(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143nindex.php?page=treesubj&link=28973وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) : الكاف : للتشبيه ، وذلك : اسم إشارة ، والكاف في موضع نصب ، إما لكونه نعتا لمصدر محذوف ، وإما لكونه حالا . والمعنى : وجعلناكم أمة وسطا جعلا مثل ذلك ، والإشارة بذلك ليس إلى ملفوظ به متقدم ، إذ لم يتقدم في الجملة السابقة اسم يشار إليه بذلك ، لكن تقدم لفظ يهدي ، وهو دال على المصدر ، وهو الهدى ، وتبين أن معنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=142يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) : يجعله على صراط مستقيم ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=39من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ) . قابل تعالى الضلال بالجعل على الصراط المستقيم ، إذ ذلك الجعل هو الهداية ، فكذلك معنى الهدي هنا هو ذلك الجعل . وتبين أيضا من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=142قل لله المشرق والمغرب ) إلى آخره ، أن الله جعل قبلتهم خيرا من قبلة
اليهود والنصارى ، أو وسطا . فعلى هذه التقادير اختلفت الأقاويل في المشار إليه بذلك . فقيل : المعنى أنه شبه جعلهم أمة وسطا بهدايته إياهم إلى الصراط المستقيم ، أي أنعمنا عليكم بجعلكم أمة وسطا ، مثل ما سبق إنعامنا عليكم بالهداية إلى الصراط المستقيم ، فتكون الإشارة بذلك إلى المصدر الدال عليه يهدي ، أي جعلناكم أمة خيارا مثل ما هديناكم باتباع
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وما جاء به من الحق . وقيل : المعنى أنه شبه جعلهم أمة وسطا بجعلهم على الصراط المستقيم ، أي جعلناكم أمة وسطا . مثل ذلك الجعل الغريب الذي فيه اختصاصكم بالهداية ; لأنه قال : ( يهدي من يشاء ) ، فلا تقع الهداية إلا لمن شاء الله تعالى . وقيل : المعنى كما جعلنا قبلتكم خير القبل ، جعلناكم خير الأمم . وقيل : المعنى كما جعلنا قبلتكم متوسطة بين المشرق والمغرب ، جعلناكم أمة وسطا . وقيل : المعنى كما جعلنا الكعبة وسط الأرض ، كذلك جعلناكم أمة وسطا ، دون الأنبياء ، وفوق الأمم ، وأبعد من ذهب إلى أن ذلك إشارة إلى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=130ولقد اصطفيناه في الدنيا ) أي مثل ذلك الاصطفاء جعلناكم أمة وسطا . ومعنى وسطا : عدولا ، روي ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد تظاهرت به عبارة المفسرين وإذا صح ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب المصير في تفسير الوسط إليه . وقيل : خيارا ، أو قيل : متوسطين في الدين بين المفرط والمقصر ، لم يتخذوا واحدا من الأنبياء إلها ، كما فعلت
النصارى ، ولا قتلوه ، كما فعلت
اليهود . واحتج جمهور
المعتزلة بهذه الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=21616إجماع الأمة حجة فقالوا : أخبر الله عن عدالة هذه الأمة وعن خيرتهم ، فلو أقدموا على شيء وجب أن يكون قولهم حجة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143لتكونوا شهداء على الناس ) : تقدم شرح الشهادة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وادعوا شهداءكم ) ، وفي شهادتهم هنا أقوال : أحدها : ما عليه الأكثر من أنها في الآخرة ، وهي شهادة
[ ص: 422 ] هذه الأمة للأنبياء على أممهم الذين كذبوهم ، وقد روي ذلك نصا في الحديث في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره . وقال في المنتخب : وقد طعن
القاضي في الحديث من وجوه ، وذكروا وجوها ضعيفة ، وأظنه عنى
بالقاضي هنا
nindex.php?page=showalam&ids=14959القاضي عبد الجبار المعتزلي ; لأن الطعن في الحديث الثابت الصحيح لا يناسب مذاهب
أهل السنة . وقيل : الشهادة تكون في الدنيا . واختلف قائلوا ذلك ، فقيل : المعنى يشهد بعضكم على بعض إذا مات ، كما جاء في الحديث من
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373862أنه مر بجنازة فأثني عليها خيرا ، وبأخرى فأثني عليها شرا ، فقال الرسول : " وجبت " ، يعني الجنة والنار ، "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373863أنتم شهداء الله في الأرض " ثبت ذلك في
مسلم . وقيل : الشهادة الاحتجاج ، أي لتكونوا محتجين على الناس ; حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . وقيل : معناه لتنقلوا إليهم ما علمتموه من الوحي والدين كما نقله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وتكون على بمعنى اللام ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وما ذبح على النصب ) ، أي للنصب . وقيل : معناه ليكون إجماعكم حجة ، ويكون الرسول عليكم شهيدا ، أي محتجا بالتبليغ . وقيل : لتكونوا شهداء
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - على الأمم ،
اليهود والنصارى والمجوس ، قاله
مجاهد . وقيل : شهداء على الناس في الدنيا ، فيما لا يصح إلا بشهادة العدول الأخيار . وأسباب هذه الشهادة - أي شهادة هذه العدول - أربعة : بمعاينة كالشهادة على الزنا ، وبخبر الصادق كالشهادة على الشهادة ; وبالاستفاضة كالشهادة على الأنساب ; وبالدلالة كالشهادة على الأملاك ، وكتعديل الشاهد وجرحه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13147ابن دريد : الإشهاد أربعة : الملائكة بإثبات أعمال العباد ، والأنبياء ، وأمة
محمد ، والجوارح . انتهى . ولما كان بين الرؤية بالبصر والإدراك بالبصيرة مناسبة شديدة ، سمي إدراك البصيرة : مشاهدة وشهودا ، وسمي العارف : شاهدا ومشاهدا ، ثم سميت الدلالة على الشيء : شهادة عليه ; لأنها هي التي بها صار الشاهد شاهدا . وقد اختص هذا اللفظ في عرف الشرع بمن يخبر عن حقوق الناس بألفاظ مخصوصة على جهات . قالوا : وفي هذه الآية دلالة على أن الأصل في المسلمين العدالة ، وهو مذهب
أبي حنيفة ، واستدل بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143أمة وسطا ) ، أي عدولا خيارا . وقال بقية العلماء : العدالة وصف عارض لا يثبت إلا ببينة ، وقد اختار المتأخرون من أصحاب
أبي حنيفة ما عليه الجمهور ، لتغير أحوال الناس ، ولما غلب عليهم في هذا الوقت ، وهذا الخلاف في غير الحدود والقصاص .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143ويكون الرسول عليكم شهيدا ) : لا خلاف أن الرسول هنا هو
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وفي شهادته أقوال : أحدها : شهادته عليهم أنه قد بلغهم رسالة ربه . الثاني : شهادته عليهم بإيمانهم . الثالث : يكون حجة عليهم . الرابع : تزكيته لهم وتعديله إياهم ، قاله
عطاء ، قال : هذه
nindex.php?page=treesubj&link=25027الأمة شهداء على من ترك الحق من الناس أجمعين ، والرسول شهيد معدل مزك لهم . وروي في ذلك حديث . وقد تقدم أيضا ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في ذلك . واللام في قوله : " لتكونوا " هي لام كي ، أو لام الصيرورة عند من يرى ذلك ، فمجيء ما بعدها سببا لجعلهم خيارا ، أو عدولا ظاهرا . وأما كون شهادة الرسول عليهم سببا لجعلهم خيارا ، فظاهر أيضا ; لأنه إن كانت الشهادة بمعنى التزكية ، أو بأي معنى فسرت شهادته ، ففي ذلك الشرف التام لهم ، حيث كان أشرف المخلوقات هو الشاهد عليه . ولما كان الشهيد كالرقيب على المشهود له ، جيء بكلمة على ، وتأخر حرف الجر في قوله : على الناس ، عما يتعلق به . جاء ذلك على الأصل ، إذ العامل أصله أن يتقدم على المعمول . وأما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143عليكم شهيدا ) فتقدمه من باب الاتساع في الكلام للفصاحة ، ولأن شهيدا أشبه بالفواصل والمقاطع من قوله : عليكم ، فكان قوله : شهيدا ، تمام الجملة ، ومقطعها دون عليكم . وما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري من أن تقديم على أولا ; لأن الغرض فيه إثبات شهادتهم على الأمم ; وتأخير على : لاختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم ، فهو مبني على مذهبه : أن تقديم المفعول والمجرور يدل على الاختصاص .
[ ص: 423 ] وقد ذكرنا بطلان ذلك فيما تقدم ، وأن ذلك دعوى لا يقوم عليها برهان . وتقدم ذكر تعليل جعلهم وسطا بكونهم شهداء ، وتأخر التعليل بشهادة الرسول ; لأنه كذلك يقع . ألا ترى أنهم يشهدون على الأمم ، ثم يشهد الرسول عليهم ، على ما نص في الحديث من أنهم إذا ناكرت الأمم رسلهم وشهدت أمة
محمد عليهم بالتبليغ ، يؤتى
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فيسأل عن حال أمته ، فيزكيهم ويشهد بصدقهم ؟ وإن فسرت الشهادتان بغير ذلك مما يمكن أن تكون شهادة الرسول متقدمة في الزمان ، فيكون التأخير لذكر شهادة الرسول من باب الترقي ; لأن شهادة الرسول عليهم أشرف من شهادتهم على الناس . وأتى بلفظ الرسول ; لما في الدلالة بلفظ الرسول على اتصافه بالرسالة من عند الله إلى أمته . وأتى بجمع فعلاء ، الذي هو جمع فعيل وبشهيد ; لأن ذلك هو للمبالغة دون قوله : شاهدين ، أو إشهادا ، أو شاهدا . وقد استدل بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143ويكون الرسول عليكم شهيدا ) على أن التزكية تقتضي قبول الشهادة ، فإن أكثر المفسرين قالوا : معنى شهيدا : مزكيا لكم ، قالوا : وعليكم تكون بمعنى : لكم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143nindex.php?page=treesubj&link=28973وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) : الْكَافُ : لِلتَّشْبِيهِ ، وَذَلِكَ : اسْمُ إِشَارَةٍ ، وَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ، إِمَّا لِكَوْنِهِ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ حَالًا . وَالْمَعْنَى : وَجَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا جَعْلًا مِثْلَ ذَلِكَ ، وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ لَيْسَ إِلَى مَلْفُوظٍ بِهِ مُتَقَدِّمٍ ، إِذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ اسْمٌ يُشَارُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ ، لَكِنْ تَقَدَّمَ لَفْظُ يَهْدِي ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى الْمَصْدَرِ ، وَهُوَ الْهُدَى ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=142يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) : يَجْعَلُهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=39مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) . قَابَلَ تَعَالَى الضَّلَالَ بِالْجَعْلِ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، إِذْ ذَلِكَ الْجَعْلُ هُوَ الْهِدَايَةُ ، فَكَذَلِكَ مَعْنَى الْهَدْيِ هُنَا هُوَ ذَلِكَ الْجَعْلُ . وَتَبَيَّنَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=142قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) إِلَى آخِرِهِ ، أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ قِبْلَتَهُمْ خَيْرًا مِنْ قِبْلَةِ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، أَوْ وَسَطًا . فَعَلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ اخْتَلَفَتِ الْأَقَاوِيلُ فِي الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ . فَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهُ شَبَّهَ جَعْلَهُمْ أُمَّةً وَسَطًا بِهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، أَيْ أَنْعَمْنَا عَلَيْكُمْ بِجَعْلِكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ، مِثْلَ مَا سَبَقَ إِنْعَامُنَا عَلَيْكُمْ بِالْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، فَتَكُونُ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى الْمَصْدَرِ الدَّالِّ عَلَيْهِ يَهْدِي ، أَيْ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً خِيَارًا مِثْلَ مَا هَدَيْنَاكُمْ بِاتِّبَاعِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهُ شَبَّهَ جَعْلَهُمْ أُمَّةً وَسَطًا بِجَعْلِهِمْ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، أَيْ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا . مِثْلَ ذَلِكَ الْجَعْلِ الْغَرِيبِ الَّذِي فِيهِ اخْتِصَاصُكُمْ بِالْهِدَايَةِ ; لِأَنَّهُ قَالَ : ( يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) ، فَلَا تَقَعُ الْهِدَايَةُ إِلَّا لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَقِيلَ : الْمَعْنَى كَمَا جَعَلْنَا قِبْلَتَكُمْ خَيْرَ الْقِبَلِ ، جَعَلْنَاكُمْ خَيْرَ الْأُمَمِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى كَمَا جَعَلْنَا قِبْلَتَكُمْ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى كَمَا جَعَلْنَا الْكَعْبَةَ وَسَطَ الْأَرْضِ ، كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ، دُونَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَفَوْقَ الْأُمَمِ ، وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=130وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ) أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الِاصْطِفَاءِ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا . وَمَعْنَى وَسَطًا : عُدُولًا ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ بِهِ عِبَارَةُ الْمُفَسِّرِينَ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَ الْمَصِيرُ فِي تَفْسِيرِ الْوَسَطِ إِلَيْهِ . وَقِيلَ : خِيَارًا ، أَوْ قِيلَ : مُتَوَسِّطِينَ فِي الدِّينِ بَيْنَ الْمُفْرِطِ وَالْمُقَصِّرِ ، لَمْ يَتَّخِذُوا وَاحِدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَهًا ، كَمَا فَعَلَتِ
النَّصَارَى ، وَلَا قَتَلُوهُ ، كَمَا فَعَلَتِ
الْيَهُودُ . وَاحْتَجَّ جُمْهُورُ
الْمُعْتَزِلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21616إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ فَقَالُوا : أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ عَدَالَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَعَنْ خِيرَتِهِمْ ، فَلَوْ أَقْدَمُوا عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ حُجَّةً .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) : تَقَدَّمَ شَرْحُ الشَّهَادَةِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ ) ، وَفِي شَهَادَتِهِمْ هُنَا أَقْوَالٌ : أَحَدُهَا : مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ أَنَّهَا فِي الْآخِرَةِ ، وَهِيَ شَهَادَةُ
[ ص: 422 ] هَذِهِ الْأُمَّةِ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَى أُمَمِهِمُ الَّذِينَ كَذَّبُوهُمْ ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ نَصًّا فِي الْحَدِيثِ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ . وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ : وَقَدْ طَعَنَ
الْقَاضِي فِي الْحَدِيثِ مِنْ وُجُوهٍ ، وَذَكَرُوا وُجُوهًا ضَعِيفَةً ، وَأَظُنُّهُ عَنَى
بِالْقَاضِي هُنَا
nindex.php?page=showalam&ids=14959الْقَاضِي عَبْدَ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيَّ ; لِأَنَّ الطَّعْنَ فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ الصَّحِيحِ لَا يُنَاسِبُ مَذَاهِبَ
أَهْلِ السُّنَّةِ . وَقِيلَ : الشَّهَادَةُ تَكُونُ فِي الدُّنْيَا . وَاخْتَلَفَ قَائِلُوا ذَلِكَ ، فَقِيلَ : الْمَعْنَى يَشْهَدُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ إِذَا مَاتَ ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373862أَنَّهُ مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا ، وَبِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا ، فَقَالَ الرَّسُولُ : " وَجَبَتْ " ، يَعْنِي الْجَنَّةُ وَالنَّارُ ، "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373863أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ " ثَبَتَ ذَلِكَ فِي
مُسْلِمٍ . وَقِيلَ : الشَّهَادَةُ الِاحْتِجَاجُ ، أَيْ لِتَكُونُوا مُحْتَجِّينَ عَلَى النَّاسِ ; حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لِتَنْقُلُوا إِلَيْهِمْ مَا عَلِمْتُمُوهُ مِنَ الْوَحْيِ وَالدِّينِ كَمَا نَقَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَتَكُونُ عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ) ، أَيْ لِلنُّصُبِ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لِيَكُونَ إِجْمَاعُكُمْ حُجَّةً ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ، أَيْ مُحْتَجًّا بِالتَّبْلِيغِ . وَقِيلَ : لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأُمَمِ ،
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ ، قَالَهُ
مُجَاهِدٌ . وَقِيلَ : شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، فِيمَا لَا يَصِحُّ إِلَّا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ الْأَخْيَارِ . وَأَسْبَابُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ - أَيْ شَهَادَةِ هَذِهِ الْعُدُولِ - أَرْبَعَةٌ : بِمُعَايَنَةٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا ، وَبِخَبَرِ الصَّادِقِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ; وَبِالِاسْتِفَاضَةِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْأَنْسَابِ ; وَبِالدَّلَالَةِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْأَمْلَاكِ ، وَكَتَعْدِيلِ الشَّاهِدِ وَجَرْحِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13147ابْنُ دُرَيْدٍ : الْإِشْهَادُ أَرْبَعَةٌ : الْمَلَائِكَةُ بِإِثْبَاتِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ ، وَالْأَنْبِيَاءُ ، وَأُمَّةُ
مُحَمَّدٍ ، وَالْجَوَارِحُ . انْتَهَى . وَلَمَّا كَانَ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ بِالْبَصَرِ وَالْإِدْرَاكِ بِالْبَصِيرَةِ مُنَاسِبَةٌ شَدِيدَةٌ ، سُمِّيَ إِدْرَاكُ الْبَصِيرَةِ : مُشَاهِدَةً وَشُهُودًا ، وَسُمِّيَ الْعَارِفُ : شَاهِدًا وَمُشَاهِدًا ، ثُمَّ سُمِّيَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى الشَّيْءِ : شَهَادَةً عَلَيْهِ ; لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي بِهَا صَارَ الشَّاهِدُ شَاهِدًا . وَقَدِ اخْتَصَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ بِمَنْ يُخْبِرُ عَنْ حُقُوقِ النَّاسِ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى جِهَاتٍ . قَالُوا : وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
أَبِي حَنِيفَةَ ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143أُمَّةً وَسَطًا ) ، أَيْ عُدُولًا خِيَارًا . وَقَالَ بَقِيَّةُ الْعُلَمَاءِ : الْعَدَالَةُ وَصْفٌ عَارِضٌ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَقَدِ اخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ
أَبِي حَنِيفَةَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ ، وَلِمَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَّاصِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) : لَا خِلَافَ أَنَّ الرَّسُولَ هُنَا هُوَ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَفِي شَهَادَتِهِ أَقْوَالٌ : أَحَدُهَا : شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَهُمْ رِسَالَةَ رَبِّهِ . الثَّانِي : شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ بِإِيمَانِهِمْ . الثَّالِثُ : يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ . الرَّابِعُ : تَزْكِيَتُهُ لَهُمْ وَتَعْدِيلُهُ إِيَّاهُمْ ، قَالَهُ
عَطَاءٌ ، قَالَ : هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=25027الْأُمَّةُ شُهَدَاءُ عَلَى مَنْ تَرَكَ الْحَقَّ مِنَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وَالرَّسُولُ شَهِيدٌ مُعَدِّلٌ مُزَكٍّ لَهُمْ . وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا مَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي ذَلِكَ . وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ : " لِتَكُونُوا " هِيَ لَامُ كَيْ ، أَوْ لَامُ الصَّيْرُورَةِ عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ ، فَمَجِيءُ مَا بَعْدَهَا سَبَبًا لِجَعْلِهِمْ خِيَارًا ، أَوْ عُدُولًا ظَاهِرًا . وَأَمَّا كَوْنُ شَهَادَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِمْ سَبَبًا لِجَعْلِهِمْ خِيَارًا ، فَظَاهِرٌ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى التَّزْكِيَةِ ، أَوْ بِأَيِّ مَعْنًى فُسِّرَتْ شَهَادَتُهُ ، فَفِي ذَلِكَ الشَّرَفُ التَّامُّ لَهُمْ ، حَيْثُ كَانَ أَشْرَفُ الْمَخْلُوقَاتِ هُوَ الشَّاهِدَ عَلَيْهِ . وَلَمَّا كَانَ الشَّهِيدُ كَالرَّقِيبِ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ ، جِيءَ بِكَلِمَةٍ عَلَى ، وَتَأَخَّرَ حَرْفُ الْجَرِّ فِي قَوْلِهِ : عَلَى النَّاسِ ، عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ . جَاءَ ذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ ، إِذِ الْعَامِلُ أَصْلُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْمَعْمُولِ . وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) فَتَقَدَّمَهُ مِنْ بَابِ الِاتِّسَاعِ فِي الْكَلَامِ لِلْفَصَاحَةِ ، وَلِأَنَّ شَهِيدًا أَشْبَهُ بِالْفَوَاصِلِ وَالْمَقَاطِعِ مِنْ قَوْلِهِ : عَلَيْكُمْ ، فَكَانَ قَوْلُهُ : شَهِيدًا ، تَمَامَ الْجُمْلَةِ ، وَمَقْطَعُهَا دُونَ عَلَيْكُمْ . وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ أَنَّ تَقْدِيمَ عَلَى أَوَّلًا ; لِأَنَّ الْغَرَضَ فِيهِ إِثْبَاتُ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْأُمَمِ ; وَتَأْخِيرُ عَلَى : لِاخْتِصَاصِهِمْ بِكَوْنِ الرَّسُولِ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ ، فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ : أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَفْعُولِ وَالْمَجْرُورِ يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ .
[ ص: 423 ] وَقَدْ ذَكَرْنَا بُطْلَانَ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَأَنَّ ذَلِكَ دَعْوَى لَا يَقُومُ عَلَيْهَا بِرِهَانٌ . وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ تَعْلِيلِ جَعْلِهِمْ وَسَطًا بِكَوْنِهِمْ شُهَدَاءَ ، وَتَأَخَّرَ التَّعْلِيلُ بِشَهَادَةِ الرَّسُولِ ; لِأَنَّهُ كَذَلِكَ يَقَعُ . أَلَّا تَرَى أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأُمَمِ ، ثُمَّ يَشْهَدُ الرَّسُولُ عَلَيْهِمْ ، عَلَى مَا نُصَّ فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّهُمْ إِذَا نَاكَرَتِ الْأُمَمُ رُسُلَهُمْ وَشَهِدَتْ أُمَّةُ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ ، يُؤْتَى
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُسْأَلُ عَنْ حَالِ أُمَّتِهِ ، فَيُزَكِّيهِمْ وَيَشْهَدُ بِصِدْقِهِمْ ؟ وَإِنْ فُسِّرَتِ الشَّهَادَتَانِ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ شَهَادَةُ الرَّسُولِ مُتَقَدِّمَةً فِي الزَّمَانِ ، فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ لِذِكْرِ شَهَادَةِ الرَّسُولِ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي ; لِأَنَّ شَهَادَةَ الرَّسُولِ عَلَيْهِمْ أَشْرَفُ مِنْ شَهَادَتِهِمْ عَلَى النَّاسِ . وَأَتَى بِلَفْظِ الرَّسُولِ ; لِمَا فِي الدَّلَالَةِ بِلَفْظِ الرَّسُولِ عَلَى اتِّصَافِهِ بِالرِّسَالَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَى أُمَّتِهِ . وَأَتَى بِجَمْعِ فُعَلَاءَ ، الَّذِي هُوَ جَمْعُ فَعِيلٍ وَبِشَهِيدٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ لِلْمُبَالَغَةِ دُونَ قَوْلِهِ : شَاهِدِينَ ، أَوْ إِشْهَادًا ، أَوْ شَاهِدًا . وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) عَلَى أَنَّ التَّزْكِيَةَ تَقْتَضِي قَبُولَ الشَّهَادَةِ ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا : مَعْنَى شَهِيدًا : مُزَكِّيًا لَكُمْ ، قَالُوا : وَعَلَيْكُمْ تَكُونُ بِمَعْنَى : لَكُمْ .