النظر الثاني : في التصرف في المبيع قبل القبض ، وفيه فصلان :
الفصل الأول : في التصرف على وجه المكايسة ، وفي الجواهر : لا يقف شيء من إلا البيع فيمتنع في بيع الطعام قبل قبضه ، لقوله عليه السلام في الصحاح : ( التصرفات على القبض ) فيمتنع فيما فيه حق توفية من كيل أو وزن أو عدد ، إلا في غير المعلومة كالقرض والبدل ، ثم لا يجوز لمن صار إليه هذا بيعه قبل قبضه ، وأما ما بيع جزافا فيجوز قبل النقل إذا تخلى البائع بينه وبينه لحصول الاستيفاء ، ومنع ( ش ) و ( ح ) لقول من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه رضي الله عنهما : ابن عمر ، وقال كنا نبتاع الطعام على عهده عليه السلام فيبعث علينا من يأمرنا بنقله من المكان الذي نبتاعه فيه إلى مكان سواه رضي الله عنهما : كنا إذا ابتعنا طعاما جزافا لم نبعه حتى نحوله من مكانه ، قال ابن عمر سند : قال عبد الوهاب : ، قال التخلية قبض في الجزاف الباجي : مراده بالتخلية التوفية فعلى هذا إذا حبسه بالثمن يمتنع بيعه ، وعن مالك : منع بيع الجزاف قبل قبضه ، ويحتمل أن يريد بالقبض التخلية ، ويحتمل الحوز والنقل ، وفي الجواهر : والمشهور اختصاص المنع بالطعام ، ونعيمه فيه ، وقال ابن حبيب : يتعدى لما فيه حق توفية لنهيه - عليه السلام - في الترمذي عن ربح ما لم يضمن .
قال فيه الترمذي : صحيح ، وأشار ابن وهب في روايته إلى تخصيصه بالربوي [ ص: 134 ] من الطعام ، وقال ( ش ) و ( ح ) : يمتنع مطلقا ، واستثنى التصرف في المبيع قبل قبضه أبو حنيفة العقار ; لأن العقد لا يخشى انفساخه بهلاكه قبل القبض ، قال صاحب القبس : في البيع قبل القبض ستة أقوال : المنع مطلقا ( ش ) : المنع إلا في العقار ، ( ح ) : يختص بالربوي يعم المطعومات إلا الجزاف ويخصها ، مشهور مالك : يختص بالمطعومات والمعدودات ، لعبد العزيز بن أبي سلمة : يعم المطعومات والجزاف ، ووافق المشهور ، احتجا بأنه عليه السلام ابن حنبل عتاب بن أسيد أميرا على مكة أمره أن ينهاهم عن بيع ما لم يقبضوا ، وربح ما لم يضمنوا . لما بعث
وللحديث الذي صححه الترمذي سابقا ، والقياس على الطعام ، والجواب عن الأول معناه : نهيه عليه السلام عن بيع ما ليس عندك ، فنهى ، ويضمن الخلاص ، ودليله : قوله عليه السلام : ( الإنسان أن يبيع ملك غيره ) والغلة للمشتري فيكون الضمان له ، فما باع إلا مضمونا ، فما تناول الحديث محل النزاع ، وهو الجواب الثاني ، والجواب عن الثالث : أن الطعام أشرف من غيره لكونه سببا لقيام البنية وعماد الحياة ، فشدد الشرع فيه على عادته من تكثير الشروط فيما عظم شرفه ، كالشرط الولي والصداق في عقد النكاح دون عقد البيع ، ويشترط في القضاء ما لا يشترط في منصب الشهادة ، ثم يتأكد ما ذكرناه بمفهوم نهيه عليه السلام عن بيع الطعام [ ص: 135 ] حتى يستوفى . الخراج بالضمان
ومفهومه : أن غير الطعام يجوز بيعه ، وما لا توفية فيه كذلك ، فيجوز الجزاف من الطعام ، وبقوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) .
سؤال : أدلة الخصوم عامة في الطعام وغيره ، والقاعدة الأصولية : أن ذكر بعض أنواع العموم لا يخصصه ، فالحديث الخاص بالطعام لا يخصص تلك العمومات ، فإن من شرط المخصص أن يكون منافيا ، والجزء لا ينافي الكل ، والقاعدة أيضا : أن الخاص مقدم على العام عند التعارض ( وأحل الله البيع ) أعم من أدلة الخصوم فتقدم تلك الأدلة عليها ، والاعتماد في تخصيص تلك الأدلة على عمل المدينة لا يستقيم مع الخصم ; لأنه لا يسلم أنه حجة فضلا عن تخصيص الأدلة به .
فرع
قال اللخمي : اختلف في ، كمن أسلم في لبن غنم شهرا جزافا قال الجزاف إذا كان من ضمان البائع ابن القاسم : لا يبيعه حتى يحلبه كان حلابه كالتوفية ، وأجازه أشهب لعدم احتياجه إلى العيار ، قال سند : ليس المراد بمنع بيع الطعام ، ما سمي طعاما ، فالماء الأجاج ليس مرادا إجماعا ، وإن كان بيت الملح الذي هو طعام ، وفي الموازية : ليس بزر البصل والجوز والبطيخ والقرع والكراث من الطعام ، وقال ابن القاسم في حب الغاسول : ليس طعاما ، وإن كانت الأعراب تأكله ، والفرق بين التفاضل والبيع قبل القبض في الفواكه والخضر : أن الحاجة إلى التفاضل فيها آكد من الحاجة إلى البيع قبل القبض ; لأن الإنسان قد يقصد استبدال الكثير الأدنى بالخير القليل ، والغالب في هذه [ ص: 136 ] الأمور القبض عند العقد فلا حاجة لبيعها قبل قبضها .
فرع
قال : إذا منع المتأخرون قبضه ، فإن قبضه فالقياس : الرد إلى البائع الثاني ; لأن الأول قد برئ منه لما قبضه الأخير ، لأنه كقبض وكيله ، وهو ظاهر الموازية ، وفي السليمانية : يرد للبائع الأول ليأخذه مشتريه منه ; لأنه مقتضى العقد الأول ، ولم يوف به ، وليس للبائع إجازة البيع ; لأنه بيع الطعام قبل قبضه ، فإن غاب المبتاع الثاني وغاب على الطعام قال وقع بيع الطعام قبل قبضه محمد : يؤخذ الثمن من البائع ; ليشتري به طعام الغائب ويرد للبائع ، فإن كان أقل من كيله كان الباقي دينا على الغائب ، ولا يصدق البائع والمبتاع في العقد الثاني حتى تثبت بينة ، وحينئذ يلزم البائع الإتيان بالمثل ، ويخير المشتري بين أخذه وإمضاء البيع الأول ، وبين فسخ البيع عند أشهب ; لأن المبيع مقيد ، فلا يجبر على أخذ غيره ، ويتعين أخذ المثل عند مالك ; لأن ملك البائع الأول انتقل إلى المبتاع بالتعدي على ملك البائع ، وإن ادعى على البائع التلف وجهل ، جبره عليه مبلغ الطعام عند ابن القاسم ، ولا يصدق .
فرع
إذا يختلف في بيعه قبل قبضه ورجع اشترى جزء صبرة مالك إلى الجواز ; لأن الجزء مشاع مقسوم بتعين الجملة ، كما في العبد والدابة ، وكذلك يطالب [ ص: 137 ] المتعدي على جزء الصبرة بذلك الجزء بخلاف المكيل ، فإنما يطالبه المالك بها .
فرع
قال : إذا يمتنع بيعها حتى يراها ، قال اشترى صبرة غائبة على الصفة محمد : لأنها في ضمان البائع ، ويتخرج الخلاف فيها على الخلاف في ضمان بيع الغائب من البائع أو من المشتري .
فرع
قال : قال الشافعية : من شرط صحة البيع أن يكيله البائع للمبتاع ، واختلفوا إذا اكتال ولم يفرغ ; لقوله عليه السلام في : ( البخاري ) إذا ابتعت فاكتل ، وإذا بعت فكله . ولنهيه عليه السلام عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان
والجواب عن الأول معناه : النهي عن تأخير القبض خشية الغرر ، وعن الثاني : أنه ليس في الصحاح ولا المشاهير ، وهو متروك الظاهر بالجزاف والموزون ، معارض بالقياس على الجزاف والموزون والمعدود .
فرع
قال : إذا ، جاز بيعه قبل أخذه منه ; لأنه وديعة ، وقاله قبض الطعام وتركه عند زوجة البائع ، أو من هو متعلق به مالك في الغريم نفسه .
[ ص: 138 ] فرع
في الكتاب : تمتنع ، ولا المواعدة في بيع الطعام قبل قبضه سدا للذريعة ، قال بيع طعام تنوي أن تقبضه من الطعام الذي اشتريت أبو الطاهر : أجرى اللخمي المواعدة في بيع الطعام قبل قبضه على المواعدة في الصرف فيكون فيها ثلاثة أقوال ، وليس كما قال ، بل هي كالمواعدة على النكاح ، والفرق بينهما وبين الصرف : أن المواعدة منعت فيها خشية تعجيل العقد ، وتعجيل العقد في الصرف غير ممنوع ، فلا يختلف في منع المواعدة في النكاح ، والتعريض في الطعام كالتعريض في النكاح في العدة .
فرع
قال صاحب البيان : لا يجوز بيعه قبل قبضه إذا أسلم فيه ; لأنه طعام ، وحياته مستعارة عند طير الماء الذي لا يستحيى ابن القاسم ، وأجازه أشهب نظرا لحياته ، وإن اشتراه معينا جاز عندهما لدخوله بالعقد في ضمانه كالجزاف .