فصل : فلو ، لم يبرأ من الزيادة على العشرة ؛ لأنها مجهولة ، وفي براءته من العشرة المعلومة وجهان : علمت أن مهر مثلها لا ينقص عن عشرة دنانير ، وجهلت الزيادة عليها ، فأبرأته من جميعه
أحدهما : أنه يبرأ منها ؛ لكونها معلومة القدر .
والوجه الثاني : لا يبرأ منها ؛ لأنها بعض جملة مجهولة فجرى على جميعها حكم الجهالة كما لو ضمن ما يعلم بعضه ويجهل جميعه كان ضمان الجميع باطلا .
فإن كان مهر مثلها مجهول القدر معلوم الطرفين ، مثل أن تعلم : أنه لا ينقص عن عشرة دنانير ، ولا يزيد على عشرين دينارا ، فللبراءة منه حالان :
حال بالإبراء ، وحال بالأداء .
فأما الإبراء : فالطريق إلى صحته أن تقول : قد أبرأتك من دينار إلى عشرين دينارا ، فيبرأ ؛ لأن العلم بالطرفين يجعل الوسط ملحقا بهما ، فلو أبرأته من الزيادة على العشرة إلى العشرين ، صح ، وصار ما تستحقه عليه من المهر عشرة دنانير .
فلو قالت : قد أبرأتك من عشرة إلى عشرين برئ من الجميع ؛ لأن الحدين يدخلان في المحدود إذا جانساه ، فالحد الأول : هو المبتدأ منه ، والحد الثاني : هو المنتهى إليه .
وقال أبو حنيفة : يدخل فيه الحد الأول المبتدأ منه ، ولا يدخل فيه الحد الثاني المنتهى إليه ، فيبرأ من تسعة عشر دينارا .
وقال زفر بن الهذيل : لا يدخل فيه واحد من الحدين ، لا المبتدأ منه ، ولا المنتهى إليه ، فيبرأ من تسعة دنانير .
[ ص: 529 ] والدليل على دخول الحدين فيه - وهو قول أبي يوسف - : أن " من " حرف لابتداء غاية الشيء ، و " إلى " حرف لانتهاء غاية الشيء ، وابتداء الشيء وانتهاؤه طرفاه ، وطرفا الشيء من جملته ، فلذلك وجب دخول الحد في المحدود .
وأما فضربان : الإبراء بالأداء
أحدهما : أن يدفع إليها عشرين دينارا ، فقد دخل فيها جميع مهرها فبرئ منه ، عشرة منها متحققة ، والعشرة الأخرى مشكوكة ، فتحتاج أن يبرئها من دينار إلى عشرة فيبرئان جميعا .
والضرب الثاني : أن يدفع إليها عشرة فيحتاج أن تكون هي المبرئة له من دينار إلى عشرة ، فيبرأ حينئذ من جميع مهرها بالأداء والإبراء .
وإذا كان ، لم يصح الإبراء . مهرها معلوما في الذمة ، فقالت : قد أبرأتك منه إن شئت ، فقال : قد شئت
ولو كانت عينا قائمة ، فقالت : قد وهبته لك إن شئت ، فقال : قد قبلت وشئت ، صحت الهبة .
والفرق بينهما : أن الإبراء إسقاط لا يراعى فيه المشيئة كما لا يراعى فيه القبول ، والهبة تمليك يراعى فيه المشيئة كما يراعى فيه القبول ، فافترقا .