[ ص: 501 ] باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ارجع فلن أستعين بمشرك - أقوال أهل العلم - حديث الاستعانة بالمشركين - تحليل أبي حميد الساعدي للمسألة . الشافعي
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن حيدر الإمام ، أخبرنا محمد بن الفضل بن أحمد ، أخبرنا أبو الحسين بن محمد التاجر ، أخبرنا محمد بن عيسى ، أخبرنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا مسلم ، حدثني أبو الطاهر ، حدثني عن عبد الله بن وهب ، عن مالك بن أنس ، الفضيل - لعله ابن أبي عبد الله - عن عبد الله بن نيار الأسلمي ، عن عن عروة بن الزبير ، - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت : عائشة زوج النبي بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان منه جرأة ونجدة ، ففرح أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رأوه ، فلما أدركه ، قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : جئت لأتبعك وأصيب معك . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تؤمن بالله ورسوله ؟ قال : لا . قال : فارجع فلن أستعين بمشرك . قالت : ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل ، فقال له كما قال أول مرة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال أول مرة : لا ، فارجع فلن أستعين بمشرك . قالت : ثم رجع ، فأدركه بالبيداء فقال له كما قال أول مرة : تؤمن بالله ورسوله ؟ قال : نعم . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فانطلق . خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل بدر فلما كان
[ ص: 502 ] هذا حديث صحيح ، وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب :
فذهبت جماعة إلى منع الاستعانة بالمشركين مطلقا ، وتمسكوا بظاهر الحديث وقالوا : هذا حديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما يعارضه لا يوازيه في الصحة والثبوت ؛ فتعذر ادعاء النسخ لهذا .
وذهبت طائفة إلى أن ؛ ولكن بشرطين : للإمام أن يأذن للمشركين أن يغزوا معه ويستعين بهم
أحدهما : أن يكون في المسلمين قلة وتدعو الحاجة إلى ذلك .
والثاني : أن يكونوا ممن يوثق بهم ولا يخشى تأثرهم ، فمتى فقد هذان الشرطان لم يجز للإمام أن يستعين بهم .
قالوا : ومع وجود الشرطين يجوز الاستعانة بهم ، وتمسكوا في ذلك بما رواه ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعان بيهود بني قينقاع ورضخ لهم ، واستعان في قتال بصفوان بن أمية هوازن يوم حنين ، قالوا : وتعين المصير إلى هذا ؛ لأن حديث عائشة كان يوم بدر ، وهو متقدم فيكون منسوخا .
أخبرني أبو مسلم محمد بن محمد بن الجنيد ، أخبرنا محمود بن إسماعيل ، أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين ، أخبرنا حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا إسحاق ابن راهويه ، عن الفضل بن موسى ، محمد بن عمرو ، عن سعد بن المنذر ، عن أبي حميد الساعدي أحد حتى إذا جاوز ثنية الوداع إذا هو بكتيبة خشناء ، فقال : من هؤلاء ؟ قالوا عبد الله بن أبي في ستمائة من مواليه من اليهود من بني قينقاع قال : وقد أسلموا ؟ قالوا : لا يا [ ص: 503 ] رسول الله . قال : مروهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم
قرأت على روح بن بدر ، أخبرك أحمد بن محمد بن أحمد في كتابه ، عن أخبرنا أبي سعيد الصيرفي ، أبو العباس ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا قال : الذي روى الشافعي ، مالك كما روى رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشركا أو مشركين في غزاة بدر ، وأبى أن يستعين إلا بمسلم ، ثم استعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد بدر بسنتين في غزوة خيبر بعبد ويهود من بني قينقاع كانوا أشداء .
واستعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين سنة ثمان وهو مشرك ، فالرد الأول إن كان بأن له الخيار بأن يستعين بمشرك وأن يرده ، كما له رد مسلم من معنى يخافه ، أو لشدة به ، فليس واحد من الحديثين مخالفا للآخر ، وإن كان رده لأنه لم ير أن يستعين بمشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بالمشركين ، ولا بأس بأن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إذا خرجوا طوعا ، ويرضخ لهم ، ولا يسهم لهم ، ولا يثبت عن النبي أنه أسهم لهم . بصفوان بن أمية