مهجع ، وذو الشمالين عمير بن عبد عمرو الخزاعي ، وعاقل بن البكير ، وصفوان بن بيضاء ، وعمير بن أبي وقاص أخو سعد ، وعبيدة بن [ ص: 314 ] الحارث بن المطلب بن عبد مناف المطلبي الذي قطع رجله عتبة ، مات بعد يومين بالصفراء . وهؤلاء من المهاجرين .
وعمير بن الحمام ، وابنا عفراء وحارثة بن سراقة ، ويزيد بن الحارث فسحم ، ورافع بن المعلى الزرقي ، وسعد بن خيثمة الأوسي ، ومبشر بن عبد المنذر أخو أبي لبابة .
فالجملة أربعة عشر رجلا .
وقتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وهما ابنا أربعين ومائة سنة . وكان شيبة أكبر بثلاث سنين .
قال ابن إسحاق : وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش : الحيسمان بن عبد الله الخزاعي . فقالوا : ما وراءك ؟ قال : قتل عتبة ، وشيبة ، وأبو جهل ، وأمية ، وزمعة بن الأسود ، ونبيه ، ومنبه ، وأبو البختري بن هشام . فلما جعل يعدد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحجر : والله إن يعقل هذا فسلوه عني : فقالوا : ما فعل صفوان ؟ قال : ها هو ذاك جالسا ، قد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا .
وعن صلى الله عليه وسلم قال : كنت غلاما أبي رافع مولى النبي للعباس وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت ، فأسلم العباس وأسلمت ، وكان العباس يهاب قومه ويكره الخلاف ويكتم إسلامه ، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه . وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر ، فلما جاءه الخبر بمصاب قريش كبته الله وأخزاه ، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزة ، وكنت رجلا ضعيفا ، وكنت أنحت الأقداح في حجرة زمزم ، فإني لجالس أنحت [ ص: 315 ] أقداحي ، وعندي أم الفضل ، وقد سرنا الخبر ، إذا أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر ، حتى جلس على طنب الحجرة ، فكان ظهره إلى ظهري . فبينا هو جالس إذ قال الناس : هذا قد قدم . فقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أبو لهب : إلي ، فعندك الخبر . قال : فجلس إليه ، والناس قيام عليه ، فقال : يا ابن أخي ، أخبرني كيف كان أمر الناس ؟ قال : والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسرونا ، وايم الله ما لمت الناس ، لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض ، والله ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء .
قال أبو رافع : فرفعت طنب الحجرة بيدي ، ثم قلت : تلك والله الملائكة . فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة . قال : وثاورته ، فحملني وضرب بي الأرض ، ثم برك علي يضربني ، وكنت رجلا ضعيفا . فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة ، فأخذته فضربته به ضربة ، فلقت في رأسه شجة منكرة ، وقالت : استضعفته أن غاب عنه سيده ؟ فقام موليا ذليلا ، فوالله ما عاش إلا سبع ليال ، حتى رماه الله بالعدسة فقتلته . وكانت قريش تتقي هذه العدسة كما يتقى الطاعون ، حتى قال رجل من قريش لابنيه : ويحكما ؟ ألا تستحيان أن أباكما قد أنتن في بيته ألا تدفنانه ؟ فقالا : نخشى عدوى هذه القرحة . فقال : انطلقا فأنا أعينكما فوالله ما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد . ثم احتملوه إلى أعلى مكة ، فأسندوه إلى جدار ، ثم رضموا عليه [ ص: 316 ] الحجارة .
رواه محمد بن إسحاق من طريق عنه بمعناه . قال : حدثني يونس بن بكير الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس قال : حدثني أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم .
وروى عن أبيه ، قال : ناحت عباد بن عبد الله بن الزبير ، قريش على قتلاها ثم قالوا : لا تفعلوا فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم .
وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده : زمعة ، وعقيل ، والحارث . فكان يحب أن يبكي عليهم .
قال ابن إسحاق : ثم بعثت قريش في فداء الأسارى ، فقدم مكرز بن حفص في فداء فقال سهيل بن عمرو ، عمر : دعني يا رسول الله أنزع ثنيتي سهيل يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا ، فقال : لا أمثل به فيمثل الله بي ، وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه . فقام في أهل مكة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من خطبة وحسن إسلامه . أبي بكر الصديق ،
وانسل المطلب بن أبي وداعة ، ففدى أباه بأربعة آلاف درهم ، وانطلق به .
وبعثت صلى الله عليه وسلم في فداء زوجها زينب بنت رسول الله أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس ، بمال ، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة [ ص: 317 ] أدخلتها بها على أبي العاص . فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها ، وقال : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها . قالوا : نعم ، يا رسول الله . وأطلقوه .
فأخذ عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيل زينب ، وكانت من المستضعفين من النساء ، واستكتمه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، وبعث ورجلا من زيد بن حارثة الأنصار ، فقال : كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحبانها حتى تأتياني بها . وذلك بعد بدر بشهر .
فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها ، فتجهزت . فقدم أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيرا ، فركبته وأخذ قوسه وكنانته ، ثم خرج بها نهارا يقودها ، فتحدث بذلك رجال ، فخرجوا في طلبها ، فبرك كنانة ونثر كنانته لما أدركوها لذي طوى ، فروعها هبار بن الأسود بالرمح . فقال كنانة : والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما . فتكركر الناس عنه . وأتى أبو سفيان في جلة من قريش ، فقال : أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك . فكف ، فوقف عليه أبو سفيان فقال : إنك لم تصب ، خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية ، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد ، فيظن الناس إذا خرجت بابنته إليه علانية أن ذلك على ذل أصابنا ، وأن ذلك منا وهن وضعف ، ولعمري ما بنا بحبسها عن أبيها من حاجة ، ولكن ارجع بالمرأة ، حتى إذا هدأت الأصوات ، وتحدث الناس أنا رددناها ، فسلها سرا وألحقها بأبيها . قال : ففعل ، ثم خرج بها ليلا ، بعد ليال ، فسلمها إلى زيد وصاحبه ، فقدما بها على النبي صلى الله عليه وسلم فأقامت عنده .
[ ص: 318 ] فلما كان قبل الفتح ، خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بماله ، وبمال كثير لقريش ، فلما رجع لقيته سرية فأصابوا ما معه ، وأعجزهم هاربا ، فقدموا بما أصابوا . وأقبل أبو العاص في الليل ، حتى دخل على زينب ، فاستجار بها فأجارته ، وجاء في طلب ماله . فلما خرج صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وكبر وكبر الناس معه ، صرخت زينب من صفة النساء : أيها الناس إني قد أجرت . أبا العاص بن الربيع
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى السرية الذين أصابوا ماله فقال : " إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم ، وقد أصبتم له مالا ، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له ، فإنا نحب ذلك ، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم ، فأنتم أحق به " . قالوا : بل نرده ، فردوه كله . ثم ذهب به إلى مكة ، فأدى إلى كل ذي مال ماله . ثم قال : يا معشر قريش ، هل بقي لأحد منكم عندي مال ؟ قالوا : لا ، فجزاك الله خيرا ، فقد وجدناك وفيا كريما . قال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم .
ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن ابن عباس قال : رد عليه النبي صلى الله عليه وسلم زينب على النكاح الأول ، لم يحدث شيئا .
ومن الأسارى : الوليد بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، أسره عبد الله بن جحش ، وقيل : سليط المازني .
وقدم في فدائه أخواه : خالد بن الوليد ، وهشام بن الوليد ، فافتكاه بأربعة آلاف درهم ، وذهبا به .
فلما افتدي أسلم ، فقيل له في ذلك فقال : كرهت أن يظنوا بي أني [ ص: 319 ] جزعت من الأسر ، فحبسوه بمكة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت ، ثم هرب ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية ، وتوفي قديما ; لعل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، فبكته أم سلمة ، وهي بنت عمه :
يا عين فابكي للولي د بن الوليد بن المغيره قد كان غيثا في السني
ن ورحمة فينا وميره ضخم الدسيعة ماجدا
يسمو إلى طلب الوتيره مثل الوليد بن الوليد
أبي الوليد كفى العشيره
وقال عروة بن الزبير : جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر بيسير في الحجر ، وكان عمير من شياطين قريش ، وممن يؤذي المسلمين ، وكان ابنه وهيب في الأسرى ، فذكر أصحاب القليب ومصابهم ، فقال صفوان : والله إن في العيش بعدهم لخيرا ، فقال عمير : صدقت ، والله لولا دين علي ليس عندي له قضاء ، وعيال أخشى عليهم ، لركبت إلى محمد حتى أقتله ، فإن لي فيهم علة ; ابني أسير في أيديهم . فاغتنمها صفوان فقال : علي دينك وعيالك . قال : فاكتم علي . ثم شحذ سيفه وسمه ، ومضى إلى المدينة .
فبينا عمر في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ، إذ نظر عمر إلى عمير حين أناخ على باب المسجد متوشحا بالسيف . فقال : هذا الكلب عدو الله عمير ، قال : وهو الذي حزرنا يوم بدر . ثم دخل على [ ص: 320 ] النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هذا عمير . قال : أدخله علي . فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه ، فلببه به ، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار : ادخلوا على رسول الله فاجلسوا عنده واحذروا عليه هذا الخبيث . ثم دخل به فقال عليه السلام : أرسله يا عمر ، ادن يا عمير . فدنا ، ثم قال : أنعموا صباحا ، قال : فما جاء بك ؟ قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم . قال : فما بال السيف في عنقك ؟ قال : قبحها الله من سيوف ، وهل أغنت شيئا ؟ قال : اصدقني ما الذي جئت له ؟ قال : ما جئت إلا لذلك . قال : بلى ، قعدت أنت وصفوان في الحجر ، وقص له ما قالا . فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله ، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتينا به من خبر السماء ، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فوالله لأعلم ما أتاك به إلا الله ، فالحمد لله الذي هداني للإسلام . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فقهوا أخاكم في دينه ، وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره . ففعلوا .
ثم قال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله ، شديد الأذى لمن كان على دين الله ، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله ورسوله ، لعل الله أن يهديهم ، وإلا آذيتهم في دينهم . فأذن له ولحق بمكة . وكان صفوان يعد قريشا يقول : أبشروا بوقعة تأتيكم الآن تنسيكم وقعة بدر . وكان صفوان يسأل عنه الركبان ، حتى قدم راكبا فأخبره عن إسلامه ، فحلف لا يكلمه أبدا ولا ينفعه بشيء أبدا . ثم أقام يدعو إلى الإسلام ، ويؤذي المشركين ، فأسلم على يديه ناس كثير .