما قد اتفقا وأن قولهما واحد إلا أن سطيحا قال : وقعت بأرض تهمه ، فأكلت منها كل ذات جمجمه وقال شق : وقعت بين روضة وأكمه ، فأكلت منها كل ذات نسمه . فقال له الملك : ما أخطأت يا شق منها شيئا ، فما عندك في تأويلها ؟ قال : أحلف بما بين الحرتين من إنسان ، لينزلن أرضكم السودان ، فليغلبن على كل طفلة البنان ، وليملكن ما بين أبين إلى نجران .
فقال له الملك : وأبيك يا شق ، إن هذا لنا لغائظ موجع ، فمتى هو كائن ؟ أفي زماني ، أم بعده ؟ قال : لا ، بل بعده بزمان ، ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شأن ، ويذيقهم أشد الهوان ، قال : ومن هذا العظيم الشان ؟ قال : غلام ليس بدني ، ولا مدن ، يخرج عليهم من بيت ذي يزن ، ( فلا يترك أحدا منهم باليمن ) ، قال : أفيدوم سلطانه ، أم ينقطع ؟ قال : بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل ، بين أهل الدين والفضل ، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل : قال : وما يوم الفصل ؟ قال : يوم تجزى فيه الولاة ، ويدعى فيه من السماء بدعوات ، يسمع منها الأحياء والأموات ، ويجمع فيه بين الناس للميقات ، يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات ، قال : أحق ما تقول ؟ قال : إي ورب السماء والأرض ، وما بينهما من رفع وخفض ، إن ما أنبأتك به لحق ما فيه أمض .
قال ابن هشام : أمض : يعني شكا ، هذا بلغة حمير ، وقال أبو عمرو : أمض أي باطل .
[ هجرة ربيعة بن نصر إلى العراق ]
فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا . فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم ، وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ ، فأسكنهم الحيرة .