المسألة الخامسة : إذا تقدم على هذا أن عوض الكتابة لا يكون إلا دينا كما سبق ، ويجوز كونه نقدا وعرضا موصوفا ، وأن من له دين فقبضه فوجده دون المشروط ، فله رده ، وطلب ما استحقه ، ولا يبطل العقد ، فإن كان المقبوض من غير جنس حقه لم يملكه إلا أن يعتاضه حيث يجوز الاعتياض . قبض النجوم فوجدها ناقصة
وإن اطلع على عيب به نظر هل يرضى به ، فإن رضي ، فهل نقول : ملكه بالرضى ، أم نقول : ملكه بالقبض وتأكد الملك بالرضى ؟ فيه قولان .
وإن رده فهل نقول : ملكه بالقبض ، ثم انتقض الملك بالرد ، أم نقول : إذا رد تبين أنه لا يملكه ؟ فيه قولان ويبنى على هذا الخلاف مسائل سبقت كلها أو بعضها .
منها : تصارفا في الذمة ، وتقابضا ، وتفرقا ، فوجد أحدهما بما قبضه عيبا ، فرده ، إن قلنا : [ ملك ] بالقبض صح العقد ، وإن قلنا : تبين أنه لم يملك ، فالعقد فاسد ؛ لأنهما تفرقا قبل قبض .
ومنها : ؟ يبنى على هذا الخلاف . أسلم في جارية ، وقبض جارية ، فوجدها معيبة فردها ، هل على المسلم إليه استبراؤها
ومنها : قال الإمام : الموصوف في الذمة إذا قبضه فوجده معيبا إن قلنا : يملكه بالرضى ، فلا شك أن الرد ليس على الفور ، والملك موقوف على الرضى ، وإن قلنا : يملك بالقبض ، فيحتمل أن [ ص: 246 ] يقال : الرد على الفور كما في شراء الأعيان ، والأوجه : المنع ؛ لأنه ليس بمعقود عليه ، وإنما يثبت الفور فيما يؤدي رده إلى رفع العقد إبقاء للعقد .
إذا ثبت هذا ، فإن وجد السيد بالنجوم المقبوضة أو بعضها عيبا له الخيار بين أن يرضى به ، أو يرده ، ويطالب ببدله سواء العيب اليسير والفاحش ، فإن كان العيب في النجم الأخير ، فإن رضي به ، فالعتق نافذ قطعا ، ويكون رضاه بالعيب كالإبراء عن بعض الحق .
وهل يحصل العتق من وقت القبض ، أم عند الرضى ؟ وجهان أصحهما : الأول .
وإن أراد الرد والاستبدال ، فرد فإن قلنا : نتبين بالرد أن الملك لم يحصل بالقبض ، فلا عتق ، وإن أدى بعد ذلك على الصفة المستحقة حصل العتق حينئذ .
وإن قلنا : يحصل الملك في المقبوض وبالرد يرتفع ، فوجهان . أحدهما : أن العتق كان حاصلا إلا أنه كان بصفة الجواز ، فإذا رد العوض ارتد .
وأصحهما : نتبين أن العتق لم يحصل إذ لو حصل لم يرتفع ، ولا يثبت العتق هنا بصفة اللزوم باتفاق الأصحاب .
ولو تلف عند السيد ما قبضه ، ثم عرف أنه كان معيبا ، فقد قدم الإمام عليه ، أنه لو اتفق ذلك في عين فإن رضي ، فالذي يدل عليه فحوى كلام الأصحاب ، أن الرضى كاف ، ولا حاجة إلى إنشاء إبراء ؛ لأن الأرش كالعوض في الرد ، والرد يكفي في سقوط الرضى ، فكذا الأرش .
وإن طلبه تقرر ، ولم يسقط إلا بالإسقاط . وأما النجوم ، فإن رضي فالحق نافذ ، ويعود الوجهان في أنه يحصل عند الرضى أم يستند إلى القبض ؟ وإن طلب الأرش تبين أن العتق لم يحصل ، فإذا أدى [ ص: 247 ] الأرش حصل حينئذ ، وإن عجز فللسيد إرقاقه ، كما لو عجز ببعض النجوم .
ويجيء الوجه الآخر ، وهو أنه يرتفع العقد بعد حصوله . وفي قدر الأرش وجهان ، أحدهما : ما نقص من قيمة قدر رقبة العبد بحسب نقصان العيب من قيمة النجوم ، وبهذا قطع السرخسي .
والثاني : ما نقص من النجوم المقبوضة بسبب العيب . ونقل الروياني ترجيح هذا الوجه ، وأجري الوجهان في كل عقد ورد على موصوف في الذمة .
قال الإمام : وأمثل منهما أن يقال : يغرم السيد ما قبض ، ويطالبه بالمسمى بصفاته المشروطة .
أما إذا قبض النجوم ، فوجدها ناقصة الكيل أو الوزن ، فلا يعتق بلا خلاف سواء بقي المقبوض في يد السيد أم تلف فإن رضي بالناقص ، فحينئذ يعتق بالإبراء عن الباقي .