إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا أي فرقناه في الإنزال ولم ننزله جملة واحدة . قوله :
وقيل المعنى : نزلناه عليك ولم تأت به من عندك كما يدعيه المشركون .
فاصبر لحكم ربك أي لقضائه ، ومن حكمه وقضائه تأخير نصرك إلى أجل اقتضته حكمته .
قيل وهذا منسوخ بآية السيف ولا تطع منهم آثما أو كفورا أي لا تطع كل واحد من مرتكب لإثم وغال في كفر ، فنهاه الله سبحانه عن ذلك .
قال : إن الألف هنا آكد من الواو وحدها لأنك إذا قلت : لا تطع زيدا وعمرا ، فأطاع أحدهما كان غير عاص ؛ لأنه أمره أن لا يطيع الاثنين ، فإذا قال : لا تطع منهم آثما أو كفورا دل ذلك على أن كل واحد منهما أهل أن يعصى ، كما أنك إذا قلت : لا تخالف الزجاج الحسن أو فقد قلت إنهما أهل أن يتبعا ، وكل واحد منهما أهل أن يتبع . ابن سيرين ،
وقال الفراء " أو " هنا بمنزلة ( لا ) ، كأنه قال : ولا كفورا .
وقيل المراد بقوله : آثما عتبة بن ربيعة ، وبقوله : أو كفورا الوليد بن المغيرة ، لأنهما قالا للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع عن هذا الأمر ونحن نرضيك بالمال والتزويج .
واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا أي دم على ذكره في جميع الأوقات .
وقيل المعنى : صل لربك أول النهار وآخره ، فأول النهار صلاة الصبح ، وآخره صلاة العصر .
ومن الليل فاسجد له أي صل المغرب والعشاء .
وقيل المراد الصلاة في بعضه من غير تعيين ، ومن للتبعيض على كل تقدير وسبحه ليلا طويلا أي نزهه عما لا يليق به ، فيكون المراد الذكر بالتسبيح سواء كان في الصلاة أو في غيرها .
وقيل المراد التطوع في الليل .
قال ابن زيد وغيره : إن هذه الآية منسوخة بالصلوات الخمس .
وقيل الأمر للندب .
وقيل هو مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم .
إن هؤلاء يحبون العاجلة يعني كفار مكة ومن هو موافق لهم .
والمعنى : أنهم يحبون الدار العاجلة ، وهي دار الدنيا ويذرون وراءهم يوما ثقيلا أي يتركون ويدعون وراءهم : أي خلفهم أو بين أيديهم وأمامهم يوما شديدا عسيرا ، وهو يوم القيامة ، وسمي ثقيلا لما فيه من الشدائد والأهوال .
ومعنى كونهم يذرونه وراءهم : أنهم لا يستعدون له ولا يعبئون به ، فهم كمن ينبذ الشيء وراء ظهره تهاونا به واستخفافا بشأنه ، وإن كانوا في الحقيقة مستقبلين له وهو أمامهم .
نحن خلقناهم أي ابتدأنا خلقهم من تراب ، ثم من نطفة ثم من علقة ، ثم من مضغة إلى أن كمل خلقهم ، ولم يكن لغيرنا في ذلك عمل ولا سعي لا اشتراكا ولا استقلالا وشددنا أسرهم الأسر : شدة الخلق ، يقال شد الله أسر فلان : أي قوى خلقه .
قال مجاهد ، وقتادة ، ومقاتل وغيرهم : شددنا خلقهم .
قال الحسن : شددنا أوصالهم بعضا إلى بعض بالعروق والعصب .
قال أبو عبيد : يقال فرس شديد الأسر : أي الخلق .
قال لبيد :
ساهم الوجه شديد أسره مشرف الحارك محبوك القتد
وقال الأخطل :من كل مجتنب شديد أسره سلس القياد تخاله مختالا
ومنه قول يصف فرسا : ابن أحمر
يمشي بأوطفة شداد أسرها شم السبائك لا تفي بالجدجد
وقيل : المعنى : مسخناهم إلى أسمج صورة وأقبح خلقة .
إن هذه تذكرة يعني إن هذه السورة تذكير وموعظة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا أي طريقا يتوسل به إليه ، وذلك بالإيمان والطاعة .
والمراد إلى ثوابه أو إلى جنته .
وما تشاءون إلا أن يشاء الله أي وما تشاءون أن تتخذوا إلى الله سبيلا إلا أن يشاء الله ، فالأمر إليه سبحانه ليس إليهم ، والخير والشر بيده ، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ؛ فمشيئة العبد مجردة لا [ ص: 1569 ] تأتي بخير ولا تدفع شرا ، وإن كان يثاب على المشيئة الصالحة ، ويؤجر على قصد الخير كما في حديث . إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى
قال أي لستم تشاءون إلا بمشيئة الله الزجاج إن الله كان عليما حكيما في أمره ونهيه : أي بليغ العلم والحكمة .
يدخل من يشاء في رحمته أي يدخل في رحمته من يشاء أن يدخله فيها ، أو يدخل في جنته من يشاء من عباده .
قال عطاء : من صدقت نيته أدخله جنته والظالمين أعد لهم عذابا أليما انتصاب ( الظالمين ) بفعل مقدر يدل عليه ما قبله : أي يعذب الظالمين ، نصب ( الظالمين ) لأن ما قبله منصوب أي يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين : أي المشركين ، ويكون أعد لهم تفسيرا لهذا المضمر ، والاختيار النصب وإن جاز الرفع ، وبالنصب قرأ الجمهور .
وقرأ بالرفع على الابتداء ، ووجهه أنه لم يكن بعده فعل يقع عليه . أبان بن عثمان
وقد أخرج عن ابن جرير ابن عباس وشددنا أسرهم قال : خلقهم .
وأخرج عن ابن جرير أبي هريرة وشددنا أسرهم قال هي المفاصل .