( واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا ) : لم يصرح باسم أخيه لأنه قد تقدم أولا في قوله : ( ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون ) وتبوآ : اتخذا مباءة ، أي : مرجعا للعبادة والصلاة كما تقول : توطن : اتخذ موطنا ، والظاهر اتخاذ البيوت بـ مصر . قال الضحاك : وهي مصر المحروسة ، و مصر من البحر إلى أسوان ، والأسكندرية من أرض مصر . وقال مجاهد : هي [ ص: 186 ] الأسكندرية ، وكان فرعون قد استولى على بني إسرائيل ، خرب مساجدهم ومواضع عباداتهم ، ومنعهم من الصلوات ، وكلفهم الأعمال الشاقة .
وكانوا في أول أمرهم مأمورين بأن يصلوا في بيوتهم في خفية من الكفرة لئلا يظهروا عليهم ، فيردوهم ويفتنوهم عن دينهم ، كما كان المؤمنون على ذلك في أول الإسلام .
وقرأ حفص في رواية هبيرة : تبويا بالياء ، وهذا تسهيل غير قياسي ، ولو جرى على القياس لكان بين الهمزة والألف ، والظاهر أن المأمور بأن يجعل قبلة هي المأمور بتبوئها .
ومعنى قبلة : مساجد ، أمروا بأن يتخذوا بيوتهم مساجد ، قاله النخعي وابن زيد ، وروي عن أيضا : واجعلوا بيوتكم قبل القبلة ، وعنه أيضا : قبل ابن عباس مكة . وقال مجاهد وقتادة ومقاتل : أمروا بأن يجعلوها مستقبلة الكعبة . وعن والفراء أيضا ابن عباس : قبلة يقابل بعضها بعضا . ( وابن جبير وأقيموا الصلاة ) : وهذا قبل نزول التوراة ، لأنها لم تنزل إلا بعد إجارة البحر . ( وبشر المؤمنين ) يعني : بالنصر في الدنيا وبالجنة في الآخرة ، وهو أمر لـ موسى عليه السلام أن يتبوآ لقومهما ويختاراها للعبادة ، وذلك مما يفوض إلى الأنبياء . ثم نسق الخطاب عاما لهما ولقومهما باتخاذ المساجد والصلاة فيها ، لأن ذلك واجب على الجمهور ، ثم خص موسى عليه السلام بالتبشير الذي هو الغرض ، تعظيما له وللمبشر به .