الفرع الثالث
في الكتاب : . وفي الفلوات يأكلها ولا يغرمها ، لقوله - صلى الله عليه وسلم : ( يعرف الغنم في أقرب القرى ولا يأكلها ) والبقر بموضع الخوف عليها كذلك ، وبموضع الأمن كالإبل ، وقال هي لك أو لأخيك أو للذئب : الشاة في المضيعة كالذهب في الالتقاط والتعريف يخير ملتقطها بين أكلها في الحال ، أو يمسكها وينفق عليها لصاحبها ، أو يبيعها ويحفظ ثمنها له ، وقال ( ش ) و ( ح ) : متى أكلها ضمنها ، قال القاضي في الإشراف : وهو قول بعض المتقدمين منا . ابن حنبل
وأجابوا عن الحديث بوجوه : أحدها : أن معناه : أنك إن أخذتها ضمنت قيمتها على أخيك فانتفعت أنت وانتفع هو ، وإن لم تفعل أكلها الذئب ففاتت المنفعتان ، فتكون ( أو ) للتنويع ، فيكون الأخذ منوعا إلى ما يحصل مصلحتين وإلى ما يفوتهما ، فالحديث منفر عن الترك ، لا مسو بين الآخذ وبين الذئب .
[ ص: 97 ] وثانيهما : أن الأصل في العطف التسوية . وقد عطف الأخ عليه بقوله : ، فوجب أن يستويا في التعلق بهذه الشاة ، هذا بالانتفاع ، والأخ بالقيمة ، وعلى قولكم : لا تسوية ، بل يختص النفع بالآخذ . وثالثهما : أن الذئب لا يملك ، وقد عطف على الآخذ ، والأصل في العطف التسوية ، ولا يملك الآخذ ، وإذا لم يملك كان الملك لصاحبها عملا بالاستصحاب ، ورابعها : لو سلمنا دلالته على عدم الضمان لكان معارضا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أو لأخيك ) وبالقياس على ما إن وجدها في الحضر ، ولأنه أتلف مال الغير بغير إذنه فيضمنه كسائر الأموال . فإن جاء صاحبها فاغرمها له
والجواب عن الأول : أن معنى الحديث : التسوية بينه وبين الذئب لا ما ذكرتموه ، عملا بالعطف بينه وبين الذئب ، وعلى ما ذكرتموه : لا تقع التسوية فيلزم خلاف القاعدة .
عن الثاني : من وجهين أحدهما : أن صاحبها المعطوف لا يجب عليه شيء إذا أكل ، فكذلك الآخذ ، عملا بما ذكرتموه من التسوية ، وثانيهما : أن الأخ وإن عطف فكذلك الذئب عطف أيضا ، وهو لا يجب عليه شيء ، ولو أكل كذلك الآخذ عملا بالعطف المسوي .
عن الثالث : لم يسقط الملك في حق صاحبها ، والحديث يقتضيه ، لأن تقديره : هي لك إن أخذتها أو لأخيك إن أخذها أو الذئب إن تركتماها . فملك صاحبها بشرط هو مفقود ، فينتفي ملكه لانتفاء شرطه .
عن الرابع : منع الصحة .
عن الخامس : الفرق بأنها في الحضر لم تبطل ماليتها للقدرة على صونها بالبيع ، ولا يجدها الذئب بخلاف الفلاة وهو الجواب عن الخامس ، ثم إن الحديث وجد فيه إتلافه ( كذا ) ما يفسد الملك لمن يقبل الملك وهو الواجد ، فيفيد أن له الملك لأنه أصل هذه الإضافة ، وكما لو قال : هذا المال للذئب ، فإن قالوا :
[ ص: 98 ] الذئب لا يملك ، وقد وجد في حقه عين ما ذكرتموه ؟ قلنا : لا يلزم من مخالفة الدليل في غير صورة النزاع مخالفته فيها ؛ لأن الأصل : إعمال الدليل بحسب الإمكان . ولنا أيضا في الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ) والمبتدأ يجب انحصاره في الخبر ، فتخص الشاة للواجد دون المالك ، فلا يتعلق بها المالك بوجه ، وهو المطلوب . هي لك
تفريع : قال في الكتاب : يتركها فإن أخذها عرفها ولا يأكلها ولا يبيعها ، وإن لم يجد صاحبها خلافا بالموضع الذي وجد فيه ، وإن رفعتها للإمام فلا يتبعها بل يفعل ما تقدم ، وكذلك فعل وضالة الإبل في الفلاة عمر - رضي الله عنه - وكان عثمان - رضي الله عنه - يبيعها ويفرق ثمنها لأربابها . والخيل والبغال والحمير يعرفها ، فإن لم يأت صاحبها تصدق بها . قال عبد الملك : الحق ولو جاء صاحب الشاة بعد ذبحها أخذها ما لم يأكلها لأنها غير ماله ، قال التونسي : إذا رد الإبل بعد أخذها لم يضمنها ، لأن الحديث اقتضى منع الأخذ ، فالرد فعل الواجب فلا يوجب ضمانا ، ولو أنفق عليها في موضع الأمن لم تكن له نفقة ، وإنما في المدونة ، إذا أسلم البعير ربه فأنفق عليه وأخذه فلا يأخذه إلا بالنفقة ، لأنه لو تركه هنالك لمات ، ولو كانت الإبل بموضع خوف من السباع لكانت مثل الغنم ، وجاز أكلها لذكره - صلى الله عليه وسلم - العلة التي من أجلها فرق ، ولم يحدد في تعريف الدواب شيئا ، وقيل : سنة ، والأول إن كان ينفق عليها عرفها سنة .
قال صاحب المقدمات : ظاهر قول مالك في المدونة أن حكم الإبل عام في الأزمان ، وعنه أنه خاص بزمان العدل وصلاح الناس ، وأما زمان فساد الناس فتؤخذ وتعرف ، فإن لم تعرف بيعت ووقف ثمنها ، فإن لم يأت صاحبها تصدق به عنه كما فعله عثمان - رضي الله عنه - لما فسد الزمان ، وفي الجواهر : يلتقط الكلب بالمكان الذي يخاف عليه فيه ، لأنه معصوم ، وقاله ( ش ) ، قال ابن يونس : وإن وجد شاة اختلطت بغنمه ، قال : فهي كاللقطة يتصدق بها بعد السنة ، فإن جاء ربها ضمنها له ، وله شرب لبنها ، لأنه يرعاها ، قال سحنون مالك : فإن ذبحها قبل السنة ضمنها إلا أن يخاف موتها فيزكيها فلا شيء عليه له ، وعنه إن [ ص: 99 ] ذبحها بعد السنة وأكلها فلا غرم عليه ، قال أصبغ : فلو قدم بالشاة من الفلاة حية للأحياء وجب تعريفها ويضمنها لأهل قرية يعرفون بها ، ولا يأكلها الآن وهي لقطة حينئذ ، وقال غيره : من وجد طعاما في فيافي الأرض فحمله للعمران بيع ووقف ثمنه ، وإن أكله بعد قدومه ضمنه ، وعلى هذا القول يضمن اللحم إن أكله خلافا لأصبغ ، وعن مالك : إذا وجد الشاة بقرب العمران فعرفها فإن لم يأت ربها تصدق بثمنها أحب إلي ، وليس بواجب ، ونسلمها مثلها ، وأما اللبن والزبد فإن كان بموضع له ثمن بيع وصنع بثمنه ما يصنع بثمنها ، ويأكل من ذلك بقدر علوفتها . وبموضع لا ثمن له والصوف والسمن فتصدق بثمنه أو به . قال مالك : وإن تصدق بها أو بثمنها لم يضمن لربها شيئا ، وعن مالك : ضالة البقر كالغنم إذا وجدها بالفلاة أكلها ولا يضمنها ، وإن وجدها في قرب العمران عرفها ويكريها في علوفتها كراء مأمونا ، قال أشهب : وإذا كان الإمام غير عدل لا تدفع إليه الإبل ، وليخلها حيث وجدها ، وإن لم يكن للإبل منعة فهي كالغنم يأكلها إذا وجدها بالفلاة ، ولا يغرمها لربها ، وقوله في الخيل وما معها : يتصدق بها ، يريد بها أو ثمنها ، والواجد إذا أنفق على عبد أو دابة فهو أحق بما عنده من الغرماء حتى يقبض النفقة ، والنفقة له إلا أن يسلمها ربها في النفقة ، فإن أسلمها ثم بدا له : قال أشهب : ليس له أخذها ودفع النفقة لأنه أسقط حقه منها ، قال : لا ينبغي أخذ الخيل والبغال والحمير ، ولا ينفق عليها ، لأن النفقة قد تستغرقها فتهلك على ربها ، وعن ابن كنانة مطرف : له إن تركها من موضع وجدها إلى موضعه ، فأما في حوائجه فلا ، فإن فعل ضمن ، وإن أحب بيعها رفع ذلك إلى الإمام إن كان مأمونا إلا فيما خف من الشاة والشاتين فيليه ويشهره ، وقاله أصبغ ، قال اللخمي : لضالة الغنم خمسة أحوال . على بعد من العمارة وهي وحده ، أو معه الواحد أو اثنان ، ومن لا حاجة له بشرائها ، أو في جماعة يقدر على بيعها ، أو معه غنم ، أو بقرب عمارة ، أو في القرية نفسها ، فالأول لواجدها [ ص: 100 ] كما تقدم ، والقياس إذا نقلها حية لا شيء عليه . لأنه إنما نقلها بعد أن بقيت ملكه وإن كان في رقة باعها ووقف ثمنها . وإن أكلها ضمنها فإن تصدق بها ، عن مالك : لا شيء عليه ، وليست المواشي كغيرها ، وقيل : يضمنها ، قال : وهو الأحسن ، لأن الأصل بقاء الأموال لمالكها ، وإن كان معه غنم ضمها إليه سنة ، وإن ذبحها قبل السنة اختيارا ضمنها ، وإن خاف عليها لم يضمن إلا أن يقدر على بيع لحمها ، وإن وجدت قرب قرية ضمها إليه وعرفها ، فإن لم يفعل وأكلها ثم تبين أنها لأهل ذلك الموضع ضمنها ، واختلف إذا كانت لغير أهل تلك القرية ، فقال أشهب : لا شيء عليه ، وعن مالك : يضمنها أكلها أو تصدق بها ، ولم يفرق بين أن تكون لهم أو لغيرهم وهو أحسن لما تقدم ، وإن وجدها في قرية فلقطة كالأموال ، فكان في الحكم الأول ترك الإبل لأنه زمن النبوة والصحابة ، ثم كذلك في خلافة عمر لعدم الإخافة وصلاح الناس ، ولم يترك في زمان عثمان - رضي الله عنه - لعدله وفساد الناس ، ثم فسد السلطان والناس فتؤخذ ولا تدفع إليه ، قال : وهو حال الناس اليوم ، تعرف فإن لم يأت صاحبها بيعت إن يخشى السلطان إن عرفت لم تؤخذ وتركت ، وإن لم يخش إلا على الثمن أهملت حيث وجدت ، وإن كانت بموضع فيه السباع أخذت وعرفت ، لأنه لا مشقة في بلوغها بخلاف الشاة إلا أن يخاف السلطان في تعريفها فتترك ، فلعل صاحبها يدركها قبل السبع ، والبقر والخيل والدواب إن كانت في موضع رعي وما أمن من السباع امتنع أخذها ، ومتى انخرم أحد هذه الوجوه أخذت وليس لها صبر على الماء كالإبل ، أما من يتولى بيعها حيث بيعت ، فعن مالك : لا يبيعها إلا الإمام لأنه الناظر ، وعن ابن القاسم : إن باع بغير إذن الإمام ثم جاء صاحبها ولم تفت لم يكن إلا الثمن ، قال أشهب : لينقض البيع ، وإن لم يقدم عليها لم يكن له إلا الثمن إذا بيعت خوف الضيعة بخلاف الثياب ، ولا مؤنة له في بقائه ، فإن [ ص: 101 ] لصاحبه الأكثر من الثمن أو القيمة ، لأن الواجد فوته على صاحبه ، وقال مطرف : الدفع للإمام وينفذ بيعه ، لأن الشرع ولاه عليها ، فهي كالإمام ، قال : وينبغي ذلك وصحة البيع ويكون حكم الثمن ووقفه والانتفاع به والتصدق به حكم اللقطة ، وقالت الشافعية : لا تلتقط الإبل والبقر والحمير والبغال والخيل ولا ما في أذنه قرط - بالقاف ، وهو الذي يعلق من الحلي في الأذن - من الغزلان ، أو الحمام للتمليك ، وجوزه ( ح ) قياسا لغنم ، وفي أخذها للحفظ قولان ، وجوز ( ح ) التقاط الإبل والبقر والشاة ، وقال ابن حنبل : لا يلتقط ما يمتنع بنفسه عن صعد ( كذا ) السباع ، ويرد الماء بقوته كالإبل والبقر ، أو بطيرانه كالطير ، أو سرعته كالظباء والكلاب والفهود ، وقال ( ش ) : البقر والإبل والبغال والحمير سواء لعظم أجسامها ، ومتى أخذها ملتقط ضمنها ، قاله وابن حنبل : وللإمام حفظها على أربابها اتفاقا ، لأنه الناظر في أموال الغائبين إجماعا . ابن حنبل