قال  أبو عمر     : إلى هذا نزع من أصحابنا من  زعم أن مرسل الإمام أولى من مسنده      ; لأن في هذا الخبر ما يدل على أن مراسيل   إبراهيم النخعي  أقوى من مسانيده ، وهو لعمري كذلك ، إلا أن  إبراهيم  ليس بعيار على غيره .  
أخبرنا  أبو إسحاق إبراهيم بن شاكر  ، قال : حدثنا  محمد بن يحيى بن عبد العزيز  ، قال : حدثنا  أسلم بن عبد العزيز  ، قال : حدثنا  الربيع بن سليمان  ، قال : حدثنا   الشافعي  رحمه الله ، قال : حدثنا عمي  محمد بن علي بن شافع  ، قال :  حدثنا   هشام بن عروة  ، عن أبيه   عروة بن الزبير  ، قال : إني لأسمع الحديث أستحسنه فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أن يسمعه سامع فيقتدي به ، وذلك أني أسمعه من الرجل لا أثق به قد حدث به عمن أثق به ، أو أسمعه من رجل أثق به قد حدث به عمن لا أثق به فلا أحدث به .  
 [ ص: 39 ] قال  أبو عمر     : هذا فعل أهل الورع والدين ، كيف ترى في مرسل   عروة بن الزبير  ، وقد صح عنه ما ذكرنا ؟ أليس قد كفاك المؤنة ؟ ولو كان الناس على هذا المذهب كلهم لم يحتج إلى شيء مما نحن فيه .  
وفي خبر   عروة  هذا دليل على أن ذلك الزمان كان يحدث فيه الثقة وغير الثقة ، فمن بحث وانتقد كان إماما ، ولهذا شرطنا في المرسل والمقطوع إمامة مرسله ، وانتقاده لمن يأخذ عنه ، وموضعه من الدين ، والورع ، والفهم ، والعلم .  
حدثنا  إسماعيل بن عبد الرحمن  ، حدثنا  إبراهيم بن بكر بن عمران  ، حدثنا  محمد بن الحسين بن أحمد الأزدي  الحافط ، قال : حدثنا  علي بن إبراهيم  ، قال : حدثنا  الربيع بن سليمان  ، قال : حدثنا   الشافعي  ، قال : أخبرني عمي  محمد بن علي بن شافع  ، قال : حدثني   هشام بن عروة  ، عن أبيه   عروة بن الزبير  ، قال : إني لأسمع الحديث أستحسنه ، فذكر كلام   عروة  كما تقدم حرفا بحرف إلى آخره إلا أنه قال في آخره : فأدعه لا أحدث به ، وزاد قال   الشافعي     : كان   ابن سيرين  ،   وإبراهيم النخعي  ،   وطاوس  ، وغير واحد من التابعين يذهبون إلى أن لا يقبلوا الحديث إلا عن ثقة يعرف ما يروي ، ويحفظ ، وما رأيت أحدا من أهل الحديث يخالف هذا المذهب .  
 [ ص: 40 ] قال  أبو عمر     : ما أظن قول   عروة  هذا إلا مأخوذا من قوله صلى الله عليه وسلم  من روى عني حديثا يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين     .  
وذلك أن كل من حدث بكل ما سمع من ثقة وغير ثقة لم يؤمن عليه أن يحدث بالكذب ، والله أعلم .  
حدثني  أحمد بن قاسم  ،  وسعيد بن نصر  ، قالا : حدثنا   قاسم بن أصبغ  ، قال : حدثنا  محمد بن إسماعيل أبو إسماعيل الترمذي  ، قال : حدثنا   نعيم بن حماد  ، قال : حدثنا   ابن المبارك  ، قال : سمعت  يحيى بن عبيد الله  ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت   أبا هريرة  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع  قال   ابن المبارك     : وأخبرنا   إسماعيل بن أبي خالد  ، عن   قيس بن أبي حازم  ، قال :  سمعت   أبا بكر الصديق  يقول : إياكم والكذب فإنه مجانب الإيمان     .  
وروينا عن   الثوري  ، قال :  قال   حبيب بن أبي ثابت     : الذي يروي الكذب هو الكذاب     .  
حدثنا   عبد الوارث بن سفيان  ، قال : حدثنا   قاسم بن أصبغ  ، قال : حدثنا  بكر بن حماد  ، قال : حدثنا   مسدد  ، قال : حدثنا   يحيى القطان  ، وأخبرنا      [ ص: 41 ]  عبد الوارث بن سفيان  ، قال : حدثنا   قاسم بن أصبغ  ، قال : حدثنا  أبو علي الحسن بن سلام السويقي  ، قال : حدثنا   عفان بن مسلم  ، قالا : حدثنا   شعبة  ، عن  الحكم  ، عن   عبد الرحمن بن أبي ليلى  ، عن   سمرة بن جندب  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين     .  
قال  أبو عمر     : عن   شعبة  في هذا إسناد آخر : أخبرنا   عبد الوارث بن سفيان  ، قال : حدثنا   قاسم بن أصبغ  ، قال : حدثنا  أبو علي الحسن بن أحمد بن سلام السويقي  ، قال : حدثنا   عفان بن مسلم  ،   وعلي بن الجعد  ، قالا : حدثنا   شعبة  ، عن   حبيب بن أبي ثابت  ، عن  ميمون بن أبي شبيب  ، عن   المغيرة بن شعبة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :  من حدث عني بحديث ، وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين  ورواه   الثوري  عن  حبيب  بإسناده مثله .  
حدثنا  عبد الوارث  ، قال : حدثنا  قاسم  ، قال : حدثنا  أحمد بن زهير  ، قال : حدثنا  أبو نعيم  ، قال : حدثنا سفيان ، عن   حبيب بن أبي ثابت  ، عن  ميمون بن أبي شبيب  ، عن   المغيرة بن شعبة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره .  
 [ ص: 42 ] حدثنا  أحمد بن عبد الله بن محمد  ، قال : حدثنا  الميمون بن حمزة الحسني  ، قال : حدثنا   أبو جعفر الطحاوي  ، قال : حدثنا   المزني  ، وحدثنا  عبد الله بن محمد بن يوسف  ، قال : حدثنا  سليمان بن أيوب  ، قال : حدثنا  أسلم بن عبد العزيز  ، قال : حدثنا  الربيع بن سليمان  ، قالا : حدثنا   الشافعي  ، قال : حدثنا   سفيان بن عيينة  ، عن  محمد بن عمرو  ، عن  أبي سلمة  ، عن   أبي هريرة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  حدثوا عن  بني إسرائيل   ولا حرج ، وحدثوا عني ولا تكذبوا علي     .  
قال   الشافعي  رحمه الله : هذا أشد حديث روي في تخريج الرواية عمن لا يوثق بخبره ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه صلى الله عليه وسلم معلوم منه أنه لا يبيح اختلاق الكذب على  بني إسرائيل ،   ولا على غيرهم ، فلما فرق بين الحديث عن  بني إسرائيل ،   وبين الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحتمل إلا أنه أباح الحديث عن  بني إسرائيل   عن كل أحد      [ ص: 43 ] وأنه من سمع منهم شيئا جاز له أن يحدث به عن كل من سمعه منه كائنا من كان ، وأن يخبر عنهم بما بلغه ؛ لأنه والله أعلم ليس في الحديث عنهم ما يقدح في الشريعة ، ولا يوجب فيها حكما ، وقد كانت فيهم الأعاجيب ، فهي التي يحدث بها عنهم ، لا شيء من أمور الديانة ، وهذا الوجه المباح ، عن  بني إسرائيل   هو المحظور عنه - صلى الله عليه وسلم - فلا ينبغي لأحد أن يحدث عنه - صلى الله عليه وسلم - إلا عمن يثق بخبره ، ويرضى دينه وأمانته ; لأنها ديانة .  
أخبرنا   عبد الوارث بن سفيان  ،  وسعيد بن نصر  ، قالا : حدثنا   قاسم بن أصبغ  ، قال : حدثنا  محمد بن إسماعيل الترمذي  ، قال : حدثنا   محمد بن عبد الله الأنصاري  ، قال : حدثنا   سليمان التيمي  ، عن   أنس بن مالك  ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار     .  
أخبرنا   محمد بن عبد الملك  ، قال : أخبرنا   ابن الأعرابي ،  قال : حدثنا   سعدان بن نصر  ، قال : حدثنا  سفيان  ، عن  هشام بن حجير  ،  عن   طاوس  ، قال : كنت عند   ابن عباس  ،   وبشير بن كعب العدوي  يحدثه ; فقال   ابن عباس     : عد لحديث كذا وكذا ، فعاد له ، ثم إنه حدث ، فقال له   ابن عباس     : عد لحديث كذا وكذا ، فعاد له ، ثم إنه حدث فقال له  بشير     : ما لك تسألني عن هذا الحديث من بين حديثي كله ؟ أأنكرت حديثي كله وعرفت هذا ؟ أو عرفت حديثي كله وأنكرت هذا ؟ فقال له   ابن عباس     : إنا كنا نحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ لم يكن يكذب عليه ، فلما ركب الناس الصعب ، والذلول      [ ص: 44 ] تركنا الحديث عنه     .  
وفي هذا الحديث دليل على أن  الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -   قد كان أحس به   ابن عباس  في عصره .  
وقال رجل   لابن المبارك     : هل يمكن أن يكذب أحد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فانتهره ، وقال : وما ذا من الكذب     .  
وقال   حماد بن زيد     : وضعت الزنادقة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثني عشر ألف حديث بثوها في الناس     .  
				
						
						
