[ ] : الدلالة على الأحق وترك التحديث عنده
( وأن من سيل ) بكسر المهملة وتخفيف الهمزة للضرورة ، أن يحدث ( بجزء ) أو كتاب أو نحوهما ، ( قد عرف [ ص: 237 ] رجحان راو ) من أهل عصره ببلده أو غيرها ، ( فيه ) إما لكونه أعلى أو متصل السماع بالنسبة إليه ، أو غيرهما من الترجيحات ، ولو بالعلم والضبط ، فضلا عن أن يكون شيخه فيه حيا ، ( دل ) السائل له عليه ، وأرشده إليه ليأخذه عنه ، أو يستدعي منه الإجازة إن كان في غير بلده ، ولم تمكنه الرحلة إليه .
( فهو ) أي التنبيه بالدلالة على ذلك ( حق ) ونصيحة في العلم ، لكون الراجح به أحق ، وقد فعله غير واحد من الصحابة والأئمة .
قال : سألت شريح بن هانئ عائشة رضي الله عنها عن المسح ، يعني على الخفين ، فقالت : ائت عليا ، فإنه أعلم بذلك مني .
وقال : جلست إلى ابن شهاب ثعلبة بن أبي صعير فقال لي : أراك تحب العلم ؟ قلت : نعم . قال : فعليك بذاك الشيخ ، يعني . قال : فلزمت سعيد بن المسيب سعيدا سبع سنين ، ثم تحولت من عنده إلى عروة فتفجرت منه بحرا .
وقال : ذهبنا إلى حمدان بن علي الوراق أحمد فسألناه أن يحدثنا ، فقال : تسمعون مني ومثل أبي عاصم في الحياة . أخرجهما الخطيب ، ونحوه ما عنده في ( الرحلة ) له عن الفضل بن زياد قال : سمعت أحمد وقال له رجل : عمن ترى أن يكتب الحديث ؟ فقال له : اخرج إلى أحمد بن يونس فإنه شيخ الإسلام . في آخرين من السلف والخلف منهم فإنه دل عمرو بن دينار وغيره من أصحابه المكيين على السماع من سفيان بن عيينة حين قدمها عليهم ، [ ص: 238 ] كما وقعت الإشارة لذلك في الحج من ( صحيح صالح بن كيسان المدني ) هذا بعد لقي البخاري عمرو لصالح وأخذه عنه مع كون عمرو أقدم منه .
وكان شيخنا رحمه الله يحيل غالبا من يسأل في ( صحيح مسلم ) على الزين الزركشي ، وقال مرة لبعض أصحابنا : إذا سمعت على فلان كذا ، وعلى فلان كذا ، وعلى فلان كذا ، كنت مساويا لي فيها في العدد . بل كان يفعل شيئا أخص من هذا ; حيث يحضر من يعلم انفراده من المسمعين بشيء من العوالي مجلسه لأجل سماع الطلبة ومن يلوذ به له ، وربما قرأ لهم ذلك بنفسه ، وفعل الولي ابن الناظم شيئا من ذلك .
على أن ابن دقيق العيد خص ذلك بما إذا حصل الاستواء فيما عدا الصفة المرجحة ، أما مع التفاوت ، بأن يكون الأعلى عاميا لا معرفة له بالصنعة ، والأنزل عارفا ضابطا ، فهذا يتوقف فيه بالنسبة إلى الإرشاد المذكور ; لأنه قد يكون في الرواية عن هذا العامي ما يوجب خللا . انتهى .
فإن أحضره العالم إلى مجلسه كما فعل شيخنا وغيره ، أو أكرمه بالتوجه إليه ، أو كان القارئ أو بعض السامعين من أهل الفن ، فلا نزاع حينئذ في استحباب الإعلام .
( و ) كذا أو غيره ، فقد روى ينبغي استحبابا ( ترك تحديث بحضرة الأحق ) والأولى منه من جهة الإسناد الخطيب أن كان إذا اجتمع مع إبراهيم النخعي لا يتكلم الشعبي إبراهيم بشيء ، فإن كان غائبا فلا .
( وبعضهم كره الأخذ ) بالنقل ، ( عنه ببلد وفيه ) من هو لسنه أو علمه أو ضبطه أو إسناده ، ( أولى منه ) لحديث سمرة : [ ص: 239 ] ( لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما ، فكنت أحفظ عنه وما يمنعني من القول إلا أن هاهنا رجالا هم أسن مني ) .
وروى الخطيب أيضا عن عاصم قال : كان زر أكبر من أبي وائل ، فكانا إذا اجتمعا لم يحدث أبو وائل مع زر .
وعن قال : كان عبيد الله بن عمر يحدثنا ، فإذا طلع يحيى بن سعيد ربيعة قطع يحيى حديثه إجلالا له وإعظاما .
وعن قال : سئل حسين بن الوليد النيسابوري المكبر عن شيء من الحديث فقال : أما عبد الله بن عمر العمري أبو عثمان - يعني أخاه عبيد الله المصغر - حي فلا . وعن أنه قال الثوري : ما لك لا تحدث ؟ فقال : أما وأنت حي فلا . ونحوه قول لابن عيينة الناظم لما سئل أن يحدث بـ ( مسند الدارمي ) : أما والشيخ برهان الدين التنوخي حي فلا .
وعن أبي عبد الله المعيطي قال : رأيت أبا بكر بن عياش بمكة ، وأتاه فبرك بين يديه ، وجاء رجل فسأل ابن عيينة عن حديث فقال : لا تسألني ما دام هذا الشيخ - يعني ابن عيينة أبا بكر - قاعدا .
وعن قال : كنا عند الحسن بن علي الخلال معتمر وهو يحدثنا إذ أقبل ، فقطع ابن المبارك معتمر حديثه ، فقيل له : حدثنا . فقال : إنا لا نتكلم عند كبرائنا .
وعن قال : سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول : إن الذي يحدث بالبلدة وبها من هو أولى بالتحديث منه أحمق ، وأنا إذا حدثت في بلد فيه مثل ابن معين - يعني الذي كان أسن منه - فيجب للحيتي أن تحلق . قال أبي مسهر : وأنا إذا حدثت في بلدة فيها مثل ابن أبي الحواري - يعني الذي كان أسن منه - فيجب للحيتي أن تحلق . أبي الوليد هشام بن عمار
وعن قال : كتبت بالإسناد عن بعض المتقدمين أنه قال : من حدث في بلدة وبها من هو أولى بالرواية [ ص: 240 ] منه فهو مختل . انتهى . السلفي
والأولوية تحتمل أن تكون في الإسناد أو في غيره ، وهل يلتحق بذلك في الكراهة الظاهر لا ; لما فيه من التحجير والتضييق الذي الناس خلفا عن سلف على خلافه . الجلوس للإفتاء أو لإقراء علم ببلد فيه من هو أولى به منه ؟
حتى إن العز محمد بن جماعة حكى عن شيخه المحب ناظر الجيش أنه شاهد بمصر قبل الفناء الكبير مائة حلقة في النحو ، ستين منها بجامع عمرو ، وباقيها بجامع الحاكم .
وقد عقد بابا لفتوى الصغير بين يدي الكبير ، وأورد فيه ما يشهد لذلك ، والفرق أن الطلبة تتفاوت أفهامهم ، فالقاصر لا يفهم عبارة الأولى ويفهم ممن هو دونه ، وليس كل عالم ربانيا ، والسماع إنما يرغب فيه للأعلى [ ص: 241 ] والأولى ، فبولغ في الاعتناء بالمحافظة على جانب الرواية . ابن عبد البر
على أن ابن دقيق العيد قال : هكذا قالوا ، ولا بد أن يكون ذلك مشروطا بألا يعارض هذا الأدب ما هو مصلحة راجحة عليه . يعني كما تقدم قريبا .