الحكم الثاني في الأداء . وفيما يتعلق به مسائل :
إحداها : يجب ؛ لقول الله تعالى [ ص: 249 ] : ( على السيد إيتاء المكاتب وآتوهم من مال الله الذي آتاكم )
[ النور : 33 ] واختار الروياني في " الحلية " أن الإيتاء مستحب ، وليس بشيء .
والإيتاء : أن يحط عن المكاتب شيئا من النجوم ، أو يبذل شيئا ويأخذ النجوم ، والحط أفضل ، وهل هو الأصل ، والبذل بدل عنه ، أم بالعكس ؟ وجهان .
الأصح المنصوص : الأول ، ومحل الإيتاء الكتابة الصحيحة ، ولا يجب في الفاسدة على الأصح .
فإن أوجبنا كفى حط شيء من القيمة التي يجب فيها . ومن أعتق عبده بعوض ، أو باعه نفسه ، فلا إيتاء على الصحيح ، وحكى الشيخ أبو محمد وجها أنه يجب في كل عقد عتاقة على عوض ، ولا يجب في الإعتاق بغير عوض بلا خلاف .
وفي وجهان . وقت وجوب الإيتاء
أحدهما : بعد العتق كالمتعة ؛ ليتبلغ به ، وأصحهما : قبله ليستعين به في الأداء .
وعلى هذا ، فإنما يتعين في النجم الأخير . وأما وقت الجواز ، فمن أول عقد الكتابة ، ويجوز أيضا بعد الأداء وحصول العتق ، لكن يكون قضاء إذا أوجبنا التقديم على العتق .
وقيل : لا يجوز الإيتاء إلا في النجم الأخير أو بعده ، وفي قدره وجهان ، الأصح المنصوص في " الأم " : لا يتقدر ، بل يكفي أقل ما يتمول .
والثاني : أنه ما يليق بالحال ، ويستعين به على العتق ، فيختلف بقلة المال وكثرته ، فإن لم يتفقا على شيء ، قدره الحاكم بالاجتهاد ، ونظر فيه إلى قوة العبد وأكسابه .
وقيل : يعتبر حال السيد في اليسار والإعسار ، وقال الإصطخري : يحتمل أن يقدر بربع العشر ، قال الإمام : إذا قلنا : يقدره الحاكم ، فقدر شيئا تبين أن له وقعا بالنسبة إلى [ مال ] الكتابة كفى ، وإن تيقنا أنه لا وقع له لا يكفي ، وإن شككنا فخلاف ؛ لتعارض أصل براءة السيد وأصل [ ص: 250 ] بقاء وجوب الإيتاء . أما المستحب ، فقدر الربع ، وقيل : الثلث ، وإلا فالسبع . وأما جنسه ، فالإيتاء بالحط لا يكون إلا من نفس مال الكتابة ، وأما البدل ، فإن كان المبذول من غير جنس مال [ الكتابة ] كبذل الدراهم عن الدنانير ، لم يلزم المكاتب قبوله على الصحيح ، وبه قطع الأكثرون ، وشذ بترجيح اللزوم . الغزالي
فلو رضي به جاز قطعا نص عليه ؛ لأن الكتابة من قبيل المعاوضات ، فلا يسلك بها مسلك العبادات ، على أن الإمام قال : إذا منعنا نقل الزكاة ، وانحصر المستحقون ، فقد نقول : لهم أن يعتاضوا عروضا عن حقوقهم ، فلو كان المبذول من غير مال الكتابة ، لكن من جنسه ، فهل يلزمه القبول ؟ وجهان أحدهما : لا ؛ لظاهر الآية ، والصحيح : نعم ، كالزكاة ، ولأن المقصود الإعانة .
فرع
لو ، لزم الورثة الإيتاء ، فإن كانوا صغارا تولاه وليهم ، فإن كان مال الكتابة باقيا أخذ الواجب منه ، ولا يزاحمه أصحاب الديون ؛ لأن حقه في عينه ، أو هو كالمرهون به ، هكذا قاله القفال ، ونقله مات السيد بعد أخذ النجوم ، وقبل الإيتاء عن نصه في " المبسوط " . ابن كج
وإن لم [ يكن باقيا ] فثلاثة أوجه ، أحدها : أن واجب الإيتاء لضعفه يؤخر عن الديون ، ويحصل في رتبة الوصية .
والثاني : أنا إذا قلنا : بقدر الواجب في الاجتهاد ، فأقل ما يتمول في رتبة الديون والزيادة في رتبة الوصية لضعفها .
والثالث وهو الصحيح : أن ما يحكم بوجوبه على الاختلاف يقدم على الوصايا ، فإن أوصى بزيادة على الواجب فتلك الزيادة من الوصايا .
[ ص: 251 ] إذا لم يبق من النجوم إلا القدر الواجب في الإيتاء لم يسقط ولم يحصل التقاص ؛ لأن للسيد أن يؤتيه من غيره ، وليس للسيد تعجيزه ؛ لأنه عليه مثله ، لكن يرفع المكاتب إلى القاضي حتى يرى برأيه ويفصل الأمر بينهما .
وإن جعلنا الإيتاء أصلا ، فقال القاضي حسين : له تعجيزه بالباقي إذا لم نجده وإذا عجزه سقط الإيتاء ، وارتفع العقد من أصله .
قال الإمام : هذا عندي غير صحيح ، وإنما شرع الإيتاء لئلا يعجز العبد بقدره ، ولا يفوت العتق .