مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وقال عمر لكعب في جرادتين ما جعلت في نفسك ؟ قال درهمين ، قال بخ درهمان خير من مائة جرادة افعل ما جعلت في نفسك ، وروي عنه أنه قال في جرادة تمرة ، وقال ابن عباس في جرادة تصدق بقبضة طعام وليأخذن بقبضة جرادات فدل ذلك على أنهما رأيا في ذلك القيمة فأمرا بالاحتياط " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، ، وهو مضمون بالجزاء . الجراد من صيد البر حرام على المحرم
وقالت طائفة : هو من صيد البحر من بئر جوث ، ولا جزاء فيه ، وبه قال من الصحابة أبو سعيد الخدري ، ومن التابعين عروة بن الزبير .
ومن الفقهاء داود بن علي الظاهري استدلالا برواية أبي المهزم عن أبي هريرة قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة فلقينا رجلا من جراد فجعلنا نقتلهم بسياطنا وعصينا فأسقط في أيدينا ، وقلنا : ما صنعنا ونحن محرمون ، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا بأس ، صيد البحر فلما جعله النبي صلى الله عليه وسلم من صيد البحر علم أنه لا جزاء فيه ، كما لا جزاء في صيد البحر : ولأن الجراد كصيد البحر في أنه مأكول ميتا فوجب أن يكون كصيد البحر في أنه غير مضمون بالجزاء .
والدلالة عليهم : رواية أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن مريم بنت عمران سألت ربها أن يطعمها لحما لا دم فيه ، فأطعمها الجراد ، فقالت : اللهم أعشه بغير رضاع ، وتابع بيته بغير شياع .
[ ص: 333 ] قال ابن قتيبة : الشياع دعاء الداعي ، أي : يتابع بيته في الطيران : لأنه منع بعضه بعضا ، ويأتلف من غير أن يشايع كما تشايع الغنم ، فهذا الحديث يدل على أنه من صيد البر من وجهين :
أحدهما : أنها سألت ربها أن يطعمها لحما لا دم فيه ، وقد علمت أن صيد البحر لا دم فيه ، فأطعمها الجراد ، وليس في صيد البر لحم لا دم فيه سوى الجراد .
والثاني : قول مريم : اللهم أعشه بغير رضاع ، وتابع بيته بغير شياع ، فدعت ربها أن يخصه بذلك بعد أن لم يكن مخصوصا ، فعلم أنه كان قبل دعوتها يعيش برضاع ، ولا يجتمع بغير شياع ، وذلك " من صفات صيد البر : ولأن صيد البحر : ما كان عيشه في البحر ، وعيش الجراد في البر ، وموته في البحر ، فعلم أنه من صيد البر دون البحر ، وإذا كان هكذا وجب فيه الجزاء : لقوله تعالى : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم [ المائدة : 95 ] ، وروى يوسف بن ماهك عن عبد الله بن أبي عمار أخبره أنه أقبل مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس محرمين من بيت المقدس بغمرة ، حتى إذا كنا ببعض الطريق ، وكعب على نار يصطلي مر به رجل من جراد ، فأخذ جرادتين فقتلهما ونسي إحرامه ، ثم ذكر إحرامه فألقاهما ، فلما قدمنا المدينة قص كعب قصة الجرادتين على عمر فقال : ما جعلت في نفسك ، قال : درهمين ، قال عمر : بخ درهمان خير من مائة جرادة ، فدل حديث كعب على ، وأن جواز الإحرام قبل الميقات ، وأن قاتل الصيد ناسيا كالعامد وأن فيه قيمته : لأنه صيد مأكول يأوي البر . الجراد من صيد البر ، وأنه مضمون بالجزاء
فوجب أن يكون مضمونا بالجزاء كسائر القيود ، فأما استدلالهم بالخبر فضعيف : لأن أبا المهزم مجهول ، وأما جواز أكلها بعد الموت فلا يمنع من اختلاف حكمها في الحياة .