النظر الثالث : في أداء المسلم فيه ، ثم البحث عن مقداره وصفته وزمانه ومكانه .
فهذه أربعة أبحاث :
البحث الأول : في : مقداره
وفي الكتاب : ما اشترط أخذه في إبانه فانقطع إبانه قبل أخذه بتأخير السنة الثانية توفية بالعقد ، ثم رجع إلى جواز أخذ بقية رأس المال ; لأن التأخير ضرر ، قال ابن القاسم : من طلب التأخير منهما فذلك له ؛ نظرا للمدركين ، فإن اجتمعا على المحاسبة جاز .
قال سند : إن لم يقبض من المبيع شيئا جاز الاتفاق على الفسخ ; لأنه إقالة ، وإن اتفقا على التأخير جاز عند ابن القاسم لتعلق الضرر بهما ، وامتنع عند أشهب كأنه فسخ دين في دين ، وإن اختلفا فقولان : أحدهما : يقدم من طلب المحاسبة ؛ لأنه نفي للضرر ، وثانيها : طالب التأخير لأنه الأصل في اعتبار العقد حتى يوفي به ، فإن قبض البعض فالمشهور : عدم الفسخ في الباقي توفية بالعقد .
قاله ( ش ) و ( ح ) ويفسخ عند أشهب في الباقي ; لأن العقد يتناول ثمرة عام بيعه ، فتعذره يوجب الفسخ كالعقد على الصبرة المعينة ، وعن ابن القاسم : يختص خيار الفسخ بالمشتري ، وقاله مالك و ( ش ) و ( ح ) ; لأنه صاحب المثمن الذي هو مقصد العقد ، والثمن إنما هو وسيلة ، وقال أصبغ : تكلفهما المحاسبة إلا أن يتفقا على التأخير لشمول الضرر لهما ، وإذا قلنا بالتراضي على الفسخ إذا قبض شيئا ، فهل يجوز في البعض ؟ وهو الذي حكى فيه الخلاف في [ ص: 278 ] الكتاب ، وإذا قلنا بالفسخ فله أن يأخذ بالقيمة ما شاء غير الطعام ، منعه أشهب ، وكرهه ابن وهب ; لأنه طعام نقدا من طعام ، وأجازه محمد لوقوع الفسخ فيبطل الطعام الأول ، وعن ابن الكاتب : إنما يقع ذلك إذا حكم بالفسخ ، وأشهد عليه بالحكم بتحقق الإبطال ، وقال عبد الحق : يكفي الحكم دون الإشهاد لعدم توقف الفتيا عليه ، فأما السلم في حائط معين ينقطع ثمره ، فليس له إلا الثمن ، ويمنع التأخير لفوات المعقود عليه ، وله أن يأخذ ما اتفقا عليه ولم يختلف في هذا ، كذهاب بعض الصبرة ، ولقوة شبهه بالعروض المعينة ، والأول في الذمة جزما ، إنما الخلاف في خروج الإبان ، وإذا فات بعض ثمر الحائط المعين : ففي الكتاب : يرجع ببقية الثمن ; لأن الثمن موزع على المبيع ، وقال الباجي : ذلك إذا اشترط أخذ المبيع في وقت معين أما في أيام تختلف فيها القيم : فالحساب بالقيمة ، واختاره التونسي وغيره ، وليس له أن يدفع ما خصه في سلعة تتأخر ; لأنه فسخ دين في دين ، بل في سلعة معجلة ، فإن تأخرت لمنفعة من إشهاد أو استخدام أجازه الباجي بغير شرط ، وإن شرط حبسها لغير منفعة : ففي الكتاب : لا يعجبني ولا أفسخه ; لأن المعين ليس بدين ، وإن كانت فيما لا يمكن تعجيله كالخادم فيها العهدة ، والبيع بالخيار قبل جذاذها ، وسكنى الدار ، منعه ابن القاسم لشبهه بالدين وأجازه أشهب ; لأن الدين لا يكون إلا في الذمم دون الأعيان ، قال صاحب التنبيهات : إذا خرج إبان الثمرة قبل قبضها فستة أقوال : يتأخر لإبان ثان ، له أخذ بقية الثمن الآن ، القولان لمالك ، ولابن القاسم : يخير المشتري في التأخير دون البائع للتفرقة بين قبض أكثر المبيع فيجوز التأخير لقابل ، وإلا فالمحاسبة الآن . لمالك ; لأن قبض الأقل مغتفر وتتغير المحاسبة الآن . لأشهب ، والمحاسبة الآن إلا أن يجتمعا على التأخير ، لأصبغ . قال اللخمي : وقول أشهب أصح إذا ذهبت [ ص: 279 ] الثمار بالجوائح السماوية ، وإن كان عدم القبض لرد البائع حتى خرج الإبان ، كان للطالب الخيار في التأخير ، وإن كان لهرب المشتري خير البائع ، قال : وأرى أن يدفع البائع التمر أو الرطب إلى الحاكم ; لأنه وكيل إذا خشي فساده ، قال : وإذا أخذ ورقا فيما بقي ورأس المال ذهب جاز إن كان الذهاب بالجوائح ; لعدم التهمة على الصرف المستأخر ، وعن مالك جوازه إذا كان الفوات لخروج الإبان ، وكذلك أخذ الطعام في الطعام ، وأما السلم في الحائط المعين فيتعذر الأخذ والقرية ينفسخ اتفاقا كالصبرة ، قال أبو الطاهر : في القرية والصبرة قولان كالحائط المعين ، وإلحاقها بالمضمون في الخلاف المتقدم لحصول الشبهين فيها .
فرع
قال ابن يونس : أجاز في الكتاب : ; لأنها يباع بعضها ببعض ، وقال أخذ نوع من الحبوب بدلا من نوع آخر محمد : وكذلك لحم البقر في الضأن في يوم أجله ، ولا يعجل في ذلك اليوم أكثر ما له ; لئلا يكون بيعا للطعام قبل قبضه ، فإن أخذ أكثر وزاد امتنع ; لأنه بيع الطعام قبل قبضه ، أو أدنى عرضا امتنع ، ويمتنع أخذ طير الماء في الدجاج والإوز ; لأنه يراد للحم وهما للتربية ، فهو بيع الحيوان باللحم ، ويمتنع أخذ العصافير المذبوحة في الحية ; لأنه بيع الحيوان باللحم ، وفي الكتاب : يجوز أخذ القميصين في الرايطة وجدت الرايطة أم لا ; لأن الرايطة ليست طعاما ، ولا ربا بينهما وبين القميصين .
فائدة : قال صاحب التنبيهات : الرايطة مثل الملاءة والملحفة إذا لم تلبس ، والمعروف في العربية : ريطة .