قال المؤرخون والمفسرون : كان لهم فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن الذهب والفضة والزبرجد والياقوت . وفي تكرار ربنا توكيد للدعاء والاستغاثة ، واللام في ليضلوا الظاهر أنها لام كي على معنى : آتيتهم ما آتيتهم على سبيل الاستدراج ، فكان الإتيان لكي يضلوا . ويحتمل أن تكون لام الصيرورة والعاقبة كقوله : ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) وكما قال الشاعر :
وللمنايا تربي كل مرضعة وللخراب يجد الناس عمرانا
وقال الحسن : هو دعاء عليهم ، وبهذا بدأ قال : كأنه قال ليثبتوا على ما هم عليه من الضلال وليكونوا ضلالا ، وليطبع الله على قلوبهم فلا يؤمنوا . ويبعد أن يكون دعاء على قراءة من قرأ : ( ليضلوا ) بضم الياء ، إذ يبعد أن يدعو بأن يكونوا مضلين غيرهم ، وهي قراءة الكوفيين الزمخشري وقتادة والأعمش وعيسى والحسن بخلاف عنهما . والأعرج
وقرأ الحرميان والعربيان ومجاهد وأبو رجاء والأعرج وشيبة وأبو جعفر وأهل مكة بفتحها . وقرأ بكسرها ، والى بين الكسرات [ ص: 187 ] الثلاث . وقيل : لا محذوفة ، التقدير : لئلا يضلوا عن سبيلك قاله الشعبي . وقرأ أبو علي الجبائي أبو الفضل الرقاشي : ( أإنك آتيت ) على الاستفهام . ولما تقدم ذكر الأموال وهي أعز ما ادخر ، دعا بالطموس عليها وهي التعفية والتغيير أو الإهلاك . قال ابن عباس : صارت دراهمهم حجارة منقوشة صحاحا وأثلاثا وأنصافا ، ولم يبق لهم معدن إلا طمس الله عليه فلم ينتفع بها أحد بعد . وقال ومحمد بن كعب قتادة : بلغنا أن أموالهم وزروعهم صارت حجارة .
وقال مجاهد وعطية : أهلكها حتى لا ترى . وقال ابن زيد : صارت دنانيرهم ودراهمهم وفرشهم وكل شيء لهم حجارة . قال : سألني محمد بن كعب فذكرت ذلك له ، فدعا بخريطة أصيبت بـ عمر بن عبد العزيز مصر فأخرج منها الفواكه والدراهم والدنانير ، وأنها الحجارة . وقال قتادة والضحاك وأبو صالح والقرطبي : جعل سكرهم حجارة . وقال : مسخ الله الثمار والنخل والأطعمة حجارة . وقال شيخنا السدي أبو عبد الله محمد بن سليمان المقدسي عرف بابن النقيب ، وهو جامع كتاب التحرير والتحبير في هذا الكتاب : أخبرني جماعة من الصالحين كان شغلهم السياحة : أنهم عاينوا بجبال مصر وبراريها حجارة على هيئة الدنانير والدراهم ، وفيها آثار النفس وعلى هيئة الفلوس ، وعلى هيئة البطيخ العبدوي وهيئة البطيخ الأخضر ، وعلى هيئة الخيار وعلى هيئة القثاء ، وحجارة مطولة رقيقة معوجة على هيئة النقوش ، وربما رأوا على صورة الشجر .
واشدد : على قلوبهم ، وقال ابن عباس ومقاتل والفراء : اطبع عليها وامنعها من الإيمان . وقال والزجاج أيضا ابن عباس والضحاك : أهلكهم كفارا .
وقال مجاهد : اشدد عليها بالضلالة ، وقال ابن قتيبة : قس قلوبهم ، وقال ابن بحر : اشدد عليها بالموت ، وقال الكرماني : أي لا تجدوا سلوا عن أموالهم ، ولا صبرا على ذهابها . وقرأ وفرقة : اطمس بضم الميم ، وهي لغة مشهورة . فلا يؤمنوا مجزوم على أنه دعاء عند الشعبي الكسائي ، كما قال والفراء الأعشى :
فلا تنبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغم
وقرأ ابن السميقع : قد أجبت دعوتكما خبرا عن الله تعالى ونصب دعوة ، والربيع : دعوتيكما ، وهذا يؤكد قول من قال : إن هارون دعا مع موسى .
وقراءة : ( دعوتيكما ) تدل على أنه قرأ : قد أجبت على أنه فعل وفاعل ، ثم أمرا بالاستقامة والمعنى : الديمومة عليها وعلى ما أمرتما به من الدعوة إلى الله تعالى ، وإلزام حجة الله . وقرأ الجمهور : ( تتبعان ) بتشديد التاء والنون ، وابن عباس وابن ذكوان بتخفيف التاء وشد النون ، وابن ذكوان أيضا بتشديد التاء وتخفيف النون ، وفرقة بتخفيف التاء وسكون النون ، وروى ذلك الأخفش الدمشقي عن أصحابه عن ابن عامر ، فأما شد النون فعلى أنها نون التوكيد الشديدة لحقت فعل النهي المتصل به ضمير الاثنين ، وأما تخفيفها [ ص: 188 ] مكسورة فقيل : هي نون التوكيد الخفيفة ، وكسرت كما كسرت الشديدة . وقد حكى النحويون كسر النون الخفيفة في مثل هذا عن العرب ، ومذهب سيبويه أنها لا تدخل هنا الخفيفة ، والكسائي ويونس يريان ذلك . وقيل : النون المكسورة الخفيفة هي علامة الرفع والفعل منفي والمراد منه النهي ، أو هو خبر في موضع الحال ، أي : غير متبعين قاله والفراء الفارسي . والذين لا يعلمون فرعون وقومه قاله : . أو الذين يستعجلون القضاء قبل مجيئه ، ذكره ابن عباس أبو سليمان .