(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246nindex.php?page=treesubj&link=28973ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ) ، مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة ، وذلك أنه لما أمر المؤمنين بالقتال في سبيل الله ، وكان قد قدم قبل ذلك قصة الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت ، إما بالقتال أو بالطاعون ، على سبيل التشجيع والتثبيت للمؤمنين ، والإعلام بأنه لا ينجي حذر من قدر ؛ أردف ذلك بأن القتال كان مطلوبا مشروعا في الأمم السابقة ؛ فليس من الأحكام التي خصصتم بها ؛ لأن ما وقع فيه الاشتراك كانت النفس أميل لقبوله من التكليف الذي يكون يقع به الانفراد ، وتقدم الكلام على قوله : " ألم تر " فأغنى عن إعادته ، والملأ هنا ، قال
ابن عطية : جميع القوم ، قال : لأن المعنى يقتضيه ، وهذا هو أصل وضع اللفظة . وتسمى الأشراف الملأ تشبيها . انتهى . يعني : والله أعلم تشبيها بجميع القوم . وقد تقدم تفسير الملأ في الكلام على المفردات . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246من بني إسرائيل ) : في موضع الحال ، فيتعلق بمحذوف ، أي : كائنين من بني إسرائيل ، وعلى مذهب الكوفيين هو صلة للملأ ؛ لأن الاسم المعرف بالألف واللام يجوز عندهم أن يكون موصولا ، كما زعموا ذلك في قوله :
لعمري لأنت البيت أكرم أهله
فأكرم عندهم صلة للبيت لا موضع له من الإعراب ، كذلك : " من
بني إسرائيل " العامل فيه لا موضع له من الإعراب . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246من بعد موسى ) متعلق بما تعلق به (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246من بني إسرائيل )
[ ص: 254 ] وهو كائنين ، وتعدى إلى حرفي جر من لفظ واحد لاختلاف المعنى ؛ فـ " من " الأولى تبعيضية و " من " الثانية لابتداء الغاية ؛ إذ العامل في هذا الظرف ، قالوا " تر " ، وقالوا : هو بدل من " بعد " ؛ لأنهما زمانان
لبني إسرائيل ، وكلاهما لا يصح . أما الأول : فإن " ألم تر " تقرير ، والمعنى : قد انتهى علمك إلى الملأ من
بني إسرائيل ، وقد نظرت إلى
بني إسرائيل إذ قالوا ، وليس انتهاء علمه إليهم ، ولا نظره إليهم كان في وقت قولهم لنبي لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246ابعث لنا ملكا ) ، وإذا لم يكن ظرفا للانتهاء ، ولا للنظر ، فكيف يكون معمولا لهما ، أو لأحدهما ؟ هذا ما لا يصح . وأما الثاني : فبعيد جدا ؛ لأنه لو كان بدلا من " بعد " لكان على تقدير العامل ، وهو لا يصح دخوله عليه ، أعني " من " الداخلة على " بعد " لا تدخل على " إذ " ، لا تقول : من إذ ، ولو كان من الظروف التي يدخل عليها " من " كوقت وحين ، لم يصح المعنى أيضا ؛ لأن " من بعد موسى " حال كما قررناه ؛ إذ العامل فيه : كائنين ، ولو قلت : كائنين من حين قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا ؛ لما صح هذا المعنى ، وإذا بطل هذان الوجهان ، فينظر ما يعمل فيه مما يصح به المعنى ، وقد وجدناه ، وهو : أن يكون ثم محذوف به يصح المعنى ، وهو العامل ، وذلك المحذوف تقديره : ألم تر إلى قصة الملأ ، أو حديث الملأ ، وما في معناه ؛ لأن الذوات لا يتعجب منها ، وإنما يتعجب مما جرى لهم ، فصار المعنى : ألم تر إلى ما جرى للملأ من
بني إسرائيل من بعد
موسى ، إذ قالوا ؟ فالعامل في " إذ " هو ذلك المحذوف ، والمعنى على تقديره ، وتعلق قوله " لنبي " بـ قالوا ، واللام فيه كما تقدم للتبليغ ، واسم هذا النبي :
شمويل بن بالي ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه ، أو
شمعون ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، أو
يوشع بن نون . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15166المحاسبي اسمه
عيسى ، وضعف قول من قال : إنه
يوشع ، بأن
يوشع هو فتى
موسى - عليه السلام - وبينه وبين
داود قرون كثيرة ، وقد طول المفسرون في هذه ، ونحن نلخصها فنقول : لما مات
موسى - عليه السلام - خلف من بعده في
بني إسرائيل يوشع يقيم فيهم التوراة ، ثم قبض فخلف
حزقيل ، ثم قبض ففشت فيهم الأحداث ، حتى عبدوا الأوثان فبعث إليهم
إلياس ، ثم من بعده
اليسع ، ثم قبض ، فعظمت فيهم الأحداث ، وظهر لهم عدوهم العمالقة قوم
جالوت ، كانوا سكان ساحل
بحر الروم ، بين
مصر وفلسطين ، وظهروا عليهم وغلبوا على كثير من بلادهم ، وأسروا من أبناء ملوكهم كثيرا ، وضربوا عليهم الجزية ، وأخذوا توراتهم ، ولم يكن لهم من يدبر أمرهم ، وسألوا الله أن يبعث لهم نبيا يقاتلون معه ، وكان سبط النبوة هلكوا إلا امرأة حبلى دعت الله أن يرزقها غلاما ؛ فرزقها
شمويل ، فتعلم التوراة في بيت المقدس ، وكفله شيخ من علمائهم وتبناه ، فلما بلغ النبوة أتاه
جبريل وهو نائم إلى جنب الشيخ ، وكان لا يأمن عليه ، فدعاه بلحن الشيخ : يا
شمويل ، فقام فزعا ، وقال : يا أبت دعوتني ، فكره أن يقول له : لا ؛ فيفزع ؛ فقال : يا بني نم ، فجرى بذلك له مرتين ، فقال له : إن دعوتك الثالثة فلا تجبني ، فظهر له
جبريل ، فقال له اذهب فبلغ قومك رسالة ربك ، قد بعثك نبيا . فأتاهم فكذبوه ، وقالوا : إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله آية من نبوتك ، وكان قوام
بني إسرائيل بالاجتماع على الملوك ، وكان الملك يسير بالجموع ، والنبي يسدده ويرشده . وقال
[ ص: 255 ] وهب : بعث
شمويل نبيا فلبثوا أربعين سنة بأحسن حال ، وكان الله أسقط عنهم الجهاد إلا من قاتلهم ، فلما كتب عليهم القتال تولوا ، ثم كان من أمر
جالوت والعمالقة ما كان . ومعنى " ابعث لنا ملكا " : أنهض لنا من نصدر عنه في تدبير الحرب ، وننتهي إلى أمره ، وانجزم " نقاتل " على جواب الأمر . وقرأ الجمهور بالنون والجزم .
والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة بالياء ورفع اللام على الصفة للملك . وقرئ بالنون ورفع اللام على الحال من المجرور . وقرئ بالياء والجزم على جواب الأمر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ) لما طلبوا من نبيهم أن ينهض لهم ملكا ، ورتبوا على بعثه أن يقاتلوا ، وكانوا قد ذلوا ، وسبي ملوكهم ؛ فأخذتهم الأنفة ، ورغبوا في الجهاد - أراد أن يستثبت ما طلبوه من الجهاد ، وأن يتعرف ما انطوت عليه بواطنهم ، فاستفهم عن مقاربتهم ترك القتال إن كتب عليهم ، فأنكروا أن يكون لهم داع إلى ترك القتال ؛ فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ) ، أي : هذه حال من يبادر إلى القتال ؛ لأنه طالب ثأر ، ومترج أن يكون له الظفر من الله تعالى ؛ لأنهم علموا أن ما أصابهم إنما كان بذنوبهم ، فلما أقلعوا وتابوا ، ورجعوا لطوع الأنبياء ؛ قويت آمالهم بالنصر والظفر . قيل : وكان النبي قد ظن منهم الجبن والفشل في القتال ؛ فلذلك استفهم ؛ وليبين أن ما ظنه وتوقعه من ذلك يكون منهم ، وكان كما توقع . وقرأ
نافع : " عسيتم " بكسر السين هنا وفي سورة القتال . وقرأ الباقون بفتحها . وقد تقدم الكلام على " عسى " . قال
أبو علي : الأكثر فتح السين ، وهو المشهور ، ووجه الكسر قول العرب : هو عس بذلك ، مثل : حر وشج ، فإن أسند الفعل إلى ظاهر فقياس عسيتم أن يقال : عسي زيد ، مثل رضي ، فإن قيل : فهو القياس ، وإن لم يقل فسائغ أن تأخذ باللغتين وتستعمل إحداهما في موضع الأخرى ، كما فعل ذلك بغيره . انتهى . والمحفوظ عن العرب أنه لا تكسر السين إلا مع تاء المتكلم والمخاطب ونون الإناث ، نحو : عسيت وعسيت ، وعسين ، وذلك على سبيل الجواز لا الوجوب ، ويفتح فيما سوى ذلك على سبيل الوجوب ، ولا يسوغ الكسر نحو : عسى زيد ، والزيدان عسيا ، والزيدون عسوا ، والهندان عسيا ، وعساك ، وعاساني ، وعساه . وقاله
أبو بكر الأدفوي وغيره : إن أهل
الحجاز يكسرون السين من عسى مع المضمر خاصة ، وإذا قيل : عسى زيد فليس إلا الفتح ، وينبغي أن يقيد المضمر بما ذكرناه . وقال
أبو عبيد : لو كان عسيتم بكسر السين لقرئ : عسي ربكم ، وهذا جهل من
أبي عبيد بهذه اللغة ، ودخول " هل " على " عسيتم " دليل على أن عسى فعل خبري لا إنشائي ، والمشهور أن عسى إنشاء لأنه ترج ، فهي نظيرة لعل ؛ ولذلك لا يجوز أن يقع صلة للموصول ، لا يجوز أن تقول : جاءني الذي عسى أن يحسن إلي ، وقد خالف في هذه المسألة
هشام ؛ فأجاز وصل الموصول بها ، ووقوعها خبرا لأن دليل على أنها فعل خبري ، وهو جائز ، قال الراجز :
[ ص: 256 ] لا تلحني إني عسيت صائما
إلا إن قيل : إن ذلك على إضمار القول ، كما قيل في قوله :
إن الذين قتلتم أمس سيدهم لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما
لأن " إن وأخواتها " لا يجوز أن تقع خبرا لها من الجمل ، إلا الجمل الخبرية ، وهي التي تحتمل الصدق والكذب ، هذا على الصحيح ، وفي ذلك خلاف ضعيف . وجواب الشرط الذي هو " إن كتب عليكم القتال " محذوف للدلالة عليه ، وتوسط الشرط بين أجزاء الدليل على حذفه ، كما توسط في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=70وإنا إن شاء الله لمهتدون ) ، وخبر " عسيتم " : " أن لا تقاتلوا " ، هذا على المشهور أنها تدخل على المبتدأ والخبر ، فيكون " أن " زيدت في الخبر ؛ إذ " عسى " للتراخي ، ومن ذهب إلى أن " عسى " يتعدى إلى مفعول ، جعل " أن لا تقاتلوا " هو المفعول ، و " أن " مصدرية ، والواو في " وما لنا " لربط هذا الكلام بما قبله ، ولو حذف لجاز أن يكون منقطعا عنه ، وهو استفهام في اللفظ ، وإنكار في المعنى ، و " أن لا نقاتل " ، أي : في ترك القتال ، حذف الجر المتعلق بما تعلق به " لنا " الواقع خبرا لما الاستفهامية ؛ إذ هي مبتدأ ، و " أن لا نقاتل " في موضع نصب ، أو في موضع جر على الخلاف الذي بين
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه والخليل ، وذهب
أبو الحسن إلى أن " أن " زائدة ، وعملت النصب كما عمل باء الجر الزائد الجر ، والجملة حال ، أي : وما لنا غير مقاتلين ؛ فيكون مثل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=11ما لك لا تأمنا على يوسف ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=13ما لكم لا ترجون لله وقارا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=8وما لكم لا تؤمنون بالله ) ، وكقول العرب : ما لك قائما ؟ وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=49فما لهم عن التذكرة معرضين ، وذهب قوم منهم
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير إلى حذف الواو من " أن لا نقاتل " ، والتقدير : وما لنا ولأن لا نقاتل ؟ قال : كما تقول : إياك أن تتكلم ، بمعنى إياك وأن تتكلم ، وهذا ومذهب
أبي الحسن ليسا بشيء ؛ لأن الزيادة والحذف على خلاف الأصل ، ولا نذهب إليهما إلا لضرورة ، ولا ضرورة تدعو هنا إلى ذلك مع صحة المعنى في عدم الزيادة والحذف ، وأما : إياك أن تتكلم ، فليس على حذف حرف العطف ، بل إياك مضمن معنى احذر ؛ فأن تتكلم في موضع نصب كأنه قيل : احذر التكلم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246وقد أخرجنا ) جملة حالية : أنكروا ترك القتال ، وقد التبسوا بهذه الحال من إخراجهم من ديارهم وأبنائهم ، والقائل هذا لم يخرج ، لكنه أخرج مثله ؛ فكان ذلك إخراجا له ، ويمكن حمله على الظاهر ؛ لأن كثيرا منهم استولي على بلادهم ، وأسر أبناؤهم ؛ فارتحلوا إلى غير بلادهم التي كان منشؤهم بها ، كما مر في قصتهم . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير : " وقد أخرجنا " ، أي : العدو ، والمعنى في : " وأبنائنا " ، أي : من بين أبنائنا ، وقيل : هو على القلب ، أي : وأخرج منا أبناؤنا ، ويحتمل أن يكون الفاعل بـ " أخرجنا " على قراءة عبيد المذكور ضميرا يعود على الله ، أي : وقد أخرجنا الله بعصياننا وذنوبنا ؛ فنحن نتوب ونقاتل في سبيله ليردنا إلى أوطاننا ، ويجمع بيننا وبين أبنائنا ، كما تقول : ما لي لا أطيع الله وقد عاقبني على معصيته ؟ فينبغي أن أطيعه حتى لا يعاقبني ، قال القشيري : أظهروا التجلد والتصلب في القتال ذبا عن أموالهم ومنازلهم ؛ حيث (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ) ؛ فلذلك لم يتم قصدهم ؛ لأنه لم يخلص لحق الله عزمهم ، ولو أنهم قالوا : وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله لأنه قد أمرنا ، وأوجب علينا ؛ لعلهم وفقوا لإتمام ما قصدوا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم ) ، هذا شأن المترف المنعم ، متى كان متلبسا بالنعمة قوي عزمه وأنف ، فإذا ابتلي بشيء من الخطوب كع ، وذل التولي حقيقة هو عند المباشرة للحرب ، ومعناه هنا : صرف عزائمهم عن ما سألوه من القتال ، وانتصب " قليلا " على الاستثناء المتصل ، ولا يجوز أن يكون المستثنى منهما ، لو قلت : ضربت القوم إلا رجالا ؛ لم يصح ، وصح هذا لاختصاصه بأنه في نفسه صفة لموصوف ، ولتقييده بقوله " منهم " ، ولم يبين هنا عدة هذا القليل ، وبينته السنة ؛ صح
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن عدة من كان معه يوم بدر قال : ( ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدة قوم [ ص: 257 ] طالوت ) ، وهؤلاء القليل ثبتوا على نياتهم السابقة ، واستمرت عزائمهم على قتال أعدائهم . وقرأ
أبي : " تولوا إلا أن يكون قليل منهم " ، وهو استثناء منقطع ؛ لأن الكون معنى من المعاني ، والمستثنى منهم جثث . وتقول العرب : قام القوم إلا أن يكون زيد ، وزيدا ، بالرفع والنصب ؛ فالرفع على أن يكون تامة ، والنصب على أنها ناقصة ، واسمهما ضمير مستكن فيها يعود على البعض المفهوم مما قبله ، التقدير : إلا أن يكون هو ، أي : بعضهم زيدا ، والمعنى : قام القوم إلا كون زيد في القائمين ، ويلزم من انتفاء كونه في القائمين أنه ليس قائما ، فلا فرق من حيث المعنى بين قام القوم إلا زيدا ، وبين قام القوم إلا أن يكون زيد أو زيدا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246والله عليم بالظالمين ) ، فيه وعيد وتهديد لمن تقاعد عن القتال بعد أن فرض عليه بسؤاله ورغبته ، وأن الإعراض عما أوجب الله على العبد ظلم ؛ إذ الظلم وضع الشيء في غير موضعه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246nindex.php?page=treesubj&link=28973أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) ، مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا ظَاهِرَةٌ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَكَانَ قَدْ قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ قِصَّةَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ حَذَرَ الْمَوْتِ ، إِمَّا بِالْقِتَالِ أَوْ بِالطَّاعُونِ ، عَلَى سَبِيلِ التَّشْجِيعِ وَالتَّثْبِيتِ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَالْإِعْلَامِ بِأَنَّهُ لَا يُنْجِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ ؛ أَرْدَفَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقِتَالَ كَانَ مَطْلُوبًا مَشْرُوعًا فِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ ؛ فَلَيْسَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي خُصِصْتُمْ بِهَا ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ كَانَتِ النَّفْسُ أَمْيَلَ لِقَبُولِهِ مِنَ التَّكْلِيفِ الَّذِي يَكُونُ يَقَعُ بِهِ الِانْفِرَادُ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ : " أَلَمْ تَرَ " فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ ، وَالْمَلَأُ هُنَا ، قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : جَمِيعُ الْقَوْمِ ، قَالَ : لِأَنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ ، وَهَذَا هُوَ أَصْلُ وَضْعِ اللَّفْظَةِ . وَتُسَمَّى الْأَشْرَافُ الْمَلَأَ تَشْبِيهًا . انْتَهَى . يَعْنِي : وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَشْبِيهًا بِجَمِيعِ الْقَوْمِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْمَلَأِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُفْرَدَاتِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ ، أَيْ : كَائِنِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَعَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ هُوَ صِلَةٌ لِلْمَلَأِ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا ، كَمَا زَعَمُوا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ :
لَعَمْرِي لَأَنْتَ الْبَيَتُ أَكْرَمُ أَهْلِهِ
فَأَكْرَمُ عِنْدَهُمْ صِلَةٌ لِلْبَيْتِ لَا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ ، كَذَلِكَ : " مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ " الْعَامِلُ فِيهِ لَا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246مِنْ بَعْدِ مُوسَى ) مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ )
[ ص: 254 ] وَهُوَ كَائِنِينَ ، وَتَعَدَّى إِلَى حَرْفَيْ جَرٍّ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى ؛ فَـ " مِنْ " الْأُولَى تَبْعِيضِيَّةٌ وَ " مِنْ " الثَّانِيَةُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ؛ إِذِ الْعَامِلُ فِي هَذَا الظَّرْفِ ، قَالُوا " تَرَ " ، وَقَالُوا : هُوَ بَدَلٌ مِنْ " بَعْدِ " ؛ لِأَنَّهُمَا زَمَانَانِ
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ . أَمَّا الْأَوَّلُ : فَإِنَّ " أَلَمْ تَرَ " تَقْرِيرٌ ، وَالْمَعْنَى : قَدِ انْتَهَى عِلْمُكَ إِلَى الْمَلَأِ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَقَدْ نَظَرْتَ إِلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ قَالُوا ، وَلَيْسَ انْتِهَاءُ عِلْمِهِ إِلَيْهِمْ ، وَلَا نَظَرُهُ إِلَيْهِمْ كَانَ فِي وَقْتِ قَوْلِهِمْ لِنَبِيٍّ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا ) ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ظَرْفًا لِلِانْتِهَاءِ ، وَلَا لِلنَّظَرِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَعْمُولًا لَهُمَا ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا ؟ هَذَا مَا لَا يَصِحُّ . وَأَمَّا الثَّانِي : فَبَعِيدٌ جِدًّا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَدَلًا مِنْ " بَعْدِ " لَكَانَ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَامِلِ ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ دُخُولُهُ عَلَيْهِ ، أَعْنِي " مِنْ " الدَّاخِلَةَ عَلَى " بَعْدِ " لَا تَدْخُلُ عَلَى " إِذْ " ، لَا تَقُولُ : مِنْ إِذْ ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الظُّرُوفُ الَّتِي يَدْخُلُ عَلَيْهَا " مَنْ " كَوَقْتٍ وَحِينٍ ، لَمْ يَصِحَّ الْمَعْنَى أَيْضًا ؛ لِأَنَّ " مِنْ بَعْدِ مُوسَى " حَالٌ كَمَا قَرَّرْنَاهُ ؛ إِذِ الْعَامِلُ فِيهِ : كَائِنِينَ ، وَلَوْ قُلْتَ : كَائِنِينَ مِنْ حِينِ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا ؛ لَمَا صَحَّ هَذَا الْمَعْنَى ، وَإِذَا بَطَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ ، فَيُنْظَرُ مَا يَعْمَلُ فِيهِ مِمَّا يَصِحُّ بِهِ الْمَعْنَى ، وَقَدْ وَجَدْنَاهُ ، وَهُوَ : أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَحْذُوفٌ بِهِ يَصِحُّ الْمَعْنَى ، وَهُوَ الْعَامِلُ ، وَذَلِكَ الْمَحْذُوفُ تَقْدِيرُهُ : أَلَمْ تَرَ إِلَى قِصَّةِ الْمَلَأِ ، أَوْ حَدِيثِ الْمَلَأِ ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّ الذَّوَاتَ لَا يُتَعَجَّبُ مِنْهَا ، وَإِنَّمَا يُتَعَجَّبُ مِمَّا جَرَى لَهُمْ ، فَصَارَ الْمَعْنَى : أَلَمْ تَرَ إِلَى مَا جَرَى لِلْمَلَأِ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ
مُوسَى ، إِذْ قَالُوا ؟ فَالْعَامِلُ فِي " إِذْ " هُوَ ذَلِكَ الْمَحْذُوفُ ، وَالْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِهِ ، وَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ " لِنَبِيٍّ " بِـ قَالُوا ، وَاللَّامُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ لِلتَّبْلِيغِ ، وَاسْمُ هَذَا النَّبِيِّ :
شَمْوِيلُ بْنُ بَالِي ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ ، أَوْ
شَمْعُونُ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ ، أَوْ
يُوشَعُ بْنُ نُونٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15166الْمُحَاسِبِيُّ اسْمُهُ
عِيسَى ، وَضَعَّفَ قَوْلَ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ
يُوشَعُ ، بِأَنْ
يُوشَعَ هُوَ فَتَى
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ
دَاوُدَ قُرُونٌ كَثِيرَةٌ ، وَقَدْ طَوَّلَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ ، وَنَحْنُ نُلَخِّصُهَا فَنَقُولُ : لَمَّا مَاتَ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ يُوشَعَ يُقِيمُ فِيهِمُ التَّوْرَاةَ ، ثُمَّ قُبِضَ فَخَلَفَ
حِزْقِيلُ ، ثُمَّ قُبِضَ فَفَشَتْ فِيهِمُ الْأَحْدَاثُ ، حَتَّى عَبَدُوا الْأَوْثَانَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ
إِلْيَاسَ ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ
الْيَسَعَ ، ثُمَّ قُبِضَ ، فَعَظُمَتْ فِيهِمُ الْأَحْدَاثُ ، وَظَهَرَ لَهُمْ عَدُّوهُمُ الْعَمَالِقَةُ قَوْمُ
جَالُوتَ ، كَانُوا سُكَّانَ سَاحِلِ
بَحْرِ الرُّومِ ، بَيْنَ
مِصْرَ وَفِلَسْطِينَ ، وَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَغَلَبُوا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ بِلَادِهِمْ ، وَأَسَرُوا مِنْ أَبْنَاءِ مُلُوكِهِمْ كَثِيرًا ، وَضَرَبُوا عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ ، وَأَخَذُوا تَوْرَاتَهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنْ يُدَبِّرُ أَمْرَهُمْ ، وَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ نَبِيًّا يُقَاتِلُونَ مَعَهُ ، وَكَانَ سِبْطُ النُّبُوَّةِ هَلَكُوا إِلَّا امْرَأَةً حُبْلَى دَعَتِ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهَا غُلَامًا ؛ فَرَزَقَهَا
شَمْوِيلَ ، فَتَعَلَّمَ التَّوْرَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَكَفَلَهُ شَيْخٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَتَبَنَّاهُ ، فَلَمَّا بَلَغَ النُّبُوَّةَ أَتَاهُ
جِبْرِيلُ وَهُوَ نَائِمٌ إِلَى جَنْبِ الشَّيْخِ ، وَكَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهِ ، فَدَعَاهُ بِلَحْنِ الشَّيْخِ : يَا
شَمْوِيلُ ، فَقَامَ فَزِعًا ، وَقَالَ : يَا أَبَتِ دَعَوْتَنِي ، فَكَرِهَ أَنْ يَقُولَ لَهُ : لَا ؛ فَيَفْزَعَ ؛ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ نَمْ ، فَجَرَى بِذَلِكَ لَهُ مَرَّتَيْنِ ، فَقَالَ لَهُ : إِنْ دَعَوْتُكَ الثَّالِثَةَ فَلَا تُجِبْنِي ، فَظَهَرَ لَهُ
جِبْرِيلُ ، فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ فَبَلِّغْ قَوْمَكَ رِسَالَةَ رَبِّكَ ، قَدْ بَعَثَكَ نَبِيًّا . فَأَتَاهُمْ فَكَذَّبُوهُ ، وَقَالُوا : إِنْ كُنَتَ صَادِقًا فَابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ آيَةً مِنْ نُبُوَّتِكَ ، وَكَانَ قِوَامُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الْمُلُوكِ ، وَكَانَ الْمَلِكُ يَسِيرُ بِالْجُمُوعِ ، وَالنَّبِيُّ يُسَدِّدُهُ وَيُرْشِدُهُ . وَقَالَ
[ ص: 255 ] وَهْبٌ : بُعِثَ
شَمْوِيلُ نَبِيًّا فَلَبِثُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً بِأَحْسَنِ حَالٍ ، وَكَانَ اللَّهُ أَسْقَطَ عَنْهُمُ الْجِهَادَ إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ ، فَلَمَّا كَتَبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالَ تَوَلَّوْا ، ثُمَّ كَانَ مِنْ أَمْرِ
جَالُوتَ وَالْعَمَالِقَةِ مَا كَانَ . وَمَعْنَى " ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا " : أَنْهِضْ لَنَا مَنْ نَصْدُرُ عَنْهُ فِي تَدْبِيرِ الْحَرْبِ ، وَنَنْتَهِي إِلَى أَمْرِهِ ، وَانْجَزَمَ " نُقَاتِلْ " عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالنُّونِ وَالْجَزْمِ .
وَالضَّحَّاكُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12356وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ بِالْيَاءِ وَرَفْعِ اللَّامِ عَلَى الصِّفَةِ لِلْمَلِكِ . وَقُرِئَ بِالنُّونِ وَرَفْعِ اللَّامِ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمَجْرُورِ . وَقُرِئَ بِالْيَاءِ وَالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ) لَمَّا طَلَبُوا مِنْ نَبِيِّهِمْ أَنْ يُنْهِضَ لَهُمْ مَلِكًا ، وَرَتَّبُوا عَلَى بَعْثِهِ أَنْ يُقَاتِلُوا ، وَكَانُوا قَدْ ذُلُّوا ، وَسُبِيَ مُلُوكُهُمْ ؛ فَأَخَذَتْهُمُ الْأَنَفَةُ ، وَرَغِبُوا فِي الْجِهَادِ - أَرَادَ أَنْ يَسْتَثْبِتَ مَا طَلَبُوهُ مِنَ الْجِهَادِ ، وَأَنْ يَتَعَرَّفَ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ بَوَاطِنُهُمْ ، فَاسْتَفْهَمَ عَنْ مُقَارَبَتِهِمْ تَرْكَ الْقِتَالِ إِنْ كُتِبَ عَلَيْهِمْ ، فَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ دَاعٍ إِلَى تَرْكِ الْقِتَالِ ؛ فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ) ، أَيْ : هَذِهِ حَالُ مَنْ يُبَادِرُ إِلَى الْقِتَالِ ؛ لِأَنَّهُ طَالِبُ ثَأْرٍ ، وَمُتَرَجٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ الظَّفَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ مَا أَصَابَهُمْ إِنَّمَا كَانَ بِذُنُوبِهِمْ ، فَلَمَّا أَقْلَعُوا وَتَابُوا ، وَرَجَعُوا لِطَوْعِ الْأَنْبِيَاءِ ؛ قَوِيَتْ آمَالُهُمْ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ . قِيلَ : وَكَانَ النَّبِيُّ قَدْ ظَنَّ مِنْهُمُ الْجُبْنَ وَالْفَشَلَ فِي الْقِتَالِ ؛ فَلِذَلِكَ اسْتَفْهَمَ ؛ وَلِيُبَيِّنَ أَنَّ مَا ظَنَّهُ وَتَوَقَّعَهُ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ مِنْهُمْ ، وَكَانَ كَمَا تَوَقَّعَ . وَقَرَأَ
نَافِعٌ : " عَسِيتُمْ " بِكَسْرِ السِّينِ هُنَا وَفِي سُورَةِ الْقِتَالِ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى " عَسَى " . قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ : الْأَكْثَرُ فَتْحُ السِّينِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، وَوَجْهُ الْكَسْرِ قَوْلُ الْعَرَبِ : هُوَ عَسٌ بِذَلِكَ ، مِثْلُ : حَرٍ وَشَجٍ ، فَإِنْ أُسْنِدَ الْفِعْلُ إِلَى ظَاهِرٍ فَقِيَاسُ عَسِيتُمْ أَنْ يُقَالَ : عَسِيَ زَيْدٌ ، مِثْلُ رَضِيَ ، فَإِنْ قِيلَ : فَهُوَ الْقِيَاسُ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فَسَائِغٌ أَنْ تَأْخُذَ بِاللُّغَتَيْنِ وَتُسْتَعْمَلُ إِحْدَاهُمَا فِي مَوْضِعِ الْأُخْرَى ، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ . انْتَهَى . وَالْمَحْفُوظُ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهُ لَا تُكْسَرُ السِّينُ إِلَّا مَعَ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ وَنُونِ الْإِنَاثِ ، نَحْوَ : عَسِيتُ وَعَسِيتَ ، وَعَسِينَ ، وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ لَا الْوُجُوبِ ، وَيُفْتَحُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ ، وَلَا يُسَوَّغُ الْكَسْرُ نَحْوَ : عَسَى زَيْدٌ ، وَالزَّيْدَانِ عَسَيَا ، وَالزَّيْدُونَ عَسَوْا ، وَالْهِنْدَانِ عَسَيَا ، وَعَسَاكَ ، وَعَاسَانِي ، وَعَسَاهُ . وَقَالَهُ
أَبُو بَكْرٍ الْأَدْفُوِيُّ وَغَيْرُهُ : إِنَّ أَهْلَ
الْحِجَازِ يَكْسِرُونَ السِّينَ مِنْ عَسَى مَعَ الْمُضْمَرِ خَاصَّةً ، وَإِذَا قِيلَ : عَسَى زَيْدٌ فَلَيْسَ إِلَّا الْفَتْحُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْمُضْمَرُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ . وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : لَوْ كَانَ عَسَيْتُمْ بِكَسْرِ السِّينِ لَقُرِئَ : عَسِيَ رَبُّكُمْ ، وَهَذَا جَهْلٌ مِنْ
أَبِي عُبَيْدٍ بِهَذِهِ اللُّغَةِ ، وَدُخُولُ " هَلْ " عَلَى " عَسَيْتُمْ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَسَى فِعْلٌ خَبَرِيٌّ لَا إِنْشَائِيٌّ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ عَسَى إِنْشَاءٌ لِأَنَّهُ تَرَجٍّ ، فَهِيَ نَظِيرَةُ لَعَلَّ ؛ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ صِلَةً لِلْمَوْصُولِ ، لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ : جَاءَنِي الَّذِي عَسَى أَنْ يُحْسِنَ إِلَيَّ ، وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
هِشَامٌ ؛ فَأَجَازَ وَصْلَ الْمَوْصُولِ بِهَا ، وَوُقُوعُهَا خَبَرًا لِأَنَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا فِعْلٌ خَبَرِيٌّ ، وَهُوَ جَائِزٌ ، قَالَ الرَّاجِزُ :
[ ص: 256 ] لَا تَلْحَنِي إِنِّي عَسَيْتُ صَائِمًا
إِلَّا إِنْ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ ، كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ :
إِنَّ الَّذِينَ قَتَلْتُمْ أَمْسِ سَيِّدَهُمْ لَا تَحْسَبُوا لَيْلَهُمْ عَنْ لَيْلِكُمْ نَامَا
لِأَنَّ " إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا " لَا يَجُوزُ أَنْ تَقَعَ خَبَرًا لَهَا مِنَ الْجُمَلِ ، إِلَّا الْجُمَلَ الْخَبَرِيَّةَ ، وَهِيَ الَّتِي تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ ، هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ ضَعِيفٌ . وَجَوَابُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ " إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ " مَحْذُوفٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ ، وَتَوَسَّطَ الشَّرْطُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الدَّلِيلِ عَلَى حَذْفِهِ ، كَمَا تَوَسَّطَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=70وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ) ، وَخَبَرُ " عَسَيْتُمْ " : " أَنْ لَا تُقَاتِلُوا " ، هَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ ، فَيَكُونُ " أَنْ " زِيدَتْ فِي الْخَبَرِ ؛ إِذْ " عَسَى " لِلتَّرَاخِي ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ " عَسَى " يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ ، جَعَلَ " أَنْ لَا تُقَاتِلُوا " هُوَ الْمَفْعُولَ ، وَ " أَنْ " مَصْدَرِيَّةٌ ، وَالْوَاوُ فِي " وَمَا لَنَا " لِرَبْطِ هَذَا الْكَلَامِ بِمَا قَبْلَهُ ، وَلَوْ حُذِفَ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا عَنْهُ ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ فِي اللَّفْظِ ، وَإِنْكَارٌ فِي الْمَعْنَى ، وَ " أَنْ لَا نُقَاتِلَ " ، أَيْ : فِي تَرْكِ الْقِتَالِ ، حُذِفَ الْجَرُّ الْمُتَعَلِّقُ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ " لَنَا " الْوَاقِعُ خَبَرًا لِمَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ ؛ إِذْ هِيَ مُبْتَدَأٌ ، وَ " أَنْ لَا نُقَاتِلَ " فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ، أَوْ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيلِ ، وَذَهَبَ
أَبُو الْحَسَنِ إِلَى أَنَّ " أَنْ " زَائِدَةٌ ، وَعَمِلَتِ النَّصْبَ كَمَا عَمِلَ بَاءُ الْجَرِّ الزَّائِدُ الْجَرَّ ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ ، أَيْ : وَمَا لَنَا غَيْرُ مُقَاتِلِينَ ؛ فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=11مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=13مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=8وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) ، وَكَقَوْلِ الْعَرَبِ : مَا لَكَ قَائِمًا ؟ وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=49فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ، وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ إِلَى حَذْفِ الْوَاوِ مِنْ " أَنْ لَا نُقَاتِلَ " ، وَالتَّقْدِيرُ : وَمَا لَنَا وَلِأَنْ لَا نُقَاتِلَ ؟ قَالَ : كَمَا تَقُولُ : إِيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ ، بِمَعْنَى إِيَّاكَ وَأَنْ تَتَكَلَّمَ ، وَهَذَا وَمَذْهَبُ
أَبِي الْحَسَنِ لَيْسَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَالْحَذْفَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ ، وَلَا نَذْهَبُ إِلَيْهِمَا إِلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو هُنَا إِلَى ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ الْمَعْنَى فِي عَدَمِ الزِّيَادَةِ وَالْحَذْفِ ، وَأَمَّا : إِيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ ، فَلَيْسَ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ ، بَلْ إِيَّاكَ مُضَمَّنٌ مَعْنَى احْذَرْ ؛ فَأَنْ تَتَكَلَّمَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ كَأَنَّهُ قِيلَ : احْذَرِ التَّكَلُّمَ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246وَقَدْ أُخْرِجْنَا ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ : أَنْكَرُوا تَرْكَ الْقِتَالِ ، وَقَدِ الْتَبَسُوا بِهَذِهِ الْحَالِ مِنْ إِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ ، وَالْقَائِلُ هَذَا لَمْ يَخْرُجْ ، لَكِنَّهُ أُخْرِجَ مِثْلُهُ ؛ فَكَانَ ذَلِكَ إِخْرَاجًا لَهُ ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمُ اسْتُولِيَ عَلَى بِلَادِهِمْ ، وَأُسِرَ أَبْنَاؤُهُمْ ؛ فَارْتَحَلُوا إِلَى غَيْرِ بِلَادِهِمُ الَّتِي كَانَ مَنْشَؤُهُمْ بِهَا ، كَمَا مَرَّ فِي قِصَّتِهِمْ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ : " وَقَدْ أَخْرَجَنَا " ، أَيِ : الْعَدُوُّ ، وَالْمَعْنَى فِي : " وَأَبْنَائِنَا " ، أَيْ : مِنْ بَيْنِ أَبْنَائِنَا ، وَقِيلَ : هُوَ عَلَى الْقَلْبِ ، أَيْ : وَأُخْرِجَ مِنَّا أَبْنَاؤُنَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ بِـ " أَخْرَجَنَا " عَلَى قِرَاءَةِ عُبَيْدٍ الْمَذْكُورِ ضَمِيرًا يَعُودُ عَلَى اللَّهِ ، أَيْ : وَقَدْ أَخْرَجَنَا اللَّهُ بِعِصْيَانِنَا وَذُنُوبِنَا ؛ فَنَحْنُ نَتُوبُ وَنُقَاتِلُ فِي سَبِيلِهِ لِيَرُدَّنَا إِلَى أَوْطَانِنَا ، وَيَجْمَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبْنَائِنَا ، كَمَا تَقُولُ : مَا لِي لَا أُطِيعُ اللَّهَ وَقَدْ عَاقَبَنِي عَلَى مَعْصِيَتِهِ ؟ فَيَنْبَغِي أَنْ أُطِيعَهُ حَتَّى لَا يُعَاقِبَنِي ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ : أَظْهَرُوا التَّجَلُّدَ وَالتَّصَلُّبَ فِي الْقِتَالِ ذَبًّا عَنْ أَمْوَالِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ ؛ حَيْثُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ) ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتِمَّ قَصْدُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لِحَقِّ اللَّهِ عَزْمُهُمْ ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا : وَمَا لَنَا أَنْ لَا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَمَرَنَا ، وَأَوْجَبَ عَلَيْنَا ؛ لَعَلَّهُمْ وُفِّقُوا لِإِتْمَامِ مَا قَصَدُوا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ) ، هَذَا شَأْنُ الْمُتْرَفِ الْمُنَعَّمِ ، مَتَى كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالنِّعْمَةِ قَوِيَ عَزْمُهُ وَأَنِفَ ، فَإِذَا ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْخُطُوبِ كَعَّ ، وَذُلُّ التَّوَلِّي حَقِيقَةً هُوَ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ لِلْحَرْبِ ، وَمَعْنَاهُ هُنَا : صَرْفُ عَزَائِمِهِمْ عَنْ مَا سَأَلُوهُ مِنَ الْقِتَالِ ، وَانْتَصَبَ " قَلِيلًا " عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُمَا ، لَوْ قُلَتَ : ضَرَبْتُ الْقَوْمَ إِلَّا رِجَالًا ؛ لَمْ يَصِحَّ ، وَصَحَّ هَذَا لِاخْتِصَاصِهِ بِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ ، وَلِتَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ " مِنْهُمْ " ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا عِدَّةَ هَذَا الْقَلِيلِ ، وَبَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ ؛ صَحَّ
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ عِدَّةِ مَنْ كَانَ مَعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ : ( ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ عَلَى عِدَّةِ قَوْمِ [ ص: 257 ] طَالُوتَ ) ، وَهَؤُلَاءِ الْقَلِيلُ ثَبَتُوا عَلَى نِيَّاتِهِمُ السَّابِقَةِ ، وَاسْتَمَرَّتْ عَزَائِمُهُمْ عَلَى قِتَالِ أَعْدَائِهِمْ . وَقَرَأَ
أُبَيٌّ : " تَوَلَّوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلٌ مِنْهُمْ " ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ؛ لِأَنَّ الْكَوْنَ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي ، وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُمْ جُثَثٌ . وَتَقُولُ الْعَرَبُ : قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ ، وَزَيْدًا ، بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ ؛ فَالرَّفْعُ عَلَى أَنْ يَكُونَ تَامَّةً ، وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهَا نَاقِصَةٌ ، وَاسْمُهُمَا ضَمِيرٌ مُسْتَكِنٌّ فِيهَا يَعُودُ عَلَى الْبَعْضِ الْمَفْهُومِ مِمَّا قَبْلَهُ ، التَّقْدِيرُ : إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ ، أَيْ : بَعْضُهُمْ زَيْدًا ، وَالْمَعْنَى : قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا كَوْنُ زَيْدٍ فِي الْقَائِمِينَ ، وَيَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ كَوْنِهِ فِي الْقَائِمِينَ أَنَّهُ لَيْسَ قَائِمًا ، فَلَا فَرْقَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بَيْنَ قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا ، وَبَيْنَ قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ أَوْ زَيْدًا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) ، فِيهِ وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ لِمَنْ تَقَاعَدَ عَنِ الْقِتَالِ بَعْدَ أَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ بِسُؤَالِهِ وَرَغْبَتِهِ ، وَأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ ظُلْمٌ ؛ إِذِ الظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ .