فصل : فإذا ثبت فضل الأذان بما ذكرنا ، أيضا والقيام بها سنة ، روى فالإقامة فضيلة الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن اللهم فأرشد الأئمة واغفر للمؤذنين
فإن قيل : قلنا : للإنسان فيها أربعة أحوال : فأيما أفضل الأذان أو الإقامة ؟
أحدها : أن يمكنه القيام بهما والفراغ لهما والجمع بينهما أولى لحوز شرف المنزلتين ، وثواب الفضيلتين
والحال الثانية : أن يكون عاجزا عن الإمامة لقلة علمه بأحكام الصلاة وضعف قراءته ، ويكون قادرا على الأذان ، لعلو صوته ، ومعرفته بالأوقات فأولى بمثل هذا أن ينفرد بالأذان ، فهو أفضل له ، ولا يتعرض للإمامة
والحال الثالثة : أن يكون عاجزا عن الأذان لضعف قوته وقلة إبلاغه ويكون قيما بالإمامة ، لعلمه بأحكام الصلاة وصحة قراءته ، فالأفضل لهذا أن يكون إماما ولا ينتدب للأذان
[ ص: 62 ] والحال الرابعة : أن يصلح لكل واحد منهما ، ولا يعجز عن أحدهما وليس يمكنه الجمع بينهما ، فقد اختلف أصحابنا أيهما أفضل له أن ينقطع إليه وينفرد به ؟ على وجهين :
أحدهما : أن الإمامة أفضل من الأذان ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تفرد بالإمامة دون الأذان ، وكذلك خلفاؤه الراشدون بعده وهو لا ينفرد إلا بأفضل الأمرين وأعلى المنزلتين : لأن الإمامة أكثر عملا وأظهر مشقة ، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة
والوجه الثاني : أن الأذان أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم : فدل هذا الخبر على الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن اللهم فأرشد الأئمة واغفر للمؤذنين من وجهين : فضل الأذان على الإمامة
أحدهما : أن منزلة الأمانة أعلى من منزلة الضمان
والثاني : أنه دعاء للإمام بالرشد ، وذلك لخوفه من زيغه ، ودعا للمؤذن بالمغفرة وذلك لعلمه بسلامة حاله ، وأما ففيها أجوبة : ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بالإمامة
أحدها : أن في الأذان الشهادة برسالته واعتراف غيره بذلك أولى
والثاني : أنه لو أذن لكان لا يحتاج أن يقول وأشهد أني رسول الله فلا يأمن أن يتبعه المؤذنون فيه
والثالث : أنه كان متشاغلا بالرسالة ، والقيام بأمر المسلمين عن الفراغ للأذان والانقطاع إليه ، وكذلك قال عمر - رضي الله عنه - : " لولا الخلافة لأذنت "