السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قصتي أنه تقدم لخطبتي شاب وصف لي بالآتي: متدين، خلوق، ذكي في دراسته، يحفظ نصف القرآن الكريم، أمين في تعاملاته لدرجة أن والده لا يستأمن غيره من إخوته، محبوب ولطيف الشخصية، ويساير جميع الناس، لا يشارك الشباب الذين في سنه في عاداتهم السيئة، يبحث عن ذات الدين والخلق والنسب ولذلك اختارني.
كما أنه من أسرة طيبة، ومتوسطة الثراء، ويستطيع أن يبني بيتاً ويؤثثه، وغير ذلك أنه وسيم جداً، وأعطوني صورة له (تأخذ العقل) لدرجة أني قلقت أن يكون ممن يصيبهم الغرور بجمالهم، خاصة وأني مقبولة، ولكن لست فاتنة الجمال.
شعرت بأنه هدية من السماء، وأنه فارس أحلامي المنتظر، وصليت الاستخارة، وطبعاً عادات مجتمعنا لا تسمح بأي تواصل قبل الزواج، أو نظر أو ما شابه، والرجل لم يطلب ما يسمى (بالرؤية الشرعية) أبداً، وعندما سألت عن ذلك قيل لي: لأنه خجول، وهو يعرف أنك جميلة، وهو يهتم بنسبك ودينك وخلقك لا أكثر.
الحاصل أنه تم كل شيء -خطوبة وعقداً وزفافاً- خلال أسبوعين، تولى إخوته خلالها كل شيء، حتى الكلام بالنيابة عنه، وربما تلقينه الكلمات التي يجب أن يقولها، بعد ذلك أصبح يغيب بحجة الانشغال الشديد بالعمل، وطلبوا الاستعجال بكل شيء بحجة أن خير البر عاجله.
بعدها وجدت نفسي في بيته، وكانت أول صدمة لي عندما دخل الغرفة ورأيته لأول مرة! لا يوجد أي علاقة بينه وبين الصورة التي شاهدتها إطلاقاً، فتلك صورة رجل في غاية الوسامة والجمال، أما هذا فلا أريد أن أقول عن خلق الله أنه قبيح، ولكني فعلاً لم أستطع أن أتقبل أن يكون هذا شكل شريك حياتي الذي يرث أطفالي ملامحه، ووالله أني لا أبالغ.
ابتلعت الصدمة، وتجلدت لأكتشف من خلال تصرفات الرجل ونظراته وكلماته اكتشافاً أسوأ من الأول، وهو أن الرجل به شيء في عقله، في ذلك الوقت لم أستطع أن أميز بالضبط ما هو، هل تخلف عقلي، أم بله، أم حالة توحد خفيفة؟ المهم أن الرجل ليس مجنوناً تماماً، ولكنه ليس عاقلاً، ولا يتصرف بطريقة تدل على أنه سوي الذهن، عشت ليلتي كأني في كابوس، كنت أتخيل أني سأستيقظ في أي لحظة لأكتشف أني في بيت أهلي، وأن هذا كابوس! لكن هذا لم يحدث، لقد تزوجت، إنها الحقيقة!
ثم توالت الحقائق المؤلمة على قلبي المفجوع، فالرجل يعاني فعلاً من ضعف في ذهنه، يصنفه من حوله بكلمة كانت تجرحني وتؤذيني وهي "أهبل"، لكن ليس لدرجة الجنون، لذلك لا أستطيع أن أتحاور معه أو أن أتفاهم معه، ولا يعرف كيف يكلم عروسه بطريقة راقية، أو على الأقل صحيحة، لا يوجد بيننا أي انسجام.
وطبعاً توالت بقية الاكتشافات البديهية بعد ذلك، أنه لا يحفظ نصف القرآن، ولم يتمكن من إكمال دراسته، بل خرج منذ الصفوف الأولى، فقير جداً، لم يخطبني لأنه يبحث عن ذات دين، بل كان يبحث عن أي امرأة وتكون متعلمة، لتحمل عنه عبء النفقة.
وبطبيعة الحال من لا يمتلك عقلاً سوياً راجحاً فلن يمتلك الأخلاق الفاضلة، فهو بذيء اللسان، كثير الكذب، إذا استعار شيئاً من أحد لا يرده، يحب أن يطلب المال من الآخرين، وهذه الصفة تحرجني جداً، طماع بشكل غريب للمال، يؤمن بالشعوذة، ويحب الذهاب للعرافين والمشعوذين.
كنت أتعامل معه بطريقة طبيعية، وأحاول أن أعدل من تصرفاته، وأن أكلمه، ولكن التفاهم بيننا شبه معدوم، فالجهل وضعف الذهن كفيلان بأن يصنعا سدوداً عالية، عشت معه شهراً ونصف الشهر، أمضيتها وأنا أبكي، أتألم، وأستغفر، وأدعو، وأستخير، لقد شعرت أني فجعت في كل شيء، بل وأهم شيء (العقل).
ولكي أكون منصفة للرجل: لاحظت بأن له مميزات، فمثلاً: صحيح أنه يصلي، ولكنه لا يصلي في المسجد، ولكنه يصلي، كما أنه ليس عنيفاً معي فلا يضرب، ولكنني أشعر بالفقر الروحي، لم أجد معه السكن أو المودة، لم أشعر قط أني تزوجت، عندما أنام معه أقول في نفسي: اللهم إني أشكو إليك همي، كيف أنام مع هذا؟! فالحياة الزوجية بلا حوار ولا تفاهم تأخذ منحىً بهيمياً.
ذهبت إلى بيت أهلي، وطلبت الخلع، وأن أرجع له كل شيء، ولاقى مطلبي القبول، ولكن هناك ما يعذبني وهو ذلك المسكين الذي تعلق بي، أنا لا أحقد عليه، بل أرحمه رحمة شديدة، لا شك أنه سيتألم من موقفي هذا، ولن يفهم سبب تصرفي حتى لو شرحت له، عندما أنام أتذكره وأبكي، وأعلم أنه سيعاني، أفكر أحياناً أن أعيش حياتي بالشفقة وأرجع إليه، وأحياناً أفكر أن له رباً أرحم به مني، وأن من حقي أن أعيش حياة طبيعية، وأخشى إن تزوجت من بعده أن يظل قلبي معلقاً به، بالطبع ليس تعلق الزوجة بزوجها، بل تعلق الأم بطفلها الضعيف، وإن عدت إليه أخشى أنها عودة إلى الحسرات والآلام، أنا حقاً حيرى في أمري.