والبريء المتهم بالذنب ولم يذنب . ومعنى : فقد احتمل بهتانا ، أي برميه البريء ؛ فإنه يبهته بذلك ، وإثما مبينا أي : ظاهرا لكسبه الخطيئة أو الإثم ، والمعنى : أنه يستحق عقابين : عقاب الكسب وعقاب البهت . وقدم البهت لقربه من قوله : ثم يرم به بريئا ؛ ولأنه ذنب أفظع من كسب الخطيئة أو الإثم . ولفظ احتمل أبلغ من حمل ، لأن افتعل فيه للتسبب كاعتمل . ويحتمل أن يكون افتعل فيه كالمجرد كما قال : ( وليحملن أثقالهم ) فيكون كقدر واقتدر . لما كان الوزر يوصف بالفعل جاء ذكر الحمل والاحتمال وهو استعارة . جعل المجني كالجرم المحمول . ولفظة : ( ومن ) تدل على العموم ، فلا ينبغي أن تخص ببني أبيرق ، بل هم مندرجون فيها . وقرأ : ومن يكسب بكسر الكاف وتشديد السين ، وأصله : يكتسب . وقرأ معاذ بن جبل : ( خطية ) بالتشديد . ( الزهري ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء ) الظاهر : أن الضمير في منهم عائد على بني ظفر المجادلين والذابين عن بني أبيرق . أي : فلولا عصمته وإيحاؤه إليك بما كتموه ، لهموا بإضلالك عن القضاء بالحق وتوخي طريق العدل مع علمهم بأن الجاني هو صاحبهم . فقد روي أن ناسا منهم كانوا يعلمون حقيقة القصة ؛ هذا فيه بعض كلام ، وهو قول الزمخشري من رواية ابن عباس السائب : أنها متعلقة بقصة طعمة وأصحابه ، حيث لبسوا على الرسول أمر صاحبهم .
وروى الضحاك عن : أنها نزلت في ابن عباس وفد ثقيف قدموا على الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا : جئناك نبايعك على أن لا نحشر ولا نعشر ، وعلى أن تمتعنا بالعزى سنة ؛ فلم يجبهم فنزلت . وقال ابن عطية : وفق الله نبيه على مقدار عصمته له ، وأنها بفضل من الله ورحمته . وقوله تعالى : لهمت معناه لجعلته همها وشغلها حتى تنفذه ؛ وهذا يدل على أن الألفاظ عامة في غير أهل النازلة ، وإلا فأهل الغضب لبني أبيرق ، وقد وقع همهم وثبت . والمعنى : ولولا عصمة الله لك لكان في الناس من يشتغل بإضلالك ويجعله هم نفسه ، كما فعل هؤلاء ، لكن العصمة [ ص: 347 ] تبطل كيد الجمع انتهى . والظاهر القول الأول كما ذكرنا إلا أن الهم يحتاج إلى قيد أي : لهمت طائفة منهم هما يؤثر عندك . ولا بد من هذا القيد ، لأنهم هموا حقيقة أعني : المجادلين عن بني أبيرق ، أو يخص الضلال عن الدين فإن الهم بذلك أي : لهموا بإضلالك عن شريعتك ودينك ، وعصمة الله إياك منعتهم أن يخطروا ذلك ببالهم . وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء أي : وبال ما أقدموا عليه من التعاون على الإثم والبهت ، وشهادة الزور ؛ إنما هو يخصهم . وما يضرونك من شيء " من " تدل على العموم نصا أي : لا يضرونك قليلا ولا كثيرا . قال القفال : وهذا وعد بالعصمة في المستقبل .
( وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة ) الكتاب : هو القرآن . والحكمة تقدم تفسيرها والمعنى : إن من أنزل الله عليه الكتاب والحكمة وأهله لذلك ، وأمره بتبليغ ذلك ، هو معصوم من الوقوع في الضلال والشبه .
( وعلمك ما لم تكن تعلم ) قال ابن عباس ومقاتل : هو الشرع . وقال أبو سليمان الدمشقي : أخبار الأولين والآخرين . وذكر الماوردي : الكتاب والحكمة ، وذكر أيضا مقدار نفسك النفيسة . وقيل : خفيات الأمور ، وضمائر الصدور التي لا يطلع عليها إلا بوحي . وقال القفال : يحتمل وجهين : أحدهما : أن يراد ما يتعلق بالدين كما قال تعالى : ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ) وعلى هذا التقدير : وأطلعك على أسرار الكتاب والحكمة ، وعلى حقائقهما ، مع أنك ما كنت عالما بشيء ؛ فكذلك يفعل بك في مستأنف أيامك ؛ لا يقدر أحد من المنافقين على إضلالك ولا على استزلالك . الثاني : ما لم تكن تعلم من أخبار القرون السالفة ، فكذلك يعلمك من حيل المنافقين وكيدهم ما لا يقدر على الاحتراز منه ، انتهى . وفيه بعض تلخيص . والظاهر العموم ، فيشمل جميع ما ذكروه . فالمعنى : الأشياء التي لم تكن تعلمها ؛ لولا إعلامه إياك إياها .
( وكان فضل الله عليك عظيما ) قيل : المنة بالإيمان . وقال أبو سليمان : هو ما خصه به تعالى . وقال أبو عبد الله الرازي : هذا من أعظم الدلائل على أن العلم أشرف الفضائل والمناقب . وذلك أن الله تعالى ما أعطى الخلق من العلم إلا قليلا ، ونصيب الشخص من علوم الخلائق يكون قليلا ، ثم إنه سمى ذلك القليل عظيما .
وتضمنت هذه الآيات أنواعا من الفصاحة والبيان والبديع ؛ منها الاستعارة في : ( وإذا ضربتم في الأرض ، وفي : ( فيميلون ) استعار الميل للحرب . والتكرار في : ( جناح ) و ( لا جناح ) لاختلاف متعلقهما ، وفي : ( فلتقم طائفة ) ، ( ولتأت طائفة ) ، وفي : الحذر والأسلحة ، وفي : ( الصلاة ) ، وفي : ( تألمون ) ، وفي : اسم الله . والتجنيس المغاير في : ( فيميلون ) ( ميلة ) ، وفي : ( كفروا ) ، ( إن الكافرين ) ، وفي : ( تختانون ) و ( خوانا ) ، وفي : ( يستغفروا ) ، ( غفورا ) . والتجنيس المماثل في : فأقمت فلتقم ، وفي : ( لم يصلوا ) ، ( فليصلوا ) ، وفي : ( يستخفون ) و ( لا يستخفون ) ، وفي : ( جادلتم ) ، ( فمن يجادل ) ، وفي : ( يكسب ) و ( يكسب ) ، وفي : ( يضلوك ) وما ( يضلون ) ، وفي : و ( علمك ) و ( تعلم ) . قيل : والعام يراد به الخاص في : فإذا قضيتم الصلاة ظاهره العموم ، وأجمعوا على أن المراد بها صلاة الخوف خاصة ؛ لأن السياق يدل على ذلك ، ولذلك كانت أل فيه للعهد ، انتهى . وإذا كانت أل للعهد فليس من باب العام المراد به الخاص ؛ لأن ( أل ) للعموم و ( أل ) للعهد فهما قسيمان ؛ فإذا استعمل لأحد القسيمين فليس موضوعا للآخر . والإبهام في قوله : بما أراك الله ، وفي : ما لم تكن تعلم . وخطاب عين ويراد به غيره وفي : ولا تكن للخائنين خصيما ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم محروس بالعصمة أن يخاصم عن المبطلين . والتتميم في قوله : وهو معهم للإنكار عليهم والتغليظ لقبح فعلهم لأن حياء الإنسان ممن يصحبه أكثر من حيائه وحده ، وأصل المعية في الإجرام ، والله تعالى منزه عن ذلك ، فهو مع عبده بالعلم والإحاطة . وإطلاق وصف الإجرام على المعاني فقد احتمل بهتانا . والحذف في مواضع . [ ص: 348 ] ( ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا ) . النجوى مصدر كالدعوى ، يقال : نجوت الرجل أنجوه نجوى إذا ناجيته . قال الواحدي : ولا تكون النجوى إلا بين اثنين . وقال : النجوى ما انفرد به الجماعة ، أو الاثنان سرا كان وظاهرا ، انتهى . وقال الزجاج ابن عطية : المسارة ، وتطلق النجوى على القوم المتناجين ، وهو من باب : قوم عدل وصف بالمصدر . وقال الكرماني : نجوى جمع نجي ، وتقدم الكلام في هذه المادة ، وتكرر هنا لخصوصية البنية .
مريد : من مرد عتا وعلا في الحذاقة ، وتجرد للشر والغواية . وقال ابن عيسى : وأصله التملس ، ومن شجرة مرداء ; أي ملساء تناثر ورقها ، وغلام أمرد لا نبات بوجهه وصرح ممرد مملس لا يعلق به شيء لملاسته والمارد الذي لا يعلق بشيء من الفضائل . البتك : الشق والقطع ، بتك يبتك ، وبتك للتكثير والبتك القطع واحدها بتكة . قال الشاعر :
حتى إذا ما هوت كف الوليد لها طارت وفي كفه من ريشها بتك
محيص : مفعل من حاص يحيص ، زاغ بنفور ، ومنه : فحاصوا حيصة حمر الوحش . وقول الشاعر :ولم ندر إن حصنا من الموت حيصة كم العمر باق والمدا متطاول
تحيص من حكم المنية جاهدا ما للرجال عن المنون محاص
قد تخللت مسلك الروح مني وبه سمي الخليل خليلا
وجاءت هذه الآيات عامة فاندرج أصحاب النازلة ، وهم [ ص: 349 ] قوم طعمة في ذلك العموم ، وهذا من باب الإيجاز والفصاحة ; لكون الماضي والمغاير تشملهما عبارة واحدة انتهى . وهذا الاستثناء منقطع ، إن كان النجوى مصدرا ، ويمكن اتصاله على حذف مضاف ; أي إلا نجوى من أمر ، وقاله أبو عبيدة . وإن كان النجوى المتناجين قيل : ويجوز في ( من ) الخفض من وجهين ؛ أن يكون تابعا لكثير ، أو تابعا للنجوى ، كما تقول : لا خير في جماعة من القوم إلا زيد ، إن شئت أتبعت زيدا الجماعة ، وإن شئت أتبعته القوم . ويجوز أن يكون ( من أمر ) مجرورا على البدل من ( كثير ) ; لأنه في حيز النفي ، أو على الصفة . وإذا كان منقطعا ؛ فالتقدير : لكن من أمر بصدقة ، فالخير في نجواه . ومعنى أمر : حث ، وحض . والصدقة تشمل الفرض والتطوع . والمعروف عام في كل بر . واختاره جماعة منهم : أبو سليمان الدمشقي ، وابن عطية . فيندرج تحته الصدقة والإصلاح . لكنهما جردا منه ، واختصا بالذكر اهتماما ; إذ هما عظيما الغذاء في مصالح العباد . وعطف بـ ( أو ) فجعلا كالقسم المعادل مبالغة في تجريدهما ، حتى صار القسم قسيما . وقيل المعروف الفرض . روي ذلك عن ابن عباس ومقاتل . وقيل إغاثة الملهوف . قال : ويجوز أن يراد بالصدقة الواجب وبالمعروف ما يتصدق به على سبيل التطوع ، انتهى . وفي الحديث الصحيح : الزمخشري . وحدث كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا من كان أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو ذكر الله تعالى بهذا الحديث أقواما ؛ فقال أحدهم : ما أشد هذا الحديث ، فقال : ألم تسمع : سفيان الثوري . وقال كل معروف صدقة ، وأن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق الحطيئة :
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
وقال الراغب : يقال لكل ما يستحسنه العقل ويعرفه معروف ، ولكل ما يستقبحه وينكره منكر . ووجه ذلك أنه تعالى ركز في العقول معرفة الخير والشر وإليه أشار بقوله : ( صبغة الله ) و ( فطرة الله ) ، وعلى ذلك ما اطمأنت إليه النفس لمعرفتها به ، انتهى . وهذه نزغة اعتزالية في أن العقل يحسن ويقبح . وقيل هذه الثلاثة تضمنت الأفعال الحسنة ، وبدأ بأكثرها نفعا ، وهو إيصال النفع إلى الغير ، ونبه بالمعروف على النوافل التي هي من الإحسان والتفضل والإصلاح بين الناس على سياستهم ، وما يؤدي إلى نظم شملهم ، انتهى . وقال عليه السلام : ، وخص ( من أمر ) بهذه الأشياء ، وفي ضمن ذلك أن الفاعل أكثر استحقاقا من الأمر ، وإذا كان الخير في نجوى الأمر به ، فلا يكون في من يفعله بطريق الأولى . ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة ، قيل بلى يا رسول الله ، قال : صلاح ذات البين
( ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) لما ذكر أن الخير في من أمر ذكر ثواب من فعل ، ويجوز أن يريد : ومن يأمر بذلك ؛ فيعبر بالفعل عن الأمر ، كما يعبر به عن سائر الأفعال . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة : يؤتيه بالياء والباقون بالنون على سبيل الالتفات ليناسب ما بعده من قوله : ( نوله ما تولى ونصله ) فيكون إسناد الثواب والعقاب إلى ضمير المتكلم العظيم ، وهو أبلغ من إسناده إلى ضمير الغائب . ومن قرأ بالياء لحظ الاسم الغائب في قوله : ابتغاء [ ص: 350 ] مرضاة الله ، وفي قوله : ابتغاء مرضاة الله دليل على أنه لا يجزئ من الأعمال إلا ما كان فيه رضا الله تعالى ، وخلوصه لله دون رياء ولا سمعة .
( ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ) نزلت في طعمة بن أبيرق لما فضحه الله بسرقته ، وبرأ اليهودي ارتد وذهب إلى مكة ، وتقدم ذلك موته وسببه . ومما قيل فيه : إنه ركب في سفينة ، فسرق منها مالا فعلم به ، فألقي في البحر . وقيل لما سرق الحجاج السلمي استحى الحجاج منه ; لأنه كان ضيفه فأطلقه ، فلحق بحيرة بني سليم ؛ فعبد صنما لهم ، ومات على الشرك . وقيل نزلت في قوم طعمة ؛ قدموا فأسلموا ، ثم ارتدوا . وتقدم معنى المشاقة في قوله : ( فإنما هم في شقاق ) ، ومن يشاقق : عام فيندرج فيه طعمة وغيره من المشاقين من بعد ما تبين له الهدى ; أي اتضح له الحق الذي هو سبب الهداية . ولو لم يكن إلا إخبار الله نبيه عليه السلام بقصة طعمة ، وإطلاعه إياه على ما بيتوه وزوروه ؛ لكان له في ذلك أعظم وازع وأوضح بيان ، وكان ذنب من يعرف الحق ويزيغ عنه أعظم من ذنب الجاهل ; لأن من لا يعرف الحق يستحق العقوبة لترك المعرفة ; لأن العمل لا يلزمه حتى يعرفه ، أو يعرفه من يصدقه . والعالم يستحق العقوبة بترك استعمال ما يقتضيه معرفته ؛ فهو أعظم جرما إذا اطلع على الحق ، وعمل بخلاف ما يقتضيه على سبيل العناد لله تعالى ; إذ جعل له نور يهتدي به . وسبيل المؤمنين : هو الدين الحنيفي الذي هم عليه . وهذه الجملة المعطوفة هي على سبيل التوكيد والتشنيع والا فمن يشاقق الرسول هو متبع غير سبيل المؤمنين ضرورة ؛ ولكنه بدأ بالأعظم في الإثم ، وأتبع بلازمه توكيدا .
واستدل وغيره بهذه الآية على أن الإجماع حجة . وقد طول أهل أصول الفقه في تقرير الدلالة منها ، وما يرد على ذلك ، وذلك مذكور في كتب أصول الفقه . وقال الشافعي : هو دليل على أن الزمخشري لا يجوز مخالفتها ، كما لا يجوز مخالفة الكتاب والسنة ; لأن الله تعالى جمع بين اتباع سبيل غير المؤمنين ، وبين مشاقة الرسول في الشرط ، وجعل جزاءه الوعيد الشديد ؛ فكان اتباعهم واجبا كموالاة الرسول ، انتهى كلامه . الإجماع حجة
وما ذكره ليس بظاهر الآية المرتب على وصفين اثنين لا يلزم منه أن يترتب على كل واحد منهما ؛ فالوعيد إنما ترتب في الآية على من اتصف بمشاقة الرسول ، واتباع سبيل غير المؤمنين ، ولذلك كان الفعل معطوفا على الفعل ، ولم يعد معه اسم شرط . فلو أعيد اسم الشرط ، وكأن يكون ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ، ومن يتبع غير سبيل المؤمنين ؛ لكان فيه ظهور ما على ما ادعوا ، وهذا كله على تسليم أن يكون قوله : ويتبع غير سبيل المؤمنين مغايرا لقوله : ومن يشاقق الرسول . وقد قلنا : إنه ليس بمغاير ؛ بل هو أمر لازم لمشاقة الرسول ؛ وذلك على سبيل المبالغة والتوكيد وتفظيع الأمر وتشنيعه . والآية بعد هذا كله هي وعيد الكفار ؛ فلا دلالة على جزئيات فروع مسائل الفقه . واستدل بهذه الآية [ ص: 351 ] على وجوب عصمة الرسول وعلى أن كل مجتهد يسقط عنه الإثم . ومعنى قوله : ما تولى قال ابن عطية : وعيد بأن يترك مع فاسد اختياره . وقال : يجعله بالياء ، وما تولى من الضلالة بأن تخذله ، وتخلي بينه وبين ما اختار ، انتهى . وهذا على منزعه الاعتزالي . وقرئ : ونصله بفتح النون من صلاه . وقرأ الزمخشري ابن أبي عيلة ( يوله ) ، و ( يصله ) بالياء فيهما جريا على قوله : فسوف يؤتيه بالياء ، وفي هاء نوله ونصله : الإشباع والاختلاس والإسكان ، وقرئ بها .