(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا ) : ذكروا أن العامل في إذ محذوف ، ورب : منادى مضاف إلى الياء ، وحذف منه حرف النداء ، والمضاف إلى الياء فيه لغات ، أحسنها : أن تحذف منه ياء الإضافة ، ويدل عليها بالكسرة ، فيجتزأ بها لأن النداء موضع تخفيف . ألا ترى إلى جواز الترخيم فيه ؟ وتلك اللغات مذكورة في النحو ، وسيأتي
[ ص: 383 ] منها في القرآن شيء ، ونتكلم عليه في مكانه - إن شاء الله تعالى - . وناداه بلفظ الرب مضافا إليه ، لما في ذلك من تلطف السؤال والنداء بالوصف الدال على قبول السائل وإجابة ضراعته . واجعل هنا بمعنى : صير ، وصورته أمر ، وهو طلب ورغبة . وهذا إشارة إلى الوادي الذي دعا لأهله حين أسكنهم فيه ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ) ، أو إلى المكان الذي صار بلدا ، ولذلك نكره فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126بلدا آمنا ) . وحين صار بلدا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني ) ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=1لا أقسم بهذا البلد ) ، هذا إن كان الدعاء مرتين في وقتين . وقيل : الآيتان سواء ، فتحتمل آية التنكير أن يكون قبلها معرفة محذوفة ، أي اجعل هذا البلد بلدا آمنا ، ويكون " بلدا " النكرة توطئة لما يجيء بعده ، كما تقول : كان هذا اليوم يوما حارا ، فتكون الإشارة إليه في الآيتين بعد كونه بلدا . ويحتمل وجها آخر وهو : أنه لا يكون محذوفا ولا يكون إذ ذاك " بلدا " بل دعى له بذلك ، وتكون المعرفة الذي جاء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35هذا البلد ) ، باعتبار ما يئول إليه سماه بلدا . ووصف بلد بآمن ، إما على معنى النسب ، أي ذا أمن ، كقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=21عيشة راضية ) ، أي ذات رضا ، أو على الاتساع لما كان يقع فيه الأمن جعله آمنا كقولهم : نهارك صائم وليلك قائم . وهل الدعاء بأن يجعله آمنا من الجبابرة والمسلطين ، أو من أن يعود حرمه حلالا ، أو من أن يخلو من أهله ، أو آمنا من القتل ، أو من الخسف والقذف ، أو من القحط والجدب ، أو من دخول
الدجال ، أو من
أصحاب الفيل ؟ أقوال . ومن فسر آمنا بكونه آمنا من الجبابرة ، فالواقع يرده ، إذ قد دخل فيه الجبابرة وقتلوا ،
كعمرو بن لحي الجرهمي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14078والحجاج بن يوسف ،
والقرامطة ، وغيرهم . وكذلك من قال آمنا من القحط والجدب ، فهي أكثر بلاد الله قحطا وجدبا . وقال
القفال : معناه مأمونا فيه ، وكانوا قبل أن تغزوهم العرب في غاية الأمن ، حتى أن أحدهم إذا وجد بمفازة أو برية لا يتعرض إليه عندما يعلم أنه من سكان الحرم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا ) : ذَكَرُوا أَنَّ الْعَامِلَ فِي إِذْ مَحْذُوفٌ ، وَرَبُّ : مُنَادًى مُضَافٌ إِلَى الْيَاءِ ، وَحَذْفُ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ ، وَالْمُضَافُ إِلَى الْيَاءِ فِيهِ لُغَاتٌ ، أَحْسَنُهَا : أَنْ تُحْذَفَ مِنْهُ يَاءُ الْإِضَافَةِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهَا بِالْكَسْرَةِ ، فَيُجْتَزَأُ بِهَا لِأَنَّ النِّدَاءَ مَوْضِعُ تَخْفِيفٍ . أَلَا تَرَى إِلَى جَوَازِ التَّرْخِيمِ فِيهِ ؟ وَتِلْكَ اللُّغَاتُ مَذْكُورَةٌ فِي النَّحْوِ ، وَسَيَأْتِي
[ ص: 383 ] مِنْهَا فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ ، وَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي مَكَانِهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - . وَنَادَاهُ بِلَفْظِ الرَّبِّ مُضَافًا إِلَيْهِ ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَلَطُّفِ السُّؤَالِ وَالنِّدَاءِ بِالْوَصْفِ الدَّالِّ عَلَى قَبُولِ السَّائِلِ وَإِجَابَةِ ضَرَاعَتِهِ . وَاجْعَلْ هُنَا بِمَعْنَى : صَيِّرْ ، وَصُورَتُهُ أَمْرٌ ، وَهُوَ طَلَبٌ وَرَغْبَةٌ . وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى الْوَادِي الَّذِي دَعَا لِأَهْلِهِ حِينَ أَسْكَنَهُمْ فِيهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) ، أَوْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَارَ بَلَدًا ، وَلِذَلِكَ نَكَّرَهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126بَلَدًا آمِنًا ) . وَحِينَ صَارَ بَلَدًا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي ) ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ) ، هَذَا إِنْ كَانَ الدُّعَاءُ مَرَّتَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ . وَقِيلَ : الْآيَتَانِ سَوَاءٌ ، فَتَحْتَمِلُ آيَةَ التَّنْكِيرِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا مَعْرِفَةٌ مَحْذُوفَةٌ ، أَيِ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ بَلَدًا آمِنًا ، وَيَكُونُ " بَلَدًا " النَّكِرَةُ تَوْطِئَةً لِمَا يَجِيءُ بَعْدَهُ ، كَمَا تَقُولُ : كَانَ هَذَا الْيَوْمُ يَوْمًا حَارًّا ، فَتَكُونُ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي الْآيَتَيْنِ بَعْدَ كَوْنِهِ بَلَدًا . وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ : أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَحْذُوفًا وَلَا يَكُونُ إِذْ ذَاكَ " بَلَدًا " بَلْ دَعَى لَهُ بِذَلِكَ ، وَتَكُونُ الْمَعْرِفَةُ الَّذِي جَاءَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35هَذَا الْبَلَدَ ) ، بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ سَمَّاهُ بَلَدًا . وَوَصْفُ بَلَدٍ بِآمِنٍ ، إِمَّا عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ ، أَيْ ذَا أَمْنٍ ، كَقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=21عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ) ، أَيْ ذَاتِ رِضًا ، أَوْ عَلَى الِاتِّسَاعِ لَمَّا كَانَ يَقَعُ فِيهِ الْأَمْنُ جَعَلَهُ آمِنًا كَقَوْلِهِمْ : نَهَارُكَ صَائِمٌ وَلَيْلُكَ قَائِمٌ . وَهَلِ الدُّعَاءُ بِأَنْ يَجْعَلَهُ آمِنًا مِنَ الْجَبَابِرَةِ وَالْمُسَلَّطِينَ ، أَوْ مِنْ أَنْ يَعُودَ حَرَمُهُ حَلَالًا ، أَوْ مِنْ أَنْ يَخْلُوَ مِنْ أَهْلِهِ ، أَوْ آمِنًا مِنَ الْقَتْلِ ، أَوْ مِنَ الْخَسْفِ وَالْقَذْفِ ، أَوْ مِنَ الْقَحْطِ وَالْجَدْبِ ، أَوْ مِنْ دُخُولِ
الدَّجَّالِ ، أَوْ مِنْ
أَصْحَابِ الْفِيلِ ؟ أَقْوَالٌ . وَمَنْ فَسَّرَ آمِنًا بِكَوْنِهِ آمِنًا مِنَ الْجَبَابِرَةِ ، فَالْوَاقِعُ يَرُدُّهُ ، إِذْ قَدْ دَخَلَ فِيهِ الْجَبَابِرَةُ وَقَتَلُوا ،
كَعَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ الْجُرْهُمِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14078وَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ ،
وَالْقَرَامِطَةِ ، وَغَيْرِهِمْ . وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ آمِنًا مِنَ الْقَحْطِ وَالْجَدْبِ ، فَهِيَ أَكْثَرُ بِلَادِ اللَّهِ قَحْطًا وَجَدْبًا . وَقَالَ
الْقَفَّالُ : مَعْنَاهُ مَأْمُونًا فِيهِ ، وَكَانُوا قَبْلَ أَنْ تَغْزُوَهُمُ الْعَرَبُ فِي غَايَةِ الْأَمْنِ ، حَتَّى أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا وَجَدَ بِمَفَازَةٍ أَوْ بَرِيَّةٍ لَا يَتَعَرَّضُ إِلَيْهِ عِنْدَمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ سُكَّانِ الْحَرَمِ .