قرأ الجمهور : ( وصلنا ) مشدد الصاد ؛ والحسن : بتخفيفها ، والضمير في لهم لقريش . وقال رفاعة القرظي : نزلت في عشرة من اليهود ، أنا أحدهم . قال الجمهور : وصلنا : تابعنا القرآن موصولا بعضه ببعض في المواعظ والزجر والدعاء إلى الإسلام . وقال الحسن : وفي ذكر الأمم المهلكة . وقال مجاهد : جعلناه أوصالا من حيث كان أنواعا من القول في معان مختلفة . وقال ابن زيد : وصلنا لهم خبر الآخرة بخبر الدنيا ، حتى كأنهم عاينوا الآخرة . وقال الأخفش : أتممنا لوصلك الشيء بالشيء ، وأصل التوصل في الحبل ، يوصل بعضه ببعض . وقال الشاعر :
فقل لبني مروان ما بال ذمتي بحبل ضعيف لا يزال يوصل
وهذه الأقوال معناها : توصيل المعاني فيه بها إليهم . وقالت فرقة : التوصيل بالنسبة إلى الألفاظ ، أي وصلنا لهم قولا معجزا دالا على نبوتك . وأهل الكتاب هنا جماعة من اليهود أسلمت ، وكان الكفار يؤذونهم . أو بحيرا الراهب ، أو ، أو النجاشي . سلمان الفارسي وابن سلام ، وأبو رفاعة ، وابنه في عشرة من اليهود أسلموا . أو أربعون من أهل الإنجيل كانوا مؤمنين بالرسول قبل مبعثه ، اثنان وثلاثون من الحبشة أقبلوا مع ، وثمانية قدموا من جعفر بن أبي طالب الشام : بحيرا ، وأبرهة ، وأشرف ، وأربد ، وتمام ، وإدريس ، ونافع ، وراد أو ابن سلام ، ، وتميم الداري والجارود العبدي ، وسلمان ، سبعة أقوال آخرها لقتادة . والظاهر أنها أمثلة لمن آمن منهم ، والضمير في به عائد على القول ، وهو القرآن . وقال الفراء : عائد على الرسول ، وقال أيضا : إن عاد على القرآن ، كان صوابا ؛ لأنهم قد قالوا : إنه الحق من ربنا . انتهى .
( إنه الحق من ربنا ) تعليل للإيمان به ؛ لأن كونه حقا من الله حقيق بأن نؤمن به . ( إنا كنا من قبله مسلمين ) بيان لقوله : ( آمنا به ) أي إيماننا به متقادم ، إذ كان الآباء الأقدمون إلى آبائنا قرءوا ما في الكتاب الأول ، وأعلموا بذلك الأبناء ، فنحن مسلمون من قبل نزوله وتلاوته علينا ، . وإيتاء الأجر مرتين لكونه آمن بكتابه وبالقرآن ؛ وعلل ذلك بصبرهم أي على تكاليف الشريعة السابقة لهم ، وهذه الشريعة وما يلقون من الأذى . وفي الحديث : والإسلام صفة كل موحد مصدق بالوحي الحديث . ( " ثلاثة يؤتيهم الله أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي " ويدرءون ) يدفعون ( بالحسنة ) بالطاعة ( السيئة ) المعصية المتقدمة ، أو بالحلم الأذى ، وذلك من مكارم الأخلاق . وقال : يدفعون بشهادة أن لا إله إلا الله الشرك . وقال ابن مسعود ابن جبير : بالمعروف المنكر . وقال ابن زيد : بالخير الشر . وقال ابن سلام : بالعلم الجهل ، وبالكظم الغيظ . وفي وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ : . و ( " أتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " اللغو ) سقط القول . وقال مجاهد : الأذى والسب . وقال الضحاك : الشرك . وقال ابن زيد : ما غيرته اليهود من وصف الرسول ، سمعه قوم منهم ، فكرهوا ذلك وأعرضوا . ( ولكم أعمالكم ) خطاب لقائل اللغو المفهوم ذلك من قوله : ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ) .
( سلام عليكم ) [ ص: 126 ] قال : سلام متاركة لا سلام تحية . ( الزجاج لا نبتغي الجاهلين ) أي لا نطلب مخالطتهم . ( إنك لا تهدي من أحببت ) أي لا تقدر على خلق الهداية فيه ، ولا تنافي بين هذا وبين قوله : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) ؛ لأن معنى هذا : وإنك لترشد . وقد أجمع المسلمون على أنها نزلت في أبي طالب ، وحديثه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حالة أن مات مشهور . وقال : لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت ؛ لأنك لا تعلم المطبوع على قلبه من غيره ، ولكن الله يدخل في الإسلام من يشاء ، وهو الذي علم أنه غير مطبوع على قلبه ، وأن الألطاف تنفع فيه ، فتقرب به ألطافه حتى يدعوه إلى القبول . ( الزمخشري وهو أعلم بالمهتدين ) بالقابلين من الذين لا يقبلون . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال في أمر الألطاف . وقالوا : الضمير في وقالوا لقريش . وقيل ، القائل الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف : إنك على الحق ، ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب ، فذلك وإنما نحن أكلة رأس ، أي قليلون أن يتخطفونا من أرضنا .
وقولهم : ( الهدى معك ) أي على زعمك ، فقطع الله حجتهم ؛ إذ كانوا - وهم كفار بالله - عباد أصنام قد أمنوا في حرمهم ، والناس في غيره يتقاتلون ، وهم مقيمون في بلد غير ذي زرع ، يجيء إليهم ما يحتاجون من الأقوات ، فكيف إذا آمنوا واهتدوا ؟ فهو - تعالى - يمهد لهم الأرض ويملكهم الأرض ، كما وعدهم تعالى ، ووقع ما وعد به ، ووصف الحرم بالأمن مجاز ، إذ الآمنون فيه هم ساكنوه . و ( ثمرات كل شيء ) عام مخصوص يراد به الكثرة . وقرأ المنقري : يتخطف ، برفع الفاء ، مثل قوله تعالى : " أينما تكونوا يدرككم " برفع الكاف أي فيدرككم ، أي فهو يدرككم . وقوله : من يفعل الحسنات الله يشكرها : أي فيتخطف ، وفالله يشكرها ، وهو تخريج شذوذ . وقرأ نافع وجماعة عن يعقوب ، وأبو حاتم عن عاصم : تجبى ، بتاء التأنيث ، والباقون بالياء . وقرأ الجمهور : ثمرات ، بفتحتين ؛ : بضمتين ، وبعضهم : بفتح الثاء وإسكان الميم . وانتصب " رزقا " على أنه مصدر من المعنى ؛ لأن قوله : ( وأبان بن تغلب يجبى إليه ثمرات ) أي برزق ثمرات ، أو على أنه مفعول له ، وفاعل الفعل المعلل محذوف ، أي نسوق إليه ثمرات كل شيء ، وإن كان الرزق ليس مصدرا ، بل بمعنى المرزوق ، جاز انتصابه على الحال من ثمرات ، ويحسن لك تخصيصا بالإضافة . و ( أكثرهم لا يعلمون ) أي جهلة بأن ذلك الرزق هو من عندنا .