النظر الخامس : في النكول
وفي الكتاب : إذا لم يقض للطالب حتى يرد اليمين عليه ، فإن جهل المطلوب إرسال الحاكم طلب ردها فعليه أن يعلمه بذلك ، ولا يقضي حتى يردها ، فإن نكل الطالب فلا شيء له ، وقاله ( ش ) ، قال ( ح ) استحلف المطلوب فنكل : يقضي بالنكول ، ولا يرد اليمين ويقضي بالنكول ، وقال ( ح ) : إن وابن حنبل ، فإن لم يحلف لزمه الحق ، ولا يرد اليمين ، ولا يوجب القود ، فلا يحكم بالنكول ، بل يحبس حتى يحلف أو يعترف . وفي النكاح ، والطلاق ، والنسب ، وغيره لا مدخل لليمين فيه فلا نكول ، وقال كانت الدعوى في مال كرر عليه ثلاثا : يحبس في جميع ذلك حتى يحلف . لنا : الكتاب ، والسنة ، والقياس . أما الكتاب : فقوله تعالى : ( ابن أبي ليلى ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ، أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ) ولا يمين بعد يمين إلا [ ص: 77 ] ما ذكرناه غير أن ظاهره يقتضي يمينا بعد يومين ، وهو خلاف الإجماع فيتعين حمله على حمله على يمين بعد رد يمين ، لأن اللفظ إذا ترك من وجه بقي حجة في الباقي . وأما السنة : فما روي ( الأنصار جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت : إن اليهود قتلت وطرحته في فقير ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم ؟ فقالوا : لا ، قال : فتحلف لكم يهود ، قالوا : كيف يحلفون وهم كفار ؟ عبد الله بن سهل ) فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - اليمين في جهة الخصم . خرجه الموطأ وغيره ، وما روي أن أن المقداد اقترض من عثمان رحمة الله عليهما سبعة آلاف درهم ، فلما كان وقت القضاء ، جاء بأربعة آلاف ، فقال عثمان : أقرضتك سبعة آلاف ، فترافعا إلى عمر ، فقال للمقداد : تحلف وتأخذ ؟ فقال عمر لعثمان : لقد أنصفك ، فلم يحلف عثمان ، فنقل عمر رضي الله تعالى عنه اليمين إلى المدعى عليه ، ولم يختلف في ذلك عثمان والمقداد ، ولم يخالفهم غيرهم ، فكان إجماعا ، وقياسا على النكول في باب القود ، والملاعنة لا تحد بنكول الزوج ، ولأنه لو وكل عن الجواب في الدعوى لم يحكم عليه ، مع أنه نكول عن اليمين والجواب . فاليمين وحده أولا لعدم الحكم ، ولأن البينة حجة المدعي ، واليمين حجة المدعى عليه في البغي ، ولو امتنع المدعي من إقامة البينة لم يحكم عليه بشيء ، فكذلك لم يحكم عليه ، ولأن المدعي إذا امتنع من البينة كان للمدعى عليه إقامتها وتوجهت ، وكذلك المدعى عليه إذا قعد عن اليمين يكون للآخر ، ولأن المدعى عليه إذا امتنع من اليمين ، أو ناقصة كشاهد وامرأتين أو يمين ، وجب استغناؤه عن التكرار ، أو كالاعتراف ، والاعتراف يقبل في القود بخلافه ، والاعتبار لا يفتقر إلى تكرار بخلافه . احتجوا بقوله تعالى : [ ص: 78 ] ( النكول إن كان حجة كاملة كالشاهدين ، وجب القضاء به في الدماث إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) فمنع تعالى أن يستحق بيمينه على غيره حقا ، فلا ترد اليمين ، ليلا يستحق يمينه مال غيره ، ولأن الملاعن إذا نكل حد بمجرد النكول ، ولأن ابن الزبير ولى قضاء ابن أبي مليكة اليمن فجاء إلى فقال : إن هذا الرجل ولاني هذا البلد ، وإنه لا غنى لي عنك ، فقال له ابن عباس : اكتب إلي بما يبدو لك ، قال : فكتب إليه في جاريتين جرحت إحداهما الأخرى في كفها ، فكتب إليه ابن عباس : احبسهما إلى بعد العصر ، واقرأ عليهما : ( ابن عباس إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) قال : ففعل ذلك واستحلفهما ، فأبت ، فألزمها ذلك ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( ) فجعل اليمين في جهة المدعى عليه فلم تبق يمين تجعل في جانب المدعي ، وجعل حجة المدعي البينة ، وحجة المدعى عليه اليمين ، ولما يجز نقل حجة المدعي إلى جهة المدعى عليه ، لم يجز أيضا نقل حجة المدعى عليه إلى المدعي ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ) ولم يقل : أو يمينك . ولأن البينة للإثبات ، ويمين المدعى عليه للنفي ، فلما تعذر جعل البينة للنفي ، تعذر جعل اليمين للإثبات . شاهداك أو يمينه
والجواب عن الأول : أن معنى الآية : أن لا يتعمد اليمين الكاذبة ليقطع بها مال غيره وهذه ليست كذلك ، ومجرد الاحتمال لا يمنع ، ولا يمنع المدعى عليه من اليمين الرابعة ليلا يأخذ بها مال غيره ، بل يحكم بالظاهر ، وهو الصدق .
[ ص: 79 ] وعن الثاني : أن قذفه ، وإنما أيمانه مسقطة ، فإذا نفذ المانع عمل المقتضي ، والنكول عندكم مقتضى ، فلا جامع بينهما . وعن الثالث : أنه روي عن أبي أنه قال : اعترفت فألزمها ذلك ، ولعله برأيه لا برأي الموجب لحد الملاعن ، فإن ابن عباس لم يأمره بالحكم عليها بذلك ، و ( ش ) لا حجة في فعله . وعن الرابع : أنه ورد فيمن يتوجه عليه اليمين ابتداء ، ونحن نقول به ، وأما ما نحن فيه فلم يتعرض له الحديث ، ألا ترى أن المنكر قد يقيم البينة إذا ادعى وفاء الدين ، فكذلك اليمين قد توجه في حق المدعي في الرتبة الثانية . وعن الخامس : أنه لبيان من يتوجه عليه اليمين ابتداء في الرتبة الأولى ، كما تقدم تقديره . وعن السادس : أنه لم يجعل اليمين للإثبات باليمين مع النكول ، ثم إن البينة قد تكون للنفي كبينة القضاء فإنه نفي . ابن عباس
فرع : قال ابن يونس : إذا قام بها . قضي بالنكول واليمين فوجد الطالب بينة
فرع : في الجواهر : يحكم بالشاهد والنكول والمرأتين والنكول من المدعى عليه . خلافا ل ( ش ) ، لأن النكول سبب مؤثر في الحكم فيحكم به مع الشاهد كاليمين من المدعي ، وتأثيره : أن نكول المدعى عليه ينقل اليمين في الحقوق كلها ، بخلاف اليمين .