الركن الثالث : . وفي الجواهر : له شرطان : الأول : المرهون به يمكن استيفاؤه من الرهن ، فلا يرهن في عين مشار إليها ، ولا منافع معينة ، وحيث وقع في المذهب في معين ، فالمراد قيمته كما وقع في العارية ، ففصل ما يغاب عليه مما لا يغاب عليه ، فضمان القيمة فيما يغاب عليه دون ما لا يغاب عليه . أن يكون دينا في الذمة
الشرط الثاني : ، أو المصير إليه كالجعل بعد العمل . وقال ( ش ) : يجوز في كل ذي لازم دون المجهول ، ودية العاقلة قبل حول الحول لعدم تحقق صفات من تجب عليه عند الحول من الغنى ، وغيره ، ودون القصاص والقذف لتعذر أخذها من الرهن ، ودين الكتابة خلاف لـ ( ح ) ; لأن عوض دين الكتابة الرقبة وعمل الإجارة لتوقع الفسخ ، ولا قبل عقد البيع ، بل إنما يجوز مع المقارنة خلافا لنا ، و ( ح ) ; لأنه تابع للدين عنده ، فلا يكون قبله كالخيار ، والأجل ، ومنعه في الأعيان [ ص: 94 ] كالمغصوب ، والمسروق ، والعارية ، ونحوها ; لأن الواجب القيمة عند التلف ، فهو رهن قبل الحق ، وجوزه ( ح ) . وفي التلقين : يصح قبل الحق ، وبعده ، ومعه ، ووافقنا في أنه إذا وقع القبض لزم ، وصار رهنا بذلك الشرط المتقدم ، وقبل القبض لا يكون رهنا ; لأن قبل القبض لا يتحقق رهن عنده ، ولا عند ( ش ) ; لأنه لا ينعقد بالقول عندهما خلافا لنا . وعند ( ش ) اتصال القبض بما اشترط قبل العقد لا يصيره رهنا لفساد الأصل عنده . اللزوم
فالحاصل أن موافق لنا في هذه المسألة ، إنما خالفنا في انعقاد الرهن بالقول ، فعندنا يلزم التسليم في هذه الصور كلها ، ويقضى به ، وعندهما لا . لنا : قوله تعالى : ( أبا حنيفة فرهان مقبوضة ) ولم يفرق .
لا يقال : تقدم في صدر الآية ( إذا تداينتم بدين ) فما صرح بمشروعية الرهن إلا بعد تحقق الدين .
لأنا نقول : وقد صرح بالسفر ، وعدم الكاتب ، وقد سقطا عن الاعتبار فيسقط اعتبار تقدم الدين بالقياس عليهما ، والجامع أن الكل خرج مخرج الغالب ، فإن الغالب وقوعه بعد الدين ، فلا يكون له مفهوم إجماعا . ويتأكد بقوله عليه السلام : . المؤمنون عند شروطهم
فإن قيل : يصح إن طلعت الشمس فأنت طالق ، ولا يصح إن طلعت الشمس فقد رهنتك فعلمنا اختلاف الناس في قبول التعليق .
قلنا : لا يقبل الطلاق عندنا هذا التعليق ، بل يتنجز الطلاق . وقال ابن القصار من أصحابنا : مقتضى أصولنا صحة التعليق المذكور في الرهن ، فلا شيء مما ذكرتموه . أو نقول : عقد فيلزم مع تعليقه على الشرط كالعتق ، والطلاق ، وغيرهما ، ولأن مقصود الرهن استيفاء الحق عند تعذره ، وتعذره مستقبل فيتعلق على مستقبل آخر ، وهو أصل المعاملة إلحاقا لأحد المستقبلين بالآخر . أو نقول لو قال : [ ص: 95 ] ألق متاعك في البحر ، وعلي دركه ، وإن جاء متاعي غدا ، فاقبضه صح إجماعا مع التعليق على أمر مستقبل اتفاقا فيجوز هاهنا كما صح في ضمان الدرك أولا ، وفي الوديعة ثانيا ، أو قياسا على ما إذا شرطه في زمن الخيار ، أو قياسا على ما إذا ضمن نفقة زوجة ابنه عشر سنين ، واحتجوا بالقياس على ما تقدم الشهادة على المشهود به بجامع التبعية للحق .
والجواب : أن مقصود الشهادة المشاهدة وحصول العلم ، وهو متعذر قبل المشهود به ، ومقصود الرهن التوثق ، وهو حاصل إذا تقدم الحق ، وينتقض بضمان الدرك المتقدم ، وبالوديعة ، والطلاق ، والعتاق ، وغيرها .
فرع
في الكتاب : يجوز في دم الخطأ إن علم الراهن أن الدية على العاقلة . ولو ظن أن ذلك يلزمه وحده امتنع ، وله رد الرهن . وكذلك الكفالة ; لأنه خلاف ما رضي به .
فرع
قال : إن لم تضمنها ; لأنها لا يغاب عليها ، وإن رهنته بها رهنا لم يجز ، وإن ضاع ضمنه ; لأنه لم يأخذه على الأمانة ، ويجوز بالعارية التي يغاب عليها ; لأنها مضمونة . ارتهنت دابة على أنها مضمونة عليك
فرع
قال : إن ادعيت دينا ، فأعطاك به رهنا يغاب عليه ، فضاع عندك ثم تصادقتما على بطلان دعواك ، أو أنه قضاك ضمنت الرهن ; لأنك لم تأخذه على الأمانة به . وكذلك لو أعطاه دنانير حتى يصارفه بها فضاعت . وكذلك ما عمله الصناع بغير أجر ، أو قبض المرتهن ، أو وهبه للراهن ثم ضاع الرهن ضمنه ، وإن زادت قيمته على الدين ، أو وقع في الصرف رهن بأحد النقدين جهلا ، أو أخذ رهنا بالقراض ; لأن كله ممنوع ، فلم يؤخذ على الأمانة . بخلاف إعطائك رهنا له بكل ما أقرض [ ص: 96 ] فلانا قال التونسي : قال أشهب في عارية الدابة بشرط الضمان يصح الرهن ، وله الكراء ، وكأنه آجره إياها على أنها إن هلكت ضمنه ما لا يلزمه ، فهي كالإجارة الفاسدة . وقال : إذا تصادقتما على عدم الدين تضمن ، وإن كان الرهن لا يغاب عليه ; لأنه كالغاصب . قال : فانظر لو كان قد نسي اقتضاء الدين ثم تذكر بعد الرهن . قال ابن يونس : قال أشهب في رهن الصرف جهلا : هو رهن بالأقل من قيمة الدنانير ، أو الدراهم ، وما زاد ، فهو أسوة الغرماء . ورهنك بما يقرض فلان قيل يكون الرهن بما داينته ما لم يجاوز قيمة الرهن ، ولا يراعي ما يشبه أن يداين به بخلاف حمالتك بما يداينه ; لأنك لما أعطيت رهنا بينت له المقدار .
فرع
في الكتاب : يجوز بجميع الصداق قبل البناء ; لأن العقد يوجب الصداق كله ، فإن طلق قبل البناء بقي الجميع رهنا بالنصف كمن قضى بعض الدين ، أو وهب له .
فرع
قال : يجوز أخذ دين على الرهن ، ويصير رهنا بهما . ومنع ( ح ) ، وأصح قولي . الشافعي
لنا : عموم الآية ، وقد تقدم السؤال عليها ، والجواب القياس على الحمالة ، والشهادة بجامع التوثق . فإن فرق بأن الشهادة علم ، والعلم لا يجب حصر متعلقه ، والكفالة ذمة ، وهي قابلة لأمور كثيرة ، والتعلق في الرهن بعينه ، وهو لا يقبل الزيادة على قيمته ، فإنه ينتقض بالجناية التي لا تسع رقبة العبد غيرها ثم إذا جنى جناية أخرى تعلقت برقبته . ولأن المقصود بالحقيقة إنما هو ذمة الراهن ، ولأن الرهن يقبل النقصان ببقائه مرهونا على بقية الحق بعد قضاء الأكثر فيقبل الزيادة قياسا على النقصان .
احتجوا بأن الرهن وجميع أجزائه تعلق به الحق بدليل لو أوفى أكثر الحق بقي الرهن رهنا ببقيته ولو قل ، ولو تلف أكثر الرهن بقيت بقيته مرهونة بجملة الحق . وإذا كان الرهن وأجزاؤه مشغولة بجملة الحق استحال أن يشغله غيره ، ولأنه [ ص: 97 ] عقد لا يجوز مع غير العاقد ، فلا يجوز مع العاقد كالنكاح ، ولأن الرهن تابع للحق ، فلا يكون تابعا لحق آخر كحق الدار من الطريق .
والجواب عن الأول : أنه منقوض بالعبد إذا جنى ثم جنى ، فإنه يصير مشغولا بالجناية الثانية بعد أن اشتغل هو وأجزاؤه بالجناية الأولى ، وعن الثاني : الفرق أن مقصود النكاح الإباحة ، وضبط النسب ، ولا ضبط مع الشركة ، وعن الثالث : أنه مقلوب عليهم ، فنقول : تابع أضعف من المتبوع ، فيصير تابعا لمتبوع آخر كما إذا تجدد حول الدار دور أخر ، فإن الطريق يصير حقا للجميع ، فكذلك الرهن .
فرع
في الكتاب : إن تكفلت عنه بحق ، وأخذت منه رهنا جاز ; لأنه آيل إلى حق لك عليه .
فرع
قال ابن يونس : إذا ، فهو أحق به من الغرماء لوقوع البيع عليه . رهنه في البيع الفاسد رهنا صحيحا ، أو فاسدا ، فقبضه
فرع
قال : قال محمد : إذا سألته تأخير دينه بعد الأجل شهرا ، وتعطيه رهنا ، أو حميلا امتنع ، وسقطت الحمالة ، ويرد الرهن ; لأنه سلف حرام .
فرع
في الكتاب : لا يعطيك أجنبي رهنا بكتابة مكاتبك لامتناع الحوالة بها .
فرع
قال : يجوز بدينين لكما مختلفين إلا أن يكون أحدهما قرضا بشرط أن يبيع الآخر ، ويأخذ رهنا ; لأنه سلف لنفع . ويجوز أن يقرضا معا بشرط أن يرهنكما لجواز أخذ الرهن ابتداء عن القرض .
[ ص: 98 ] فرع
قال : إذا أقرضته مائة أخرى على أن يرهنك بها ، وبالأولى يمتنع ، والرهن بالدين الأخير عند قيام الغرماء ، ويسقط الشرط المتضمن للفساد . وقيل : بل نصفه بالمائة الأخيرة ، وتبطل حصته الأخرى كما لو طلق امرأته ، وامرأة غيره . وقد أجاز أشهب : أسقط عني بعض الدين على أن أعطيك رهنا ، أو أبيعك على أن ترهن بهذا الثمن ، وبثمن السلعة الأولى رهنا ، وكرهه ابن القاسم . قال اللخمي : أجاز محمد : زدني في الأجل ، وأزيدك رهنا إن كان الرهن الأول يوفي الحق . قال ابن يونس : قال محمد : إن كان الدين الأول في أصل المسألة حالا جاز إلا أن يكون عديما لتمكنه من قبض الحال ، فكأنه أسلفه الآن على أن أعطاه وثيقة .
نظائر : قال : يجوز الرهن إلا في أربع مسائل : الصرف ، ورأس مال السلم ، والدماء التي فيها القصاص ، والحدود .