المواطن جمع موطن ، ومواطن الحرب : مقاماتها ، والمواطن التي نصر الله المسلمين فيها هي يوم بدر وما بعده من المواطن التي نصر الله المسلمين على الكفار فيها قبل يوم حنين ، ويوم حنين معطوف على مواطن بتقدير مضاف : إما في الأول وتقديره في أيام مواطن ، أو في الثاني وتقديره وموطن يوم حنين ، لئلا يعطف الزمان على المكان .
ورد بأنه لا استبعاد في عطف الزمان على المكان فلا يحتاج إلى تقدير; وقيل : إن " يوم حنين " منصوب بفعل مقدر معطوف على " نصركم " أي : ونصركم يوم حنين ، ورجح هذا صاحب الكشاف ، قال : وموجب ذلك أن قوله : " إذ أعجبتكم " بدل من " يوم حنين " فلو جعلت ناصبة هذا الظاهر لم يصح ؛ لأن كثرتهم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن ، ولم يكونوا كثيرا في جميعها .
ورد بأن العطف لا يجب فيه تشارك المتعاطفين في جميع ما ثبت للمعطوف ، كما تقول : جاءني [ ص: 564 ] زيد وعمرو مع قومه ، أو في ثيابه أو على فرسه ، وقيل : إن إذ أعجبتكم كثرتكم ليس ببدل من " يوم حنين " ، بل منصوب بفعل مقدر : أي اذكروا إذ أعجبتكم كثرتكم ، وحنين : واد بين مكة والطائف ، وانصرف على أنه اسم للمكان ، ومن العرب من يمنعه على أنه اسم للبقعة ، ومنه قول الشاعر :
نصروا نبيهم وشدوا أزره بحنين يوم تواكل الأبطال
وإنما أعجب من أعجب من المسلمين بكثرتهم لأنهم كانوا اثني عشر ألفا ، وقيل : أحد عشر ألفا ، وقيل : ستة عشر ألفا ، فقال بعضهم : " لن نغلب اليوم من قلة ، فوكلوا إلى هذه الكلمة فلم تغن الكثرة شيئا عنهم ، بل انهزموا وثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثبت معه طائفة يسيرة منهم عمه العباس ، ثم تراجع المسلمون فكان النصر والظفر . وأبو سفيان بن الحارث ،
والإغناء : إعطاء ما يدفع الحاجة : أي لم تعطكم الكثرة شيئا يدفع حاجتكم ولم تفدكم .
قوله : " بما رحبت " الرحب بضم الراء : السعة ، والرحب بفتح الراء : المكان الواسع ، والباء بمعنى مع ، و " ما " مصدرية ، ومحل الجار والمجرور النصب على الحال .
والمعنى : أن الأرض مع كونها واسعة الأطراف ضاقت عليهم بسبب ما حل بهم من الخوف والوجل ، وقيل : إن الباء بمعنى على : أي على رحبها ثم وليتم مدبرين أي انهزمتم حال كونكم مدبرين : أي مولين أدباركم جاعلين لها إلى جهة عدوكم .
قوله : ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين : هم الذين لم ينهزموا ، وقيل : الذين انهزموا ، والظاهر جميع من حضر منهم لأنهم ثبتوا بعد ذلك وقاتلوا وانتصروا .
قوله : وأنزل جنودا لم تروها هم الملائكة .
وقد اختلف في عددهم على أقوال : قيل : خمسة آلاف ، وقيل : ثمانية آلاف ، وقيل : ستة عشر ألفا ، وقيل : غير ذلك ، وهذا لا يعرف إلا من طريق النبوة .
واختلفوا أيضا وقد تقدم أن الملائكة لم تقاتل إلا يوم هل قاتلت الملائكة في هذا اليوم أم لا ؟ بدر ، وأنهم إنما حضروا في غير بدر لتقوية قلوب المؤمنين ، وإدخال الرعب في قلوب المشركين . وعذب الذين كفروا بما وقع عليهم من القتل والأسر وأخذ الأموال وسبي الذرية ، والإشارة بقوله : " وذلك " إلى التعذيب المفهوم من " عذب " ، وسمي ما حل بهم من العذاب في هذا اليوم جزاء مع أنه غير كاف بل لا بد من عذاب الآخرة مبالغة في وصف ما وقع عليهم وتعظيما له .
ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء أي من بعد هذا التعذيب على من يشاء ممن هداه منهم إلى الإسلام . " والله غفور " يغفر لمن أذنب فتاب . " رحيم " بعباده يتفضل عليهم بالمغفرة لما اقترفوه .
وقد أخرج ، ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن قتادة قال : حنين ما بين مكة والطائف ، قاتل نبي الله هوازن وثقيفا ، وعلى هوازن مالك بن عوف ، وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي .
وأخرج ابن المنذر ، عن الحسن قال : لما اجتمع أهل مكة وأهل المدينة قالوا : الآن نقاتل حين اجتمعنا ، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قالوا وما أعجبهم من كثرتهم ، فالتقوا فهزموا حتى ما يقوم أحد منهم على أحد حتى جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينادي أحياء العرب : إلي إلي ، فوالله ما يعرج عليه أحد حتى أعرى موضعه ، فالتفت إلى الأنصار وهم ناحية فناداهم : يا أنصار الله وأنصار رسوله ، إلي عباد الله أنا رسول الله ، فجثوا يبكون وقالوا : يا رسول الله ورب الكعبة إليك والله ، فنكسوا رؤوسهم يبكون وقدموا أسيافهم يضربون بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى فتح الله عليهم .
وأخرج البيهقي في الدلائل ، عن الربيع أن رجلا قال يوم حنين : لن نغلب من قلة ، فشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله : ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم قال الربيع : وكانوا اثني عشر ألفا ، منهم ألفان من أهل مكة .
وأخرج ، الطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم ، والبيهقي في الدلائل ، عن قال : ابن مسعود حنين ، فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار ، فكنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر ، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء يمضي قدما ، فقال : ناولني كفا من تراب ، فناولته فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا ، وولى المشركون أدبارهم ، ووقعة كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين مذكورة في كتب السير والحديث بطولها وتفاصيلها فلا نطول بذلك .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم في قوله : السدي ، وأنزل جنودا لم تروها قال : هم الملائكة وعذب الذين كفروا قال : قتلهم بالسيف .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم قال : في يوم سعيد بن جبير ، حنين أمد الله رسوله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ، ويومئذ سمى الله الأنصار مؤمنين قال : فأنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين .
وأخرج ، ابن إسحاق وابن المنذر ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، عن قال : رأيت قبل هزيمة القوم ، والناس يقتتلون ، مثل النجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم ، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي ، لم أشك أنها الملائكة ، ولم تكن إلا هزيمة القوم . جبير بن مطعم