( أياما معدودات     ) إن كان ما فرض صومه هنا هو رمضان ، فيكون قوله أياما معدودات عني به رمضان ، وهو قول  ابن أبي ليلى  وجمهور المفسرين ، ووصفها بقوله - معدودات - تسهيلا على المكلف بأن هذه الأيام يحصرها العد ليست بالكثيرة التي تفوت العد ، ولهذا وقع الاستعمال بالمعدود كناية على القلائل ، كقوله : ( في أيام معدودات    ) ، ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة    ) ، ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة    ) . وإن كان ما فرض صومه هو ثلاثة أيام من كل شهر ، وقيل : هذه الثلاثة ويوم عاشوراء ، كما كان ذلك مفروضا على الذين من قبلنا ، فيكون قوله : ( أياما معدودات    ) عنى بها هذه الأيام ، وإلى هذا ذهب  ابن عباس  ، وعطاء    . 
قال  ابن عباس  ، وعطاء  ، وقتادة    : هي الأيام البيض ، وقيل : هي الثاني عشر ، والثالث عشر ، والرابع عشر ، وقيل : الثالث عشر ويومان بعده ، وروي في ذلك حديث :   " إن البيض هي الثالث عشر ويومان بعده " فإن صح لم يمكن خلافه . وروى المفسرون أنه كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر واجبا ، وصوم يوم عاشوراء ، فصاموا كذلك في سبعة عشر شهرا ، ثم نسخ بصوم رمضان . قال  ابن عباس    : أول ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة والصوم ، ويقال : نزل صوم شهر رمضان قبل بدر  بشهر وأيام ، وقيل : كان صوم تلك الأيام تطوعا ، ثم فرض ، ثم نسخ . قال أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي  في ( ري الظمآن ) : احتج من قال أنها غير رمضان بقوله - صلى الله عليه وسلم - :   " صوم رمضان نسخ كل صوم " ، فدل على أن صوما آخر كان قبله ، ولأنه تعالى ذكر المريض والمسافر في هذه الآية ثم ذكر حكمهما في الآية الآتية بعده ، فإن كان هذا الصوم هو صوم رمضان لكان هذا تكريرا : ولأن قوله تعالى : ( فدية ) يدل على التخيير ، وصوم رمضان واجب على التعيين ، فكان غيره ، وأكثر المحققين على أن المراد بالأيام شهر رمضان : لأن قوله : ( كتب عليكم الصيام    ) يحتمل يوما ويومين وأكثر ، ثم بينه بقوله : ( شهر رمضان    ) ، وإذا أمكن حمله على رمضان فلا وجه لحمله على غيره ، وإثبات النسخ : وأما الخبر فيمكن أن يحمل على نسخ كل صوم وجب في الشرائع المتقدمة ، أو يكون ناسخا لصيام وجب لهذه الأمة ، وأما ما ذكر من التكرار فيحتمل أن يكون لبيان إفطار المسافر والمريض في رمضان في الحكم ، بخلاف التخيير في المقيم ، فإنه يجب عليهما القضاء ، فلما نسخ عن المقيم الصحيح وألزم الصوم ، كان من الجائز أن نظن أن حكم الصوم ، لما انتقل إلى التخيير عن التضييق ، يعم الكل حتى يكون المريض والمسافر فيه بمنزلة المقيم من حيث تغير الحكم في الصوم ، لذا بين أن حال المريض والمسافر في رخصة الإفطار ووجوب القضاء كحالهما أولا ، فهذه فائدة الإعادة ، وهذا هو الجواب عن الثالث ، وهو قولهم ، لأن قوله تعالى : ( فدية    )   [ ص: 31 ] يدل على التخيير إلى آخره : لأن صوم رمضان كان واجبا مخيرا ، ثم صار معينا . وعلى كلا القولين لا بد من النسخ في الآية ، أما على الأول فظاهر ، وأما على الثاني فلأن هذه الآية تقتضي أن يكون صوم رمضان واجبا مخيرا ، والآية التي بعد تدل على التضييق ، فكانت ناسخة لها ، والاتصال في التلاوة لا يوجب الاتصال في النزول ، انتهى كلامه . 
وانتصاب قوله : ( أياما    ) على إضمار فعل يدل عليه ما قبله ، وتقديره : صوموا أياما معدودات ، وجوزوا أن يكون منصوبا بقوله - الصيام - وهو اختيار  الزمخشري  ، إذ لم يذكره غيره ، قال : وانتصاب أياما بالصيام كقولك : نويت الخروج يوم الجمعة ، انتهى كلامه ، وهو خطأ : لأن معمول المصدر من صلته ، وقد فصل بينهما بأجنبي وهو قوله : ( كما كتب    ) ، فكما كتب ليس لمعمول المصدر ، وإنما هو معمول لغيره على أي تقدير قدرته من كونه نعتا لمصدر محذوف ، أو في موضع الحال ، ولو فرعت على أنه صفة للصيام على تقدير أن تعريف الصيام جنس ، فيوصف بالنكرة ، لم يجز أيضا : لأن المصدر إذا وصف قبل ذكر معموله لم يجز إعماله ، فإن قدرت الكاف نعتا لمصدر من الصيام ، كما قد قال به بعضهم ، وضعفناه قبل ، فيكون التقدير : صوما كما كتب ، جاز أن يعمل في أياما الصيام : لأنه إذ ذاك العامل في صوما هو المصدر ، فلا يقع الفصل بينهما بما ليس لمعمول للمصدر ، وأجازوا أيضا انتصاب أياما على الظرف ، والعامل فيه كتب ، وأن يكون مفعولا على السعة ثانيا ، والعامل فيه كتب ، وإلى هذا ذهب الفراء  والحوفي  ، وكلا القولين خطأ . 
أما النصب على الظرف فإنه محل للفعل ، والكتابة ليست واقعة في الأيام ، لكن متعلقها هو الواقع في الأيام ، فلو قال الإنسان لولده وكان ولد يوم الجمعة : سرني ولادتك يوم الجمعة ، لم يكن أن يكون يوم الجمعة معمولا لسرني : لأن السرور يستحيل أن يكون يوم الجمعة ، إذ ليس بمحل للسرور الذي أسنده إلى نفسه ، وأما النصب على المفعول اتساعا فإن ذلك مبني على جواز وقوعه ظرفا لكتب ، وقد بينا أن ذلك خطأ . 
والصوم    : نفل وواجب ، والواجب معين الزمان ، وهو صوم رمضان والنذر المعين ، وما هو في الذمة ، وهو قضاء رمضان ، والنذر غير المعين ، وصوم الكفارة . وأجمعوا على اشتراط النية في الصوم  ، واختلفوا في زمانها ، فمذهب أبي حنيفة    : أن رمضان ، والنذر المعين ، والنفل ، يصح بنية من الليل ، وبنية إلى الزوال ، وقضاء رمضان ، وصوم الكفارة لا يصح إلا بنية من الليل خاصة . ومذهب مالك  على المشهور : أن الفرض والنفل لا يصح إلا بنية من الليل . ومذهب  الشافعي    : أنه لا يصح واجب إلا بنية من الليل . ومذهب مالك    : أن نية واحدة تكفي عن شهر رمضان . وروي عن زفر  أنه إذا كان صحيحا مقيما فأمسك فهو صائم ، وإن لم ينو ، ومن صام رمضان بمطلق نية الصوم أو بنية واجب آخر ، فقال أبو حنيفة    : ما تعين زمانه يصح بمطلق النية  ، وقال مالك  ،  والشافعي    : لا يصح إلا بنية الفرض ، والمسافر إذا نوى واجبا آخر وقع عما نوى ، وقال أبو يوسف  ، ومحمد    : يقع عن رمضان ، فلو نوى هو أو المريض التطوع ، فعن أبي حنيفة    : يقع عن الفرض ، وعنه أيضا : يقع التطوع ، وإذا صام المسافر بنية قبل الزوال جاز ، قال زفر    : لا يجوز ، ولا يجوز النفل بنية بعد الزوال ، وقال  الشافعي    : يجوز . 
ولو أوجب صوم وقت معين فصام عن التطوع ، فقال أبو يوسف    : يقع على المنذور ، ولو صام عن واجب آخر في وقت الصوم الذي أوجبه وقع عن ما نوى ، ولو نوى التطوع وقضاء رمضان ، فقال أبو يوسف    : يقع عن القضاء ، ومحمد  قال : عن التطوع ، ولو نوى قضاء رمضان وكفارة الظهار كان على القضاء في قول أبي يوسف  ، وقال محمد    : يقع على النفل ، ولو نوى الصائم الفطر فصومه تام ، وقال  الشافعي    : يبطل صومه . ودلائل هذه المسائل تذكر في كتب الفقه . 
				
						
						
