قال الماوردي : فهذا كما قال : " غروب الشمس وهو : أن يسقط القرص ويغيب حاجب الشمس ، وهو الضوء المستعلي عليها كالمتصل بها ، وقال بعض أهل اللغة : هو أحد قرنيها أول ما يطلع منها وآخر ما يغرب منها واستشهد بقول وأول وقت المغرب قيس بن الخطيم :
تبدت لنا كالشمس تحت غمامة بدا حاجب منها وضنت بحاجب
ولا وجه لما ذهبت إليه الشيعة من أن أول وقتها إذا اشتبكت النجوم ، لرواية سلمة بن الأكوع قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها "وروى أبو محذورة قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أذنت للمغرب فاحدرها مع الشمس حدرا "
وروى " أبو نعيم " عن جابر قال : بني سلمة ، فنبصر مواقع النبل من الأسفار " . فإذا ثبت أن أول وقتها سقوط القرص فليس لها إلا وقت واحد كنا نصلي المغرب ، ثم نخرج نتناضل حتى نبلغ بيوت
وقال أبو حنيفة : لها وقتان يمتد الثاني منهما إلى غروب الشفق وقد حكاه أبو ثور عن [ ص: 20 ] الشافعي في القديم ، فمن أصحابنا من خرجه قولا ثانيا وأنكره جمهورهم أن يكون قولا محكيا عنه : لأن الزعفراني وهو أثبت أصحاب القديم حكى عنه للمغرب وقتا واحدا
واستدل من قال بالوقتين برواية شعبة عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وبرواية وقت المغرب ما لم يسقط نور الشفق علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب في اليوم الأول حين غربت الشمس ، وفي اليوم الثاني حين غاب الشفق "
وبرواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وبرواية إن للصلاة أولا وآخرا ، وإن أول وقت المغرب إذا غربت الشمس وآخره حين يغيب [ الشفق ] زيد بن ثابت ، ولا يمكن قراءتها مع طولها إلا مع طويل الزمان ، فدل على طول المغرب ، ولأنها صلاة فرض فجاز أن تكون ذات وقتين كسائر المفروضات ، ولأنها صلاة تجمع إلى غيرها فوجب أن يتصل وقتها بوقت ما يجمع إليها ، كالظهر ، والعصر ، ولأن صلاة المغرب تجب على الصبي إذا بلغ ، والحائض إذا طهرت ، والكافر إذا أسلم قبل غيبوبة الشفق ، فلولا أنه وقتها ما وجب عليهم فرضها اعتبارا لأول وقتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ الأعراف في المغرب
ودليلنا حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : جبريل فصلى بي المغرب في اليوم الأول حين أفطر الصائم ، ثم صلى بي المغرب في اليوم الثاني للقدر الأول لم يؤخرها أمني
وحديث عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بين الأوقات للسائل ، صلى المغرب في اليوم الأول حين غابت الشمس ، وفي اليوم الثاني لوقتها بالأمس
وروى مخرمة بن سليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : جبريل ظهرين وعصرين وعشاءين ، فقدم وأخر ، والمغرب لوقت واحد أمني
[ ص: 21 ] وروى يزيد بن أبي حبيب مرثد بن عبد الله قال : قدم علينا أبو أيوب غازيا ، وعقبة بن عامر يومئذ على " مصر " ، فأخر المغرب ، فقام إليه أبو أيوب فقال : ما هذه الصلاة يا عقبة ؟ فقال : شغلنا ، فقال : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تزال أمتي على فطرتي ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم " عن
فكان صريح الخبر ، وإنكار أبي أيوب دليلا على أنها ليس لها إلا وقت واحد
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تزال أمتي على سنتي ما بكروا بصلاة المغرب
فدل على أن تأخيرها ليس مما جاءت به سنته صلى الله عليه وسلم
وروي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أخر ليلة المغرب حتى طلع نجمان فأعتق رقبتين . قال : " صلوا هذه الصلاة والفجاج مسفرة " . وهذا بمشهد الصحابة ، فدل هذا مع إنكار أبي أيوب على عقبة على أنهم مجمعون على أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد
وأما القياس : وإن لم يكن في المواقيت أصلا معتبرا ، ولكن يقابل به ما أورده فهو أنها صلاة فرض لا تقصر ، فوجب أن ينفصل وقتها عن وقت ما بعدها كالصبح ، ولأنها صلاة فرض ، فوجب أن يكون وقتها في الشفع والوتر كعددها أصله سائر الصلوات ، لما كانت شفعا في العدد كانت شفعا في الوقت ، والمغرب لما كانت وترا في العدد كانت وترا في الوقت ، وقد قيل : في تأويل قوله تعالى : والشفع والوتر [ الفجر : 3 ] . أنها الصلوات الخمس منها شفع كالظهر ، ووتر كالمغرب
فأما الجواب عن حديث عبد الله بن عمر ، فقد رواه شعبة في آخر أيامه موقوفا عليه ، فقيل : إنك وصلته . فقال : إن كنت مجنونا فقد أفقت
وأما حديث سلمان بن بريدة عن أبيه ، فهو في الضعف عند أصحاب الحديث ، كعمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده ، وقد أنكر هذا الحديث يحيى بن سعيد ، وقال مسلم : لا يحدث بهذا وأمرض سمعه فضرب عليه
وأما حديث أبي هريرة ، فقد غلط فيه ابن فضيل ، وهو الذي رواه عن الأعمش ، عن أبي صالح ، وقد روي عن أبي هريرة مسندا أن لها وقتا واحدا ، ثم لو سلمنا هذه الأخبار الثلاثة لجاز أن نستعملها على وقت الاستدامة دون الابتداء على مذهب الإصطخري من أصحابنا ، وأما قراءة النبي صلى الله عليه وسلم " بالأعراف في المغرب " ففيه أجوبة :
[ ص: 22 ] أحدها : أن السورة كانت تنزل متفرقة ولم تكن تكامل إلا بعد حين فيجوز إن قرأها قبل تكاملها وكانت آيات يسيرة ، ألا ترى أن سورة المزمل مع قصرها عن الأعراف فكان بين أولها وآخرها سنة
والثاني : أنه قرأ منها الآي التي فيها ذكر الأعراف ، فقيل : قرأ الأعراف . كما يقول القائل : شربت ماء المطر وأكلت خبز البصرة . وإنما أكل وشرب شيئا منه
والثالث : أنه محمول على الاستدامة ، وأما قياسهم على سائر الصلوات ، فالمعنى فيها : أنها شفع في العدد ، وهذا وتر في العدد ، وأما قياسهم على الظهر والعصر ، فمنازع فيه بمعارضة قياسنا له . وأما الجواب عن استدلالهم بوجوبها على أصحاب الضرورات ، فهو : أن أصحاب الضرورات والأعذار يلزمهم فرضها إلى طلوع الفجر عندنا ، وإن لم يكن وقتا لها ، لأن وقت المغرب والعشاء في الضرورات واحد