عقب الربيع خلافهم فكأنما نشط الشواطب بينهن حصيرا
ومنه قول الشاعر :
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تأهب لأخرى مثلها وكأن قد
ويؤيد هذا التأويل قراءة ، ابن عباس وأبي حيوة ، : " خلف رسول الله " . وقال وعمرو بن ميمون قطرب ، ومؤرج ، ، والزجاج : انتصب ( خلاف ) على أنه مفعول لأجله ، أي : لمخالفة رسول الله ، لأنهم خالفوه حيث نهض للجهاد وقعدوا . ويؤيد هذا التأويل قراءة من قرأ : ( خلف ) بضم الخاء ، وما تظاهرت به الروايات من أنه أمرهم بالنفر فغضبوا وخالفوا وقعدوا مستأذنين وغير مستأذنين ، وكراهتهم للجهاد هي لكونهم لا يرجون به ثوابا ، ولا يدفعون بزعمهم عنهم عقابا . وفي قوله : ( فرح ) ( وكرهوا ) مقابلة معنوية ، لأن الفرح من ثمرات المحبة . وفي قوله : ( والطبري أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ) تعريض بالمؤمنين وبتحملهم المشاق العظيمة ، أي : كالمؤمنين الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم في الجهاد في سبيل الله ، وآثروا ذلك على الدعة والخفض ، وكره ذلك المنافقون ، وكيف لا يكرهونه وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان . والفرح بالقعود يتضمن الكراهة للخروج ، وكأن الفرح بالقعود هو لمثل الإقامة ببلده لأجل الألفة والإيناس بالأهل والولد ، وكراهة الخروج إلى الغزو لأنه تعريض بالنفس والمال للقتل والتلف . واستعذروا بشدة الحر ، فأجاب الله تعالى عما ذكروا أنه سبب لترك النفر ، وقالوا : إنه قال بعضهم لبعض وكانوا أربعة وثمانين رجلا . وقيل : قالوا للمؤمنين : لم يكفهم ما هم عليه من النفاق والكسل حتى أرادوا أن يكسبوا غيرهم وينبهوهم على العلة الموجبة لترك النفر . قال ، ابن عباس وأبو رزين والربيع : قال رجل : يا رسول الله ، الحر شديد ، فلا تنفر في الحر . وقال : هو رجل من محمد بن كعب بني سلمة . انتهى . أي : قال ذلك عن لسانهم ، فلذلك جاء ( وقالوا ) بلفظ الجمع . وكانت غزوة تبوك في وقت شدة الحر وطيب الثمار والظلال ، فأمر الله نبيه أن يقول لهم : ( قل نار جهنم أشد حرا ) ، أقام الحجة عليهم بأنه قيل لهم : إذا كنتم تجزعون من حر القيظ ، فنار جهنم التي هي أشد أحرى أن تجزعوا منها لو فقهتم . قال : ( الزمخشري قل نار جهنم أشد حرا ) استجهال لهم ؛ لأن من تصون من مشقة ساعة فوقع بذلك التصون في مشقة الأبد كان أجهل من كل جاهل . ولبعضهم :
مسرة أحقاد تلقيت بعدها مساءة يوم أرى بها شبه الصاب
فكيف بأن تلقى مسرة ساعة وراء تقضيها مساءة أحقاب
[ ص: 80 ] انتهى . وقرأ عبيد الله : ( يعلمون ) مكان " يفقهون ( ، وينبغي أن يحمل ذلك على معنى التفسير ؛ لأنه مخالف لسواد ما أجمع المسلمون عليه ، ولما روى عنه الأئمة . والأمر بالضحك والبكاء في معنى الخبر ، والمعنى : فسيضحكون قليلا ويبكون كثيرا ، إلا أنه أخرج على صيغة الأمر للدلالة على أنه حتم لا يكون غيره . روي أن أهل النفاق يكونون في النار عمر الدنيا ، لا يرقأ لهم دمع ، ولا يكتحلون بنوم . والظاهر أن قوله : ( فليضحكوا قليلا ) إشارة إلى مدة العمر في الدنيا ، ( وليبكوا كثيرا ) إشارة إلى تأبيد الخلود ، فجاء بلفظ الأمر ومعناه الخبر عن حالهم . قال ابن عطية : ويحتمل أن تكون صفة حالهم ، أي : هم لما هم عليه من الخطر مع الله وسوء الحال ، بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلا وبكاؤهم كثيرا من أجل ذلك ، وهذا يقتضي أن يكون وقت الضحك والبكاء في الدنيا ; نحو قوله عليه السلام لأمته : ) لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا " وانتصب ( قليلا ) و ( كثيرا ) على المصدر ، لأنهما نعت للمصدر ، أي : ضحكا قليلا وبكاء كثيرا . وهذا من المواضع التي يحذف فيها المنعوت ، ويقوم نعته مقامه ، وذلك لدلالة الفعل عليه . وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكونا نعتا لظرف محذوف ، أي : زمانا قليلا ، وزمانا كثيرا . انتهى . والأول أجود ؛ لأن دلالة الفعل على المصدر بحروفه ، ودلالته على الزمان بهيئته ، فدلالته على المصدر أقوى . وانتصب ( جزاء ) على أنه مفعول لأجله ، وهو متعلق بقوله : ( وليبكوا كثيرا ) .