ثم النظر في العورة ما هي وفي سائرها ؟ أما العورة فثلاثة أقسام :
القسم الأول : الرجال ، في الجواهر أجمعت الأمة على أن : من السرة إلى الركبة ، وهما غير داخلتين وهو مذهب العراقيين السوءتين من الرجال عورة وفي غيرها ثلاثة أقوال ، ووافقهم والشافعي أبو حنيفة في السرة ، وخالف في الركبة ; لأنها مفصل وعظم الفخذ فيها وهو عورة فتكون عورة أو هما داخلتان ، أو السوءتان فقط . وروى أبو الفرج ما ظاهره أن . وجه المذهب ما في جميع بدن الرجل عورة في الصلاة أبي داود أنه - عليه السلام - لعلي : غط فخذك ، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت . وجه الاقتصار على السوءتين ما في قال مسلم : والبخاري خيبر انكشف [ ص: 103 ] الإزار عن فخذه ، قال أنس : حتى إني لأنظر إلى بياض فخذه عليه السلام . أنه عليه السلام يوم
قال صاحب الاستذكار : حديث علي - رضي الله عنه - ضعيف ، والذي يقتضيه النظر أن العورة السوءتان ، والفخذ والعانة حريم لهما .
القسم الثاني : الإماء وهن مثل الرجال ، قال في الكتاب : ، قال صاحب الطراز : اختلف في قوله شأنها هل معناه لا تندب إلى ذلك وهو الأظهر كالرجل ، أو يجوز لها ذلك مع الندب للستر ؟ وهو اختيار صاحب الجلاب وقد كان شأن الأمة أن تصلي بغير قناع عمر - رضي الله عنه - يمنع الإماء من الإزار وقال لابنه : ألم أخبر أن جاريتك خرجت في الإزار وتشبهت بالحرائر ، ولو لقيتها لأوجعتها ضربا .
فائدة :
: أن السفهاء جرت عادتهم بالتعرض للإماء دون الحرائر فخشي - رضي الله عنه - أن يلتبس الأمر فيتعرض السفهاء للحرائر ذوات الجلالة فتكون المفسدة أعظم ، وهذا معنى قوله تعالى : ( معنى نهي عمر - رضي الله عنه - الإماء عن تشبههن بالحرائر ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) أي : أن يتميزن بعلاماتهن عن غيرهن ! وألحق في الكتاب المكاتبة والمدبرة ، والمعتق بعضها بالأمة القن ، وأم الولد بالحرة ، وألحق صاحب الجلاب المكاتبة بأم الولد في استحباب الستر ، وألحق الشافعية الجميع بالأمة القن نظرا للميراث ونحن ننظر إلى عقود الحرية مع أنه قال في الكتاب : لا تصلي الأمة إلا [ ص: 104 ] وعلى جسدها ثوب . قال صاحب الطراز : والأمر بذلك متفق عليه ، إنما الخلاف في الوجوب وسواء كانت من العلي أو الوخش ، والمشهور عدم الوجوب . قال ابن حبيب : لو أعادت في الوقت ، وقوله تعالى : ( صلت الأمة مكشوفة الفخذ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) يقتضي العفو عن ; لأنه الذي يظهر عند الحركات للضرورة وعما يظهر من الأمة عند التقليب للشراء ، وهو ما عدا السرة والركبة . الوجه واليدين من الحرة
فرع :
قال صاحب الطراز : لو ، فقيل تستر ذلك ، وتتمادى إن كانت السترة قريبة وهو المشهور عندنا ، فإن بعدت فقيل تتمادى ، وقيل تقطع فإن قربت ولم تستر ، فقال أحرمت مكشوفة الساق أو نحوه مما يجوز لها كشفه فعتقت ابن القاسم : تعيد في الوقت ، وكذلك العريان خلافا لـ ( ح ) مفرقا بينهما فإن هذه حالة ضرورة بخلاف الأمة فإنها كانت يباح لها ذلك ، وقال : يقطعان ، وقال سحنون أصبغ : هي لا إعادة عليها في الوقت ولا بعده . وروى كالمتيمم يجد الماء في الصلاة ابن القاسم أحب إلي لو جعلتها نافلة وشفعتها وسلمت ، كمن سمع الإقامة ، وقال مالك : أحب إلي أن تعيد قال : وكذلك الخلاف في ، والرجل يسقط إزاره ، قال الحرة يلقي الريح خمارها ابن القاسم : إذا ، أخذه مكانه وأجزأه إذا لم يبعد ذلك ، قال سقط ثوب الإمام فظهر فرجه ودبره : ويعيد كل من نظر إلى فرجه ممن خلفه ولا شيء على من لم ينظر ، [ ص: 105 ] وقال في كتاب ابنه : صلاته وصلاتهم فاسدة وإن رده . قال صاحب البيان : بنى سحنون ابن القاسم على أصله أن ستر العورة سنة ، وعلى القول الآخر بفرضيتها يخرج ويستخلف ، فإن تمادى فصلاة الجميع فاسدة ، وهو قول قال : وآمر من نظر بالإعادة ; لأنه مرتكب لمعصية بالنظر ، قال : ويلزمه الإبطال بجميع وجوه العصيان وهو خلاف ما ذهب إليه سحنون التونسي من أنها تبطل لا بذلك ، ولا بالسرقة ، ولا بالغضب لو وقع في الصلاة ، ولذلك قال المازري : إن طرو اللباس على العريان والعتق على الأمة يتخرج على الخلاف في ستر العورة هل هي سنة وهي طريقة ابن القاسم ، أو فريضة وهي طريقة ؟ قال صاحب الطراز : فلو سحنون ، قال عتقت قبل الصلاة ولم تعلم حتى صلت أصبغ : تعيد في الوقت كما قال ابن القاسم ، وللشافعية قولان أحدهما : كقولنا ، والثاني تعيد أبدا ; لأنها مفرطة .
القسم الثالث : الحرائر ، في الجواهر أجسادهن كلها عورة إلا الوجه والكفين قال في الكتاب : إذا أعادت في الوقت ، وقال صلت بادية الشعر أو ظهور القدمين أشهب في المجموعة : أو بعض الفخذ أو البطن ، وقال ابن نافع في العتبية : لا إعادة عليها ، ووافقنا في أن الشافعي ، وخالفنا القدمين عورة أبو حنيفة ، لنا ما في الموطأ زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئلت ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب ؟ فقالت : تصلي في الخمار ، والدرع السابغ الذي يغيب ظهور قدميها أم سلمة . وقد رفعه عن أبو داود للنبي صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 106 ] فروع خمسة :
الأول : قال في الكتاب : إذا لا إعادة عليها . قال صلت متنقبة ابن القاسم : ذلك رأيي ، والتلثم كذلك ، ونهى عنه ، وأوجب الشافعي تغطية وجهها ، وكفيها لنا أن ذلك ليس عورة في الإحرام فلا يكون عورة في الصلاة ، ويستحب كشفه لمباشرة السجود والتلثم يستر الأنف ، وفي الموطأ عن ابن حنبل كان إذا رأى إنسانا سالم بن عبد الله جبذ الثوب عنه حتى يكشف فاه . قال صاحب الطراز : يغطي فاه في الصلاة ولمالك - رحمه الله - في كراهية تغطية اللحية قولان ، وكرهه أبو حنيفة .
الثاني : قال في الكتاب : بمنزلة الكبيرة ; لأن من أمر بالصلاة أمر بشروطها وفضائلها ، فلو صلت بغير قناع قال المراهقة أشهب في المجموعة : تعيد في الوقت ، وكذلك قال : لو صليا بغير وضوء أعادا أبدا ، وقال الصبي يصلي عريانا في كتاب ابنه : لا يعيدان . سحنون
الثالث : قال في الكتاب : يصلون أفذاذا قياما متباعدين بعضهم عن بعض ، وجماعة بإمام إن كانوا في ظلام . ووافقنا العاجزون عن الستر في تفرقهم وقيامهم وعدم إيمائهم بالسجود ، وخيرهم الشافعي أبو حنيفة بين القيام وبين [ ص: 107 ] الصلاة قعودا بإيماء ، وقال رضي الله عنهم أجمعين : يجب القعود . لنا النصوص الدالة على وجوب الركوع والسجود ، وأنها أركان متفق عليها والسترة شرط مختلف فيه ، والأركان مقدمة على الشروط ، والمجمع عليه مقدم على المختلف فيه . ابن حنبل
قاعدة :
الوسائل أبدا أخفض رتبة من المقاصد إجماعا ، فمهما تعارضا تعين تقديم المقاصد على الوسائل ، ولذلك قدمنا الصلاة على التوجه إلى الكعبة ; لكونه شرطا ووسيلة ، والصلاة مقصد ولذلك قدمنا الركوع والسجود اللذين هما مقصدان على السترة ، التي هي وسيلة فلو جمعوا نهارا قال صاحب الطراز : فعند ابن حبيب والشافعي ، قال : لأن الستر سقط عنهم بالعجز ، والتباعد مستحب لما فيه من غض البصر قال : فإن كثروا صفوا صفا آخر ، وغضوا أبصارهم فلو كانت امرأة يكونون صفا وإمامهم في صفهم ، قال لم تجد مكانا تستتر به عن الرجال مالك في العتبية : تصلي جالسة وإن كانت خلوة صلت قائمة ، قال صاحب الطراز : فلو كانوا في مكان ضيق صلى الرجال وصرف النساء وجوههن عنهم ، وصلى النساء وصرف الرجال وجوههم عنهن وهو قول ، فإن لم يكونوا ديانين فلا يكلف النساء القيام ، ولا الركوع ولا السجود لما في ذلك من الضرر العظيم الذي لا يحتمله طباعهن . الشافعي
الرابع : قال صاحب الطراز : لو لم يجز له العري واستحب له بعد صلاته دفع الثوب لغيره تعاونا على البر والتقوى ، ولا يجب إذ لا يجب عليه كشف عورته ، وقال بعض كان في العراة صاحب ثوب الشافعية إذا كان [ ص: 108 ] معه فضل سترة لا يلزمه دفعه ، بخلاف فضل الطعام للمضطر ; لأنه لا مندوحة عنه ، والسترة سقطت بالعجز .
الخامس : قال : لو كالماء للمتيمم ، لقلة المنة في ذلك فلو وهب له أعير له ثوب لزمه قبوله للقدرة على السترة فالشافعي لا يلزمه القبول ، كهبة الرقبة في الكفارة ويلزمه ، ويرده بعد صلاة ، ويلزم ربه أخذه قال : وهو الراجح فلو أعاره لجماعة والوقت ضيق صلى من لم يصل إليه عريانا ، ويعيد إذا وصل إليه في الوقت الموسع ، وقال : يؤخرون ما دام وقت الأداء متسعا فإن لم يعر المكتسي أحدا السترة وهو يصلح للإمامة أمهم متقدما عليهم .
الشافعي