النظر الثالث : في جواب الدعوى 
وفي الجواهر : هو إقرار أو إنكار ، فإن ( قال ) : لا أقر ولا أنكر ولكن تقيم   [ ص: 9 ] البينة أولا وأحكامه إليك ، خير على أن يقرأ وينكر ، رواه  أشهب  لإظهار اللدد ، وقال  أصبغ     : يقول له القاضي : إما أن تحاكم وإلا أحلفت المدعي وحكمت له عليك . هذا إن كانت الدعوى مشبهة تستحق اليمين مع النكول ، لأن نكوله عن الكلام نكول عن اليمين ، وإلا فقال  محمد     : حكم عليه بغير يمين من المدعي لأنه كالإقرار ، وقال  اللخمي     : المدعي بالخيار بين أخذ المدعى بغير يمين على أنه متى عاد إلى الإنكار عاد ذلك له ، أو يحلف الآن ويحكم له به مالك لكمال الحجة بالحلف ، بعد أن يعلم أن المدعى عليه أنه لم يقر ولم ينكر حكم عليه كالناكل ، ولا ينقض له الحكم بعد أن يأتي بحجة ، إلا أن يأتي ببينة لم يكن علم بها ، وإما أن يسجن له حتى يقر أو ينكر ، لأنه يقول : هو يعرف حقي فإذا سجن أقر واستغنيت عن اليمين . وفي هذا النظر سبعة فروع : 
الأول : في الجواهر : إذا أقر بخمسين من ستين وامتنع في العدة من الإقرار والإنكار  ، قال  محمد     : أجبر بالحبس حتى يقر أو ينكر إذا طلب ذلك المدعي ، فإن أصر على الامتناع حكم عليه بغير يمين ، قاله  محمد  ، وكذلك المدعى عليه بدار في يده ، فلا يقر ولا ينكر ، فإذا أجبر وتمادى حكم عليه بغير يمين . 
الثاني : وقال ما تقدم بيني وبينه مخالطة من أي وجه يدعي هذا  ، لزم أن يسأل الطالب عن ذلك بسبب دعواه ، فإن ادعى نسيانه قبل ذلك منه بغير يمين لأن ذلك متوقع وألزم المطلوب أن يقر أو ينكر . وقال  القاضي أبو الوليد     : لا يوقف المطلوب حتى يحلف المطالب أنه لا يذكر ما يدعيه ، إذ لعله يذكر السبب فيجد مخرجا ، فإن امتنع من ذكر ذلك السبب من غير أن يدعي سببا لم يسأل المطلوب عن شيء . 
فرع : مرتب قال : لو ذكر السبب فقال المطلوب : أنا أحلف أنه لا شيء له عندي من هذا السبب ، قال  أشهب     : لا يجزيه حتى يقول : ولا أعلم له شيئا بوجه من الوجوه . قال  القاضي أبو الوليد     : الظاهر أنه يجزيه لأن الطالب لم يطلب بغير ذلك . 
 [ ص: 10 ] الثالث : قال : إذا قال لي : عليك عشرة فقال : لا يلزمني العشرة  لم تكف اليمين مطلقا حتى يقول : ولا شيء منها ، لأنه لا يلزم من نفي الكل نفي البعض . 
الرابع : قال : إذا ادعى سلفا أو بيعا  لا يكفي أن يقال : لا حق له عندي ، بل لم يسلفني ما يدعيه أو لم يبع مني شيئا مما ذكر ، قاله  مالك   وسحنون     . وكان  مالك  يقول : يجزئ ، ثم رجع . قال  ابن يونس     : قال  مالك     : لا بد من ذكر السبب لئلا يلغز . وقال  عبد الملك     : إن حلف أنه ما لك علي مما تدعيه قليل ولا كثير برئ . وقال  ابن حبيب     : إن كان المدعى عليه لا يتهم والمدعي يتهم بطلت البينة . واعلم أن المشهور فيه مصالح ومفاسد ، أما مصالحه فلأنه إذا قال : ما اشتريت منه أمكن المحق أن يقيم البينة على الشراء فيخلص حقه . وأما مفاسده فإنه قد يكون وفاه الثمن ونحوه فيعترف بالشراء فيلزمه الثمن مرة أخرى ، وهذا هو الموجب لعدم اشتراط ذكر السبب . 
الخامس : قال : إذا ادعى عليه مالك فقال : ليس لي بل وقف على الفقراء أو على ولدي أو مالك  ، لم يمتنع ذلك من إقامة البينة من المدعي ما لم يثبت ما ذكر فتقف المخاصمة على حضور من تثبت له عليه الولاية . ولو قال : ليس لي بل لمن لا أسميه فأولى أن لا يمنع من تمام المحاكمة . 
ولو قال : لفلان وهو حاضر فللمدعي تحليف المقر له ، فإن نكل حلف المدعي وأخذ المدعى به ، وإن حلف المقر له فللمدعي به . وإن حلف المقر له فللمدعي أن يحلف المقر لأنه أتلفه عليه بإقراره ، فإن نكل حلف المدعي وأخذ قيمة المقر به من المقر . فإن أضاف إلى غائب وأثبت ذلك ببينة انصرفت الخصومة عنه إلى الغائب ، وإن لم يثبت ذلك لم يصدق وحلف ، فإن نكل رجع المدعى به إلى المدعي بغير يمين . فإن جاء المقر له فصدق المقر أخذه ، لأن من هو في يده يتهم أن يكون أراد صرف الخصومة عن نفسه . 
السادس : قال : جواز دعوى القصاص على العبد ليطلب من العبد الأرش ، يطلب جوابها من السيد . 
 [ ص: 11 ] السابع : قال : إذا ادعى لم يحلف وقال : لي بينة قريبة فاطلبوا منه كفيلا ، أخذ منه كفيل بنفسه ما بينه وبين خمسة أيام إلى الجمعة .  ولمالك     : إذا قامت البينة له ، طلب الكفيل قبل التعديل لوجود سبب صدقه من حيث الجملة . ولو ادعى عليه خلطة ، وادعى عليه بينة قريبة على اللطخ ، كاليوم ونحوه ، وكل ما المطلوب ( كذا ) وقال   سحنون     : يؤخذ منه كفيل . 
				
						
						
