[ ص: 193 ] ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ) : قيل : نزلت في أبي طالب ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - أسف بموته على ملة عبد المطلب وكان حريصا على إيمانه .
ولما كان أحرص الناس على هدايتهم وأسعى في وصول الخير إليهم ، والفوز بالإيمان منهم وأكثر اجتهادا في نجاة العالمين من العذاب ، أخبره تعالى أنه خلق أهلا للسعادة وأهلا للشقاوة ، وأنه لو أراد إيمانهم كلهم لفعل ، وأنه لا قدرة لأحد على التصرف في أحد .
والمقصود : بيان أن القدرة القاهرة والمشيئة النافذة ليست إلا له تعالى . وتقديم الاسم في الاستفهام على الفعل يدل على إمكان حصول الفعل ، لكن من غير ذلك الاسم ، فلله تعالى أن يكره الناس على الإيمان لو شاء ، وليس ذلك لغيره .
وقال : ( الزمخشري ولو شاء ربك ) : مشيئة القسر والإلجاء ( لآمن من في الأرض كلهم ) على وجه الإحاطة والشمول جميعا : مجتمعين على الإيمان مطبقين عليه ، لا يختلفون فيه .
ألا ترى إلى قوله تعالى : ( أفأنت تكره الناس ) يعني : إنما يقدر على إكراههم واضطرارهم على الإيمان هؤلاء أنت ؟ . وإتلاء الاسم حرف الاستفهام للإعلام بأن الإكراه ممكن مقدور عليه ، وإنما الشأن في المكره من هو ؟ وما هو إلا هو وحده ولا يشارك فيه ، لأنه تعالى هو القادر على أن يفعل في قلوبهم ما يضطرون عنده إلى الإيمان ، وذلك غير مستطاع للبشر انتهى .
وقوله : مشيئة القسر والإلجاء هو مذهب المعتزلة . وقال ابن عطية : المعنى : أن هذا الذي تقدم ذكره إنما كان جميعه بقضاء الله عليهم ومشيئته فيهم ، ولو شاء الله لكان الجميع مؤمنا ، فلا تتأسف أنت يا محمد على كفر من لم يؤمن بك ، وادع ولا عليك فالأمر محتوم . أتريد أنت أن تكره الناس بإدخال الإيمان في قلوبهم ، وتضطرهم إلى ذلك والله عز وجل قد شاء غيره ؟ فهذا التأويل الآية عليه محكمة ، أي : ادع وقاتل من خالفك .
وإيمان من آمن مصروف إلى المشيئة . وقالت فرقة : المعنى : أفأنت تكره الناس بالقتال حتى يدخلوا في الإيمان ؟ وزعمت أن هذه الآية في صدر الإسلام وأنها منسوخة بآية السيف ، والآية على كلا التأويلين رادة على المعتزلة ، انتهى .
ولذلك ذهب : إلى تفسير المشيئة بمشيئة القسر والإلجاء ، وهو تفسير الزمخشري الجبائي والقاضي . ومعنى إلا بإذن الله أي : بإرادته وتقديره لذلك والتمكن منه . وقال : بتسهيله وهو منح الإلطاف . ( الزمخشري ويجعل الرجس ) وهو الخذلان على الذين لا يعقلون ، وهم المصرون على الكفر . وسمي الخذلان رجسا وهو العذاب لأنه سببه انتهى .
وهو على طريق الاعتزال . وقال : الرجس : السخط وعنه : الإثم والعدوان . وقال ابن عباس مجاهد : ما لا خير فيه . وقال الحسن وأبو عبيدة : العذاب . وقال والزجاج الفراء : العذاب والغضب . وقال الحسن أيضا : الكفر . وقال قتادة : الشيطان وقد تقدم تفسيره ، ولكن نقلنا ما قاله العلماء هنا . وقرأ أبو بكر : ونجعل بالنون ، وقرأ وزيد بن علي : ( ويجعل الله الرجز ) بالزاي . الأعمش