المسألة الثانية : إذا ، فإن لم يكن على السيد ضرر في القبول أجبر عليه ، وإن كان بأن كان لا يبقى بحاله إلى وقت الحلول كالطعام الرطب ، ألزمه له مؤنة كالحيوان ، وما يحتاج إلى حفظ ، أو كان في أيام فتنة أو غارة ، فيجبر على القبول . عجل المكاتب النجوم قبل المحل
فلو أنشأ العقد في وقت الفتنة والغارة ، لم يجبر على الأصح ؛ لأنها قد تزول عند المحل .
ولو أتى بالنجوم في غير بلد العقد ، فإن كان في النقل مؤنة ، أو كان الطريق أو ذلك البلد مخوفا لم يجبر على القبول ، وإلا فيجبر .
ولو أتى بالنجم في محله ، والسيد غائب ، قبض القاضي عنه ، وكذا يقبض عنه إذا امتنع وهو حاضر ، ويعتق المكاتب .
ولو ، قبض عنه أيضا إذا علم أن السيد لا ضرر عليه في أخذه ، قال أتى بالنجم قبل الحول ، والسيد غائب الصيدلاني : ومثله لو كان للغائب دين على حر ، فأذن له الحاكم ، [ ص: 252 ] هل يقبضه للغائب ؟ وجهان . أصحهما : المنع ؛ لأنه ليس للمؤدي غرض إلا سقوط الدين عنه ، والنظر للغائب أن يبقى المال في ذمة المليء ، فإنه خير من أن يصير أمانة عند الحاكم .
فرع
إذا أتى المكاتب بالنجوم ، فقال السيد : هذا حرام ، أو مغصوب ، نظر إن أقام بينة بذلك لم يجبر على قبوله ، وتسمع منه هذه البينة ؛ لأن في إقامتها غرضا ظاهرا ، وهو الامتناع عن الحرام ، هكذا أطلقه كثيرون .
وقال الصيدلاني : إنما تقبل البينة إذا عين له مالكا ، [ أما ] إذا لم يعين ، فلا تتصور البينة للمجهول ، ولا معنى لقولهم : إنه مغصوب . والصحيح الأول .
وإن لم يكن بينة ، فالقول قول المكاتب بيمينه أنه له ؛ لظاهر اليد ، فإن نكل حلف السيد ، وكان كإقامة البينة ، في وجه : لا يحتاج السيد إلى بينة ، والصحيح الأول .
ولا تثبت [ بينة ] السيد في حق المالك الذي عينه ، ولا يسقط بحلف المكاتب حقه ، ثم إذا حلف المكاتب ، فالمذهب أنه يجبر السيد على قبوله ، أو إبرائه عن ذلك القدر فإن امتنع منهما ، أخذ الحاكم تلك النجوم ، وعتق المكاتب .
وقيل : في إجباره على الأخذ قولان .
ثم إذا أخذه السيد ، نظر إن عين له مالكا ، أمر بتسليمه إليه بلا خلاف ، مؤاخذة له باعترافه ، وإن لم يقبل قوله على المكاتب .
وإن لم يعين مالك ، بل اقتصر على قوله : هو مغصوب ، أو مسروق ، أو حرام ، فوجهان .
أحدهما : ينتزعه الحاكم ويحفظه ببيت المال إلى أن يظهر مالكه . وأصحهما : لا ينتزعه ؛ لأنه لم يقر لمعين .
ونقل الروياني وغيره على هذا أن يقال : امسكه حتى يتبين صاحبه ، ويمنع من التصرف [ ص: 253 ] فيه ، فإن كذب نفسه ، فقال : هو للمكاتب [ كان ] كما ادعاه ، قال الإمام : فالصحيح أنه يقبل ، وينفذ تصرفه فيه بحسبه .
قال : وإن قلنا : يزيل الحاكم يده ، فالظاهر أنه لو كذب نفسه ، لا يقبل .
فرع
إذا فالشرط لغو ، وللسيد أخذه ، فلا يلزمه أن يبرئه عن الباقي ، وإن عجل قبل المحل على أن يبرئه عن الباقي فأخذه وأبرأه ، لم يصح القبض ، ولا الإبراء . جاء المكاتب بالنجم عند المحل ، وعلى شرط السيد أن يبرئه
ولو قال : أبرأتك عن كذا ، بشرط أن تعجل لي الباقي ، وإذا عجلت علي كذا فقد أبرأتك عن الباقي ، فعجل لم يصح القبض ولا الإبراء ، وإذا لم يصح لا يحصل العتق ، وعلى السيد رد المأخوذ .
هذا هو المذهب ، وأشار المزني إلى ترديد قول في صحة القبض والإبراء ، ولم يسلم له جمهور الأصحاب اختلاف القول ، وحملوا التجويز على ما إذا لم يجر شرط ، فابتدأ بذلك .
ولو أنشأ رضى جديدا بقبضه عما عليه حكم بصحته ، كما لو أذن للمشتري في قبض ما في يده عن جهة الشراء ، أو للمرتهن في قبضه عن جهة الرهن .
ولو أخذ السيد ما عجله المكاتب ، وأبرأه عن الباقي بلا شرط ، أو عجز المكاتب نفسه ، فأخذ السيد ما معه ، وأبرأه عن الباقي ، أو أعتقه ، جاز .
ولو أراد السيد والمكاتب حيلة يعتق بها بما عجل ، ويكون بجهة الكتابة ، فقال الأصحاب : طريقه أن يقول : إذا عجزت نفسك ، وأديت كذا ، فأنت حر ، فإذا وجدت الصفات عتق عن جهة الكتابة ؛ لأنها لا ترتفع بمجرد تعجيز نفسه ، وإنما ترتفع إذا فسخها بعد التعجيز ، وإذا عتق عن الكتابة ، كانت الأكساب له ، [ ص: 254 ] فيتراجعان ، فيرجع المكاتب على السيد بما أخذه ، والسيد عليه بقيمته ؛ لأنه أعتقه على عوضين : التعجيز ، والمال المذكور ، والتعجيز لا يصلح عوضا ، فكأنه أعتقه بعوض فاسد .
قال صاحب " الشامل " : ولو لم يعلق هكذا ، ولكن قال : إن أعطيتني كذا فأنت حر ، فأعطاه ، عتق ، ولكنه عوض فاسد ؛ لأن المكاتب لا تصح المعاوضة عليه ، فيعتق بالصفة ، وعليه تمام قيمته .
ولو عجل المكاتب النجم ، على أن يعتقه ، ويبرئه عن الباقي ، ففعل السيد ذلك ، عتق المكاتب ، ورجع عليه بقيمته ، ويرجع المكاتب على السيد بما دفع ؛ لأنه أعتقه بعوض فاسد ، حكاه القاضي عن النص .