قوله تعالى : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين   ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما    . 
 [ ص: 170 ] قوله تعالى : وداود [ 21 \ 78 ] منصوب بـ " اذكر " مقدرا . وقيل : معطوف قوله : ونوحا إذ نادى من قبل    [ 21 ] أي : واذكر نوحا  إذا نادى من قبل وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث  الآية 
وقوله : إذ بدل من " داود  وسليمان    " بدل اشتمال كما أوضحنا في سورة " مريم " وذكرنا بعض المناقشة فيه ، وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولا ويكون في نفس الآية قرينة تدل على خلاف ذلك القول . وذكرنا في هذا الكتاب مسائل كثيرة من ذلك . فإذا علمت ذلك فاعلم أن جماعة من العلماء قالوا : إن حكم داود  وسليمان  في الحرث المذكور في هذه الآية كان بوحي ، إلا أن ما أوحي إلى سليمان  كان ناسخا لما أوحي إلى داود    . 
وفي الآية قرينتان على أن حكمهما كان باجتهاد لا بوحي ، وأن سليمان  أصاب فاستحق الثناء باجتهاده وإصابته ، وأن داود  لم يصب فاستحق الثناء باجتهاده ، ولم يستوجب لوما ولا ذما بعدم إصابته . كما أثنى على سليمان  بالإصابة في قوله : ففهمناها سليمان    [ 21 \ 79 ] وأثنى عليهما في قوله : وكلا آتينا حكما وعلما    [ 21 \ 78 ] فدل قوله : إذ يحكمان على أنهما حكما فيها معا كل منهما بحكم مخالف لحكم الآخر ، ولو كان وحيا لما ساغ الخلاف . ثم قال : ففهمناها سليمان  فدل ذلك على أنه لم يفهمها داود  ، ولو كان حكمه فيها بوحي لكان مفهما إياها كما ترى . فقوله : إذ يحكمان  مع قوله : ففهمناها سليمان  قرينة على أن الحكم لم يكن بوحي بل باجتهاد ، وأصاب فيه سليمان  دون داود  بتفهيم الله إياه ذلك . 
والقرينة الثانية هي أن قوله تعالى : ففهمناها يدل على أنه فهمه إياها من نصوص ما كان عندهم من الشرع . لا أنه أنزل عليه فيها وحيا جديدا ناسخا ؛ لأن قوله تعالى : ففهمناها أليق بالأول من الثاني كما ترى . 
				
						
						
