النجس : مصدر لا يثنى ولا يجمع ، يقال : رجل نجس ، وامرأة نجس ، ورجلان نجس ، وامرأتان نجس ، ورجال نجس ، ونساء نجس ، ويقال : نجس ونجس بكسر الجيم وضمها; ويقال : نجس بكسر النون وسكون الجيم وهو تخفيف من [ ص: 565 ] المحرك ، قيل : لا تستعمل إلا إذا قيل : معه رجس ، وقيل : ذلك أكثري لا كلي .
والمشركون مبتدأ ، وخبره المصدر مبالغة في وصفهم بذلك حتى كأنهم عين النجاسة ، أو على تقدير مضاف : أي ذوو نجس ؛ لأن معهم الشرك وهو بمنزلة النجس .
وقال قتادة ، ، ومعمر وغيرهما ، : إنهم وصفوا بذلك لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يتجنبون النجاسات .
وقد استدل بالآية من قال بأن كما ذهب إليه بعض المشرك نجس الذات الظاهرية والزيدية ، وروي ، عن وهو محكي ، عن الحسن البصري . ابن عباس
وذهب الجمهور من السلف والخلف ومنهم أهل المذاهب الأربعة إلى أن الكافر ليس بنجس الذات ؛ لأن الله - سبحانه - أحل طعامهم ، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك من فعله وقوله ما يفيد عدم نجاسة ذواتهم ، فأكل في آنيتهم ، وشرب منها ، وتوضأ فيها ، وأنزلهم في مسجده .
قوله : فلا يقربوا المسجد الحرام الفاء للتفريع ، فعدم قربانهم للمسجد الحرام متفرع على نجاستهم .
والمراد بالمسجد الحرام جميع الحرم ، روي ذلك ، عن عطاء ، فيمنعون عنده من جميع الحرم ، وذهب غيره من أهل العلم إلى أن المراد المسجد الحرام نفسه فلا يمنع المشرك من دخول سائر الحرم .
وقد اختلف أهل العلم في المسجد الحرام من المساجد ، فذهب أهل دخول المشرك غير المدينة إلى منع كل مشرك عن كل مسجد .
وقال : الآية عامة في سائر المشركين ، خاصة في الشافعي المسجد الحرام ، فلا يمنعون من دخول غيره من المساجد .
قال ابن العربي : وهذا جمود منه على الظاهر ؛ لأن قوله - تعالى - : إنما المشركون نجس ، تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة ، ويجاب عنه بأن هذا القياس مردود بربطه - صلى الله عليه وسلم - لثمامة بن أثال في مسجده ، وإنزال وفد ثقيف فيه .
وروي ، عن أبي حنيفة مثل قول وزاد أنه يجوز دخول الذمي سائر المساجد من غير حاجة ، وقيده الشافعي ، بالحاجة ، وقال الشافعي قتادة : إنه يجوز ذلك للذمي دون المشرك .
وروي ، عن أبي حنيفة أيضا أنه يجوز لهم دخول الحرم والمسجد الحرام وسائر المساجد . ونهي المشركين عن أن يقربوا المسجد الحرام هو نهي للمسلمين عن أن يمكنوهم من ذلك ، فهو من باب قولهم : لا أرينك هاهنا .
قوله : بعد عامهم هذا فيه قولان : أحدهما : أنه سنة تسع ، وهي التي حج فيها أبو بكر على الموسم .
الثاني : أنه سنة عشر قاله قتادة ، قال ابن العربي : وهو الصحيح الذي يعطيه مقتضى اللفظ ، ومن العجب أن يقال إنه سنة تسع ، وهو العام الذي وقع فيه الأذان ، ولو دخل غلام رجل داره يوما فقال له مولاه : لا تدخل هذه الدار بعد يومك لم يكن المراد اليوم الذي دخل فيه . انتهى .
ويجاب عنه بأن الذي يعطيه مقتضى اللفظ هو خلاف ما زعمه ، فإن الإشارة بقوله : بعد عامهم هذا إلى العام المذكور قبل اسم الإشارة وهو عام النداء ، وهكذا في المثال الذي ذكره ، المراد النهي عن دخولها بعد يوم الدخول الذي وقع فيه الخطاب ، والأمر ظاهر لا يخفى ، ولعله أراد تفسير ما بعد المضاف إلى عامهم ولا شك أنه عام عشر ، وأما تفسير العام المشار إليه بهذا ، فلا شك ولا ريب أنه عام تسع ، وعلى هذا يحمل قول قتادة ، .
وقد استدل من قال بأنه يجوز للمشركين دخول المسجد الحرام وغيره من المساجد بهذا القيد ، أعني قوله : بعد عامهم هذا قائلا إن النهي مختص بوقت الحج والعمرة ، فهم ممنوعون عن الحج والعمرة فقط لا عن مطلق الدخول .
ويجاب عنه بأن ظاهر النهي عن القربان بعد هذا العام يفيد المنع من القربان في كل وقت من الأوقات الكائنة بعده ، وتخصيص بعضها بالجواز يحتاج إلى مخصص .
قوله : وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله العيلة الفقر ، يقال : عال الرجل يعيل : إذا افتقر ، قال الشاعر :
وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل
وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود " عايلة " وهو مصدر كالقايلة والعافية والعاقبة; وقيل : معناه : خصلة شاقة ، يقال : عالني الأمر يعولني : أي شق علي واشتد .
وحكى الطبري أنه يقال عال يعول : إذا افتقر ، وكان المسلمون لما منعوا المشركين من الموسم وهم كانوا يجلبون إليه الأطعمة والتجارات ، قذف الشيطان في قلوبهم الخوف من الفقر وقالوا : من أين نعيش ؟ فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله . ابن جرير
قال الضحاك ، : ففتح الله عليهم باب الجزية من أهل الذمة بقوله : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية .
وقال عكرمة : أغناهم بإدرار المطر والنبات وخصب الأرض ، وأسلمت العرب فحملوا إلى مكة ما أغناهم الله به .
وقيل : أغناهم بالفيء ، وفائدة التقييد بالمشيئة التعليم للعباد بأن يقولوا ذلك في كل ما يتكلمون به ، مما له تعلق بالزمن المستقبل ، ولئلا يفتروا عن الدعاء والتضرع إن الله عليم بأحوالكم حكيم في إعطائه ومنعه ، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .
قوله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية ، فيه الأمر بقتال من جمع بين هذه الأوصاف .
قال : إن قوله " قاتلوا " أمر بالعقوبة ، ثم قال : أبو الوفاء بن عقيل الذين لا يؤمنون بالله فبين الذنب الذي توجبه العقوبة ، ثم قال : ولا باليوم الآخر فأكد الذنب في جانب الاعتقاد ، ثم قال : ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله فيه زيادة للذنب في مخالفة الأعمال ، ثم قال : ولا يدينون دين الحق فيه إشارة إلى تأكيد المعصية بالانحراف والمعاندة والأنفة عن الاستسلام ، ثم قال : من الذين أوتوا الكتاب تأكيد للحجة عليهم لأنهم كانوا يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، ثم قال : حتى يعطوا الجزية فبين الغاية التي تمتد إليها العقوبة انتهى .
قوله : من الذين أوتوا الكتاب بيان للموصول مع ما في حيزه وهم أهل التوراة والإنجيل .
قوله : حتى يعطوا الجزية عن يد وزنها فعلة من جزى يجزي : إذا كافأ عما أسدي إليه ، فكأنهم أعطوها جزاء عما منحوا من الأمن ، وقيل : سميت جزية لأنها طائفة مما على أهل الذمة أن يجزوه : أي يقضوه ، [ ص: 566 ] وهي في الشرع ما يعطيه المعاهد على عهده ، و " عن يد " في محل نصب على الحال . الجزية
والمعنى : عن يد مواتية غير ممتنعة وقيل : معناه : يعطونها بأيديهم غير مستنيبين فيها أحدا ، وقيل : معناه : نقد غير نسيئة ، وقيل : عن قهر; وقيل : معناه : عن إنعام منكم عليهم ؛ لأن أخذها منهم نوع من أنواع الإنعام عليهم ، وقيل : معناه : مذمومون .
وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم ، الشافعي ، وأحمد ، ، وأبو حنيفة وأصحابه ، ، والثوري ، إلى أنها لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب . وأبو ثور ،
وقال ، الأوزاعي ومالك : إن ، ويدخل في أهل الكتاب على القول الأول المجوس . الجزية تؤخذ من جميع أجناس الكفرة كائنا من كان
قال ابن المنذر : لا أعلم خلافا في أن الجزية تؤخذ منهم .
وقد اختلف أهل العلم في ، فقال مقدار الجزية عطاء : لا مقدار لها ، وإنما تؤخذ على ما صولحوا عليه ، وبه قال ، يحيى بن آدم وأبو عبيد ، إلا أنه قال : أقلها دينار وأكثرها لا حد له . وابن جرير
وقال : دينار على الغني والفقير من الأحرار البالغين لا ينقص منه شيء ، وبه قال الشافعي . أبو ثور
قال : وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز ، وإذا زادوا وطابت بذلك أنفسهم قبل منهم . الشافعي
وقال مالك : إنها ، الغني والفقير سواء ، ولو كان مجوسيا لا يزيد ولا ينقص . أربعة دنانير على أهل الذهب ، وأربعون درهما على أهل الورق
وقال أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن الحسن ، : اثنا عشر ، وأربعة وعشرون ، وثمانية وأربعون . وأحمد بن حنبل
والكلام في الجزية مقرر في مواطنه ، والحق من هذه الأقوال قد قررناه في شرحنا للمنتقى وغيره من مؤلفاتنا .
قوله : وهم صاغرون في محل نصب على الحال ، والصغار الذل .
والمعنى : إن الذمي يعطي الجزية حال كونه صاغرا ، قيل : وهو أن يأتي بها بنفسه ماشيا غير راكب ويسلمها وهو قائم ، والمتسلم قاعد .
وبالجملة ينبغي للقابض للجزية أن يجعل المسلم لها حال قبضها صاغرا ذليلا .
وقد أخرج عبد الرزاق ، ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن في قوله : جابر بن عبد الله إنما المشركون نجس الآية قال : إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الذمة ، وقد روي مرفوعا من وجه آخر .
أخرجه ، ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : . لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمكم
قال ابن كثير : تفرد به أحمد ، مرفوعا ، والموقوف أصح .
وأخرج ، سعيد بن منصور وابن المنذر ، ، عن وابن أبي حاتم قال : كان المشركون يجيئون إلى البيت ويجيئون معهم بالطعام يتجرون به ، فلما نهوا عن أن يأتوا البيت ، قال المسلمون : فمن أين لنا الطعام ؟ فأنزل الله : ابن عباس ، وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء قال : فأنزل الله عليهم المطر ، وكثر خيرهم حيث ذهب المشركون عنهم .
وأخرج ابن مردويه ، عنه قال : فأغناهم الله من فضله ، وأمرهم بقتال أهل الكتاب .
وأخرج ، عبد بن حميد وابن المنذر ، ، عن وابن أبي حاتم عكرمة في قوله : وإن خفتم عيلة قال : الفاقة .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم في قوله : سعيد بن جبير ، فسوف يغنيكم الله من فضله قال : بالجزية .
وأخرج ، ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن الضحاك ، مثله .
وأخرج نحوه عبد الرزاق ، عن قتادة .
وأخرج أبو الشيخ ، عن الحسن في قوله : إنما المشركون نجس قال : قذر .
وأخرج أبو الشيخ عنه أيضا قال : من صافحهم فليتوضأ .
وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ابن عباس ، من صافح مشركا فليتوضأ أو ليغسل كفيه .
وأخرج ، ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، والبيهقي في سننه ، عن مجاهد في قوله : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله قال : نزلت هذه الآية حين أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بغزوة تبوك .
وأخرج ابن المنذر ، عن قال : نزلت في كفار ابن شهاب قريش والعرب وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة وأنزلت في أهل الكتاب قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية إلى قوله : حتى يعطوا الجزية فكان أهل نجران . أول من أعطى الجزية
وأخرج ، ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن في قوله : سعيد بن جبير ، قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله يعني : الذين لا يصدقون بتوحيد الله ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله يعني الخمر والحرير ولا يدينون دين الحق ، يعني : دين الإسلام من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون يعني : مذللون .
وأخرج ، ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله : عن يد قال : عن قهر .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم في قوله : عن يد قال : من يده ولا يبعث بها غيره . سفيان بن عيينة
وأخرج ، ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن أبي سنان في قوله : عن يد قال : عن قدرة .
وأخرج ابن المنذر ، عن في قوله : ابن عباس ، وهم صاغرون قال : يمشون بها متلتلين .
وأخرج عنه قال : يلكزون . ابن أبي حاتم
وأخرج ابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن سلمان في الآية قال : غير محمودين .