مسألة : قال  المزني      : " وقد قال لو  قال لها إن أعطيتني شاة ميتة أو خنزيرا أو زق خمر فأنت طالق ففعلت   طلقت ويرجع عليها بمهر مثلها " .  
قال  الماوردي      : وهذا صحيح إذا قال لها : إن أعطيتني خمرا أو خنزيرا أو شاة ميتة فأنت طالق ، فأعطته ذلك ، طلقت ، وإن لم تملك الخمر والخنزير لوجود الصفة بدفعه ، فإن قيل : أفليس لو قال لها : إن أعطيتني هذا العبد فأنت طالق ، فأعطته إياه ، وهو مغصوب لم تطلق ، وإن كانت الصفة موجودة ، لأنه لا يصح أن يملكه عنها فهلا كان في الخمر والخنزير لا تطلق بدفعه ، وإن كانت الصفة موجودة ، لأنه لا يملك عنها .  
قيل : الفرق بينهما أن العبد مال يجوز أن يملك فصار التمليك فيه مقصودا ، فجاز أن يصير في الحكم مشروطا ، وإن منع الشرع من تملكه بالجهالة ، وليس كذلك الخمر والخنزير ، لأنه ليس بمال فلم يصر التملك فيه مقصودا ، فقوي فيه حكم الطلاق بالصفة ، فإذا ثبت وقوع الطلاق بدفعه وقع بائنا ، وله عليها مهر مثلها .  
وقال  أبو حنيفة      : يقع رجعيا ، ولا شيء له عليها استدلالا بأن الخمر ليس بعوض فصار مطلقا لها بغير عوض ، والطلاق بغير عوض يكون رجعيا ، فكذلك بما لا يجوز أن يكون عوضا .  
ولأن  خروج البضع من ملك الزوج غير مقوم ولا يكون استهلاكا لمال يستحق قيمته لثلاثة أمور      :  
أحدها : جواز طلاقه في المرض الذي يمنع فيه من استهلاك ماله ، ولا تكون قيمة البضع معتبرة من ثلاثة كالعطايا ، والهبات .  
والثاني : أنها لو قتلت نفسا فاستهلكت على الزوج بضعها لم يستحق الزوج عليها قيمته ، ولو كان مالا لوجب له عليها مهر المثل .  
والثالث : أنه لا يجوز لأب الصغيرة أن يخالع عنها بمالها ، ولو كان البضع مالا لجاز أن يتملكه لها بمالها كما يجوز أن يشتري لها عقارا .  
ودليلنا هو أنه خلع على عوض فاسد فاقتضى وقوع الطلاق فيه أن يوجب الرجوع ببدل البضع .  
أصله إذا خالعها على عصير فوجده خمرا .      [ ص: 64 ] قال  أبو حنيفة      : يرجع عليها بالمهر الذي دفعه إليها في النكاح .  
فإن قيل : فالمعنى في الأصل أن الزوج لم يرض بخروج البضع من ملكه بغير بدل ، لأنه ظنه عصيرا ، فجاز أن يستحق فيه البدل وفي الفرع قد علمه خمرا فرضي بخروج البضع بغير بدل فلم يستحق فيه البدل .  
فالجواب : أنه منتقض بالنكاح فإنها إذا تزوجت برجل على خمر كان لها مهر المثل ، وإن علمت أنه خمر كما لو تزوجته على عصير فكان خمرا لا فرق بينهما فكذلك في الخلع .  
وتحريره قياسا فنقول : لأنه بضع ملك بخمر لا يملك فوجب الرجوع إلى مهر المثل كالنكاح .  
فإن قيل البضع مقوم في حق الزوجة وغير مقوم في حق الزوج لأنها لو وطئت بشبهة لكان مهر المثل لها دون الزوج .  
قيل لأن هذا الوطء ما حرمها عليه فلم يصر البضع مستهلكا عليه فلذلك لم يضمن في حقه ولو حرمها عليه وطئها أبوه أو ابنه كان له الرجوع بمهر المثل ، لأنه صار مستهلكا عليه ولك تحرير هذا قياسا ثالثا فنقول : ما تقوم في انتقاله إليه ببدل تقوم في انتقاله عنه بذلك البدل كالمثمنات يستوي في استحقاقه المسمى في الجهتين إذا صح وفي القيمة إذا فسد .  
فأما الجواب عن استدلاله بأن خلعها بالخمر الذي لا يكون عوضا رضي منه بخلعها على غير عوض ، فهو أنه قد يملك العوض الفاسد كما يملك الخمر فلما وجب له في العوض الفاسد مهر المثل مع علمه وجهله وجب له في الخمر مهر المثل مع علمه وجهله .  
وأما استدلاله بأن البضع لا يقوم في حق الزوج لإمضاء طلاقه في المرض ففاسد بتقويمه في حقه إذا خالع على عوض فاسد ، وإن ما لم يقوم في حقوق الورثة إذا طلق في المرض وإن قوم عتقه وهباته لأنهم لا يرثون الزوجة لو لم يطلقها ويرثون الأعيان التي وهبها وأعتقها .  
وأما استدلاله بأنها لو قتلت نفسا لم يرجع عليها بمهر مثلها .  
فالجواب عنه أن الأطراف تدخل في حكم النفس ، لأن من قطع يد رجل ثم قتله دخلت دية يده في دية نفسه ، والبضع كالطرف فإذا اقترن به تلف النفس دخل في حكمه ، وهو لاحق به في دية النفس فلذلك لم يكن له حق في قيمة البضع ، ولأن المنافع مقومة      [ ص: 65 ] في حق المستأجر ، ولو استأجر عبدا فقتل ضمن القاتل قيمته لسيده ، ولم يضمن منفعته لمستأجره ، وإن كانت المنافع مقومة في حقه كذلك في قيمة البضع .  
وأما استدلاله بأن الأب لا يخالع عن بنته الصغيرة فلأنه قد كان يقدر أن يتملك لها بالمال من العقار ما هو أنفع لها ، ولأنه بالخلع وإن ملكها بعضها فقد أسقط به نفقتها فلذلك يمنع .  
				
						
						
