[ ص: 414 ] هذه السورة مكية ، وعن : إلا ( ابن عباس الله نزل أحسن الحديث ) ، و ( قل يا عبادي الذين أسرفوا ) . وعن مقاتل : إلا ( يا عبادي الذين أسرفوا ) ، وقوله : ( قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ) . وعن بعض السلف : إلا ( يا عبادي الذين أسرفوا ) ، إلى قوله : ( تشعرون ) ، ثلاث آيات . وعن بعضهم : إلا سبع آيات ، من قوله : ( يا عبادي الذين أسرفوا ) . ومناسبتها لآخر ما قبلها أنه ختم السورة المتقدمة بقوله : ( إن هو إلا ذكر للعالمين ) ، وبدأ هنا : ( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ) . وقال الفراء : ( تنزيل ) مبتدأ ، و ( من الله ) الخبر ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي : هذا ( تنزيل ) ، و ( من الله ) متعلق بـ ( تنزيل ) وأقول : إنه خبر ، والمبتدأ هو ليعود على قوله : ( إن هو إلا ذكر للعالمين ) ، كأنه قيل : وهذا الذكر ما هو ؟ فقيل : هو تنزيل الكتاب . والزجاج
وقال : أو غير صلة ، يعني من الله ، كقولك : هذا الكتاب من فلان إلى فلان ، وهو على هذا خبر بعد خبر ، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذا تنزيل الكتاب ، هذا من الله ، أو حال من ( تنزيل ) عمل فيها معنى الإشارة . انتهى . الزمخشري
ولا يجوز أن يكون حالا عمل فيها معنى الإشارة ؛ لأن معاني الأفعال لا تعمل إذا كان ما هو فيه محذوفا ، ولذلك ردوا على أبي العباس قوله في بيت : الفرزدق
وإذ ما مثلهم بشر
أن مثلهم منصوب بالخبر المحذوف وهو مقدر ، أي : وأن ما في الوجود في حال مماثلتهم بشر .
والكتاب يظهر أنه القرآن ، وكرر في قوله : ( ) على جهة التفخيم والتعظيم ، وكونه في جملة غير السابقة ملحوظا فيه إسناده إلى ضمير العظمة ، وتشريف من أنزل إليه بالخطاب ، وتخصيصه بالحق . وقرأ إنا أنزلنا إليك الكتاب ، ابن أبي عبلة وزيد بن علي وعيسى : ( تنزيل ) بالنصب ، أي : اقرأ والزم .
وقال ابن عطية : قال المفسرون في ( تنزيل الكتاب ) : هو القرآن ، ويظهر لي أنه اسم عام لجميع ما تنزل من عند الله من الكتب ، وكأنه أخبر إخبارا مجردا أن الكتب الهادية الشارعة إنما تنزيلها من الله ، وجعل هذا الإخبار تقدمة وتوطئة لقوله : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب ) ، والعزيز في قدرته ، الحكيم في ابتداعه . والكتاب الثاني هو القرآن ، لا يحتمل غير ذلك .
وقال : ( فإن قلت ) : ما المراد بالكتاب ؟ ( قلت ) : الظاهر على الوجه الأول أنه القرآن ، وعلى الثاني أنه السورة . انتهى . الزمخشري
و ( بالحق ) في موضع الحال ، أي : ملتبسا بالحق ، وهو الصدق الثابت فيما أودعناه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد والتكاليف ، فهذا كله حق وصدق يجب اعتقاده والعمل به ، أو يكون بالحق : بالدليل على أنه من عند الله ، وهو عجز الفصحاء عن معارضته .
وقال ابن عطية أي : متضمنا الحق فيه وفي أحكامه وفي أخباره ، أو بمعنى الاستحقاق وشمول المنفعة للعالم في هدايتهم ودعوتهم إلى الله . انتهى ملخصا .
ولما امتن تعالى على رسوله بإنزال الكتاب عليه بالحق ، وكان الحق إخلاص العبادة لله ، أمره تعالى بعبادته ، فقال : ( فاعبد الله ) ، وكأن هذا الأمر ناشئ عن إنزال الكتاب ، فالفاء فيه للربط ، كما تقول : أحسن إليك زيد فاشكره .
( مخلصا ) أي : ممحضا ، ( له الدين ) : من الشرك والرياء وسائر ما يفسده .
وقرأ الجمهور : ( الدين ) بالنصب . وقرأ : بالرفع فاعلا بمخلصا والراجع لذي الحال محذوف على رأي البصريين ، أي : الدين منك ، أو يكون أل عوضا من الضمير ، أي : دينك . ابن أبي عبلة
وقال : وحق من رفعه أن يقرأ ( مخلصا ) بفتح اللام ، كقوله تعالى : ( الزمخشري وأخلصوا دينهم لله ) ، حتى يطابق قوله : ( ألا لله الدين الخالص ) ، والخالص والمخلص واحد ، إلا أن يصف الدين بصفة صاحبه على الإسناد المجازي ، كقولهم : شعر شاعر .
وأما من جعل ( مخلصا ) حالا من العابد ، و ( له الدين ) مبتدأ وخبر ، فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك : لله الدين ، أي : لله الدين الخالص . انتهى .
وقد قدمنا تخريجه على أنه فاعل بمخلصا ، وقدرنا ما يربط الحال بصاحبها ، وممن ذهب إلى أن له [ ص: 415 ] الدين مستأنف مبتدأ وخبر الفراء . ( ألا لله الدين الخالص ) أي : من كل شائبة وكدر ، فهو الذي يجب أن تخلص له الطاعة ، لاطلاعه على الغيوب والأسرار ، ولخلوص نعمته على عباده من غير استجرار منفعة منهم .
قال الحسن : الدين الخالص : الإسلام ; وقال قتادة : شهادة أن لا إله إلا الله .
( والذين اتخذوا ) : مبتدأ ، والظاهر أنهم المشركون ، واحتمل أن يكون الخبر " قال " المحذوف المحكي به قوله : ( ما نعبدهم ) ، أي : والمشركون المتخذون من دون الله أولياء قالوا : ما نعبد تلك الأولياء ( إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) ، واحتمل أن يكون الخبر : ( إن الله يحكم بينهم ) ، وذلك القول المحذوف في موضع الحال ، أي : اتخذوهم قائلين ما نعبدهم . وأجاز أن يكون الخبر ( إن الله يحكم ) ، و " قالوا " المحذوفة بدل من " اتخذوا " صلة الذين ، فلا يكون له موضع من الإعراب ، وكأنه من بدل الاشتمال . الزمخشري
وفي مصحف عبد الله : قالوا ما نعبدهم ، وبه قرأ هو ، وابن عباس ومجاهد ، وأجاز وابن جبير أن يكون ( والذين اتخذوا ) بمعنى المتخذين ، وهم الملائكة الزمخشري وعيسى واللات والعزى ونحوهم ، والضمير في " اتخذوا " عائد على الموصول ، محذوف ، تقديره : والذين اتخذهم المشركون أولياء ، و ( أولياء ) مفعول ثان ، وهذا الذي أجازه خلاف الظاهر ، وهذه المقالة شائعة في العرب ، فقال ذلك ناس منهم في الملائكة ، وناس في الأصنام والأوثان .
قال مجاهد : وقد قال ذلك قوم من اليهود في عزير ، وقوم من النصارى في المسيح . وقرئ : ( ما نعبدهم ) بضم النون ، إتباعا لحركة الباء .
( إن الله يحكم بينهم ) : اقتصر في الرد على مجرد التهديد ، والظاهر أن الضمير في ( بينهم ) عائد على المتخذين والمتخذين ، والحكم بينهم هو بإدخال الملائكة وعيسى - عليه السلام - الجنة ، ويدخلهم النار مع الحجارة والخشب التي نحتوها وعبدوها من دون الله ، يعذبهم بها ، حيث يجعلهم وإياها حصب جهنم . واختلافهم أن من عبدوه كالملائكة وعيسى كانوا متبرئين منهم لاعنين لهم موحدين لله . وقيل : الضمير في " بينهم " عائد على المشركين والمؤمنين ، إذا كانوا يلومونهم على عبادة الأصنام فيقولون : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) ، والحكم إذ ذاك هو في يوم القيامة بين الفريقين .
( إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) : كاذب في دعواه : أن لله شريكا ، كفار لأنعم الله حيث جعل مكان الشكر الكفر ، والمعنى : لا يهدي من ختم عليه بالموافاة على الكفر فهو عام ، والمعنى على الخصوص : فكم قد هدى من سبق منه الكذب والكفر . قال ابن عطية : لا يهدي الكاذب الكافر في حال كذبه وكفره .
وقال : المراد بمنع الهداية : منع اللطف تسجيلا عليهم بأن لا لطف لهم ، وأنهم في علم الله من الهالكين . انتهى . الزمخشري
وهو على طريق الاعتزال . وقرأ ، أنس بن مالك والجحدري ، والحسن ، ، والأعرج وابن يعمر : ( كذاب كفار ) . وقرأ : ( كذوب وكفور ) . زيد بن علي
ولما كان من كذبهم دعوى بعضهم أن الملائكة بنات الله ، وعبدوها عقبه بقوله : ( لو أراد الله أن يتخذ ولدا ) ، تشريفا له وتبنيا ، إذ يستحيل أن يكون ذلك في حقه تعالى بالتوالد المعروف ، ( لاصطفى ) أي : اختار من مخلوقاته ما يشاء ولدا على سبيل التبني ، ولكنه تعالى لم يشأ ذلك لقوله : ( وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) ، وهو عام في اتخاذ النسل واتخاذ الاصطفاء .
ويدل على أن الاتخاذ هو التبني والاصطفاء - قوله : ( مما يخلق ) أي : من التي أنشأها واخترعها ; ثم نزه تعالى نفسه تنزيها مطلقا ، فقال : ( سبحانه ) ، ثم وصف نفسه بالوحدانية والقهر لجميع العالم .
وقال : يعني لو أراد اتخاذ الولد لامتنع ، ولم يصح لكونه محالا ، ولم يتأت إلا أن يصطفي من خلقه بعضهم ، ويختصهم ويقربهم كما يختص الرجل ولده ويقربه ، وقد فعل ذلك بالملائكة ، فافتتنتم به وغركم اختصاصه إياهم ، فزعمتم أنهم أولاده جهلا منكم به ، وبحقيقة المخالفة لحقائق الأجسام والأعراض ، كأنه قال : لو أراد اتخاذ الولد ، لم يزد على ما فعل من اصطفاء ما شاء من خلقه ، وهم الملائكة ، إلا لأنكم لجهلكم به حسبتم [ ص: 416 ] اصطفاءهم اتخاذهم أولادا ، ثم تماديتم في جهلكم وسفهكم فجعلتموهم بنات وكنتم كذابين كفارين مبالغين في الافتراء على الله وملائكته . انتهى . الزمخشري
والذي يدل عليه تركيب " لو " وجوابها أنه كان يترتب اصطفاء الولد مما يخلق على تقدير اتخاذه لكنه لم يتخذه فلا يصطفيه . وأما ما ذكره من قوله : يعني لو أراد إلى آخره ، وقوله بعد : كأنه قال : لو أراد اتخاذ الولد لم يزد على ما فعل من اصطفاء ما شاء من خلقه وهم الملائكة فليس مفهوما من قوله : ( الزمخشري لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء ) .
ولما نزه تعالى نفسه ووصف ذاته بالوحدة والقهر ، ذكر ما دل على ذلك من اختراع العالم العلوي والسفلي بالحق ، وتكوير الليل والنهار ، وتسخير النيرين وجريهما على نظام واحد ، واتساق أمرهما على ما أراد إلى أجل مسمى ، وهو يوم القيامة ، حيث تخرب بنية هذا العالم فيزول جريهما ، أو إلى وقت مغيبهما كل يوم وليلة ، أو وقت قوايسها كل شهر .
والتكوير : تطويل منهما على الآخر ، فكأن الآخر صار عليه جزء منه . قال : يحمل الليل على النهار . وقال ابن عباس الضحاك : يدخل الزيادة في أحدهما بالنقصان من الآخر .
وقال أبو عبيدة : يدخل هذا على هذا . وقال : وفيه أوجه : منها : أن الليل والنهار خلفة ، يذهب هذا ويغشى مكانه هذا ; وإذا غشي مكانه فكأنما ألبسه ولف عليه كما يلف على اللابس اللباس ; ومنها : أن كل واحد منهما يغيب الآخر إذا طرأ عليه ، فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر لف عليه ما غيبه من مطامح الأبصار ; ومنها أن هذا يكر على هذا كرورا متتابعا ، فشبه ذلك بتتابع أكوار العمامة بعضها على أثر بعض . انتهى . الزمخشري
( ألا هو العزيز الغفار ) : العزيز الذي لا يغالب ، الغفار لمن تاب ، أو الحليم الذي لا يعجل ، سمي الحلم غفرانا مجازا .
ولما ذكر ما دل على وحدانيته وقهره ، ذكر الإنسان ، وهو الذي كلف بأعباء التكاليف ، فذكر أنه أوجدنا من نفس واحدة ، وهي آدم - عليه السلام - ، وذلك أن حواء على ما روي خلقت من آدم ، فقد صار خلقا من نفس واحدة لوساطة حواء . وقيل : أخرج ذرية آدم من ظهره كالذر ، ثم خلق بعد ذلك حواء ، فعلى هذا كان خلقا من آدم بغير واسطة . وجاءت على هذا القول على وضعها ، ثم للمهلة في الزمان ، وعلى القول الأول يظهر أن خلق حواء كان بعد خلقنا ، وليس كذلك ، فثم جاء لترتيب الأخبار كأنه قيل : ثم كان من أمره قبل ذلك أن جعل منها زوجها ، فليس الترتيب في زمان الجعل . وقيل : ثم معطوف على الصفة التي هي واحدة ، أي : من نفس وحدت ، أي : انفردت .
( ثم جعل ) ، قال : ( فإن قلت ) : ما وجه قوله تعالى : ( الزمخشري ثم جعل منها زوجها ) ، وما تعطيه من معنى التراخي ؟ ( قلت ) : هما آيتان من جملة الآيات التي عددها دالا على وحدانيته وقدرته . تشعب هذا الفائت للحصر من نفس آدم ، وخلق حواء من قصيراه ، إلا أن إحداهما جعلها الله عادة مستمرة ، والأخرى لم تجر بها العادة ، ولم تخلق أنثى غير حواء من رجل ، فكانت أدخل في كونها آية ، وأجلب لعجب السامع ، فعطفها بـ " ثم " على الآية الأولى ، للدلالة على مباينتها فضلا ومزية ، وتراخيها عنها فيما يرجع إلى زيادة كونها آية ، فهو من التراخي في الحال والمنزلة ، لا من التراخي في الوجود . انتهى .
وأما : ( ثم جعل منها زوجها ) ، فقد تقدم الكلام على هذا الجعل في أول سورة النساء .
ووصف الأنعام بالإنزال مجاز إما لأن قضاياه توصف بالنزول من السماء حيث كتب في اللوح كل كائن يكون ، وإما لعيشها بالنبات ، والنبات ناشئ عن المطر ، والمطر نازل من السماء ، فكأنه تعالى أنزلها ، فيكون مثل قول الشاعر :
أسنمة الإبال في ربابه
أي : في سحابه ، وقال آخر :
صار الثريد في رءوس العيدان
وقيل : خلقها في الجنة ثم أنزلها ، فعلى هذا يكون إنزال أصولها حقيقة .
والأنعام : الإبل والبقر والضأن [ ص: 417 ] والمعز ، ( ثمانية أزواج ) ؛ لأن كلا منها ذكر وأنثى ، والزوج ما كان معه آخر من جنسه ، فإذا انفرد فهو فرد ووتر . وقال تعالى : ( فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ) .
قال ابن زيد : ( خلقا من بعد خلق ) : آخر من ظهر آدم وظهور الآباء . وقال عكرمة ، ومجاهد والسدي : رتبا ( خلقا من بعد خلق ) على المضغة والعلقة وغير ذلك .
وأخذه فقال : حيوانا سويا من بعد عظام مكسوة لحما ، من بعد عظام عارية ، من بعد مضغ ، من بعد علق ، من بعد نطف . انتهى . الزمخشري
وقرأ عيسى وطلحة ( يخلقكم ) بإدغام القاف في الكاف .
والظلمات الثلاث : البطن والرحم والمشيمة ، وقيل : الصلب والرحم والبطن .
( ذلكم ) : إشارة إلى المتصف بتلك الأوصاف السابقة من خلق السماوات وما بعد ذلك من الأفعال .
( فأنى تصرفون ) أي : كيف تعدلون عن عبادته إلى عبادة غيره ؟ .
( إن تكفروا ) ، قال : خطاب للكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم . وعباده هم المؤمنون ، ويؤيده قوله قبله : ( فأنى تصرفون ) ، وهذا للكفار ، فجاء ( إن تكفروا ) خطابا لهم ، ( ابن عباس فإن الله غني عنكم ) ، وعن عبادتكم ، إذ لا يرجع إليه تعالى منفعة بكم ، ولا بعبادتكم إذ هو الغني المطلق . قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون مخاطبا لجميع الناس ؛ لأنه تعالى غني عن جميعهم ، وهم فقراء إليه . انتهى .
ولفظ ( عباده ) عام ، فقيل : المراد الخصوص ، وهم الملائكة ومؤمنو الإنس والجن . والرضا بمعنى الإرادة ، فعلى هذا هي صفة ذات . وقيل : المراد العموم ، كما دل عليه اللفظ ، والرضا مغاير للإرادة ، عبر به عن الشكر والإثابة ، أي : لا يشكره لهم دينا ولا يثيبهم به خيرا ، فالرضا على هذا صفة فعل بمعنى القبول والإثابة .
قال ابن عطية : وتأمل الإرادة ، فإن حقيقتها إنما هي فيما لم يقع بعد ، والرضا حقيقته إنما هو فيما قد وقع ، واعتبر هذا في آيات القرآن تجده ، وإن كانت العرب قد تستعمل في أشعارهم على جهة التجوز هذا بدل هذا .
وقال : ولقد تمحل بعض الغواة ليثبت لله ما نفاه عن ذاته من الرضا لعباده الكفر ، فقال : هذا من العام الذي أريد به الخاص ، وما أراد إلا عباده الذين عناهم في قوله : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) ، يريد المعصومين لقوله : ( الزمخشري عينا يشرب بها عباد الله ) ، تعالى الله عما يقول الظالمون . انتهى .
فسمى - ترجمان القرآن - وأعلام عبد الله بن عباس أهل السنة - بعض الغواة ، وأطلق عليهم اسم الظالمين ، وذلك من سفهه وجرأته ، كما قلت في قصيدتي التي ذكرت فيها ما ينقد عليه :
ويشتم أعلام الأئمة ضلة ولا سيما إن أولجوه المضايقا
( وإن تشكروا يرضه لكم ) ، قال : يضاعف لكم ، وكأنه يريد ثواب الشكر ; وقيل : يقبله منكم . قال صاحب التحرير : قوة الكلام تدل على أن معنى تشكروا : تؤمنوا حتى يصير بإزاء الكفر ، والله تعالى قد سمى الأعمال الصالحة والطاعات شكرا في قوله : ( ابن عباس اعملوا آل داود شكرا ) . انتهى .
وتقدم الكلام على هذه الآية في سبأ .
وقرأ النحويان ، وابن كثير : ( يرضه ) بوصل ضمة الهاء بواو ; وابن عامر وحفص : بضمة فقط ; وأبو بكر : بسكون الهاء ، قال أبو حاتم : وهو غلط لا يجوز . انتهى .
وليس بغلط ، بل ذلك لغة لبني كلاب وبني عقيل . وقوله : ( ولا تزر ) إلى : ( بذات الصدور ) ، تقدم الكلام عليه .