الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخي يعاني من الوسواس القهري وأصبح مقتنعاً أن في بيتنا سحراً أو أذية!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أخي عمره 24 سنة، متخرج من الجامعة وموظف، محافظ على الأذكار والصلاة في المسجد، ويحفظ أكثر من 10 أجزاء من القرآن، ظهرت عليه أعراض أشبه بالوسواس القهري لكنه ينكر ذلك.

قبل نحو ثلاثة أسابيع سمعنا صوت بكاء قوي من غرفة أخي، وذهبنا مسرعين إليه ونحن خائفين لأنه لم يحدث ذلك من قبل، وأخي شخص متزن وشخصيته قوية، كانت حالته أقرب للهيستيريا ويبكي بشدة ويدعو الله بصوت عالي، سألته أمي: بماذا تشعر؟ أجاب: أرى شعراً في كل مكان، وأرى نملاً بشكل مزعج. قالت: كلنا نرى هذا. قال: أقرأ سورة البقرة ولا يذهب هذا، أشعر بأن هناك شيئاً يؤذيني -يقصد من الجن-، أذهب لسيارتي فأجد فوقها تراباً والسيارات الأخرى لا يوجد بها شيء، وأجد داخل سيارتي قطعة من سجاد ليست لي، ويدخل في إطار سيارتي وأنا أسوق مشجب الملابس، وأدخل المسجد أرى تراباً. وهذه الأشياء تكون موجودة لكن هو أصبح يركز فيها بكثرة.

ذهب به أخي لطبيب نفسي، وشخص حالته بوسواس وكتب له دواء، لكن رفض أخي أخذه وقال: أنا لا أعاني من وسواس، هذه أذية. وذهب به أخي لراق فقرأ عليه، ولم يشعر بشيء أبداً ولم يقل الراقي أن فيه شيئا، عندما نقول له بأن هذا وسواس يرفض ذلك تماماً، ويغضب مبيناً أنه يفهم تماماً وعقله سليم، ويظن بأن في بيتنا سحراً أو أذية من الشياطين، وهذه الفكرة مسيطرة عليه، لم يعد ينام مثل السابق وغيّر مكان سريره، يتحسس من كل شيء وإذا سقط كوب في غرفته يفكر ويسأل لماذا سقط، يراقب كل شيء في الغرفة هل تغير أم لا؟ وعندما نقول له تظن أن في بيتنا سحراً أو أذى، ونتحدث عن هذا الأمر يسمعنا، ويقتنع بهذا الكلام فقط، علماً أنه منذ فترة طويلة وهو يعاني من وساوس في الوضوء، وإذا دخل دورة المياه يتأخر كثيراً، ويعاني من مشكلة في المسالك البولية.

هل هذه أعراض وسواس؟ وإذا كانت كذلك، كيف نقنعه بذلك؟ لأنه عنيد جداً، وكيف نقنعه بأن يأخذ الدواء؟ قرأت بأن الوسواس القهري قد يأتي من خلل في الغدة النخامية، هل تنصحنا بأن يقوم بفحص للغدد؟

وجزاكم الله خير الجزاء، وأن لايريكم مكروهاً في أنفسكم أو فيمن تحبون.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم محمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

هذا الأخ -حفظه الله- بالفعل تأتيه بعض الوساوس القهرية، لكن هو يعاني أكثر من ذلك، اعتقاده بأن في البيت سحراً أو أذى، وأنه يراقب كل شيء في الغرفة، هل تغير أم لا؟ وأنه يقتنع اقتناعاً جازماً بأفكاره، أعتقد بأن هذه شكوك ظنانية، وهذه الشكوك هي علة مرضية مختلفة تماماً عن الوساوس القهرية، وحتى طريقة علاجها مختلف تماماً، وحتى من حيث العلاج السلوكي.

ومريض الوسواس القهري حين تتسلط الأفكار وتستحوذ عليه أفكار ما، يعرف أنها غير منطقية، وأنها سخيفة وغير حقيقية، ويبذل أقصى الجهود لرفضها لكنه يفشل في ذلك، يعني هو يقتنع اقتناعاً تاماً بأن ما يعتريه من فكر يسيطر عليه، أو فعل يقوم به هو أمر غير منطقي، وأمر سخيف.

أما بالنسبة لمريض الأفكار الظنانية فتأتيه الفكرة وتكون مطبقة عليه، ويقتنع بها اقتناعاً تاماً، ولا يقبل فيها جدالاً أو نقاشا،ً وحين يحاول الناس صده عن هذه الأفكار ويقولون له أنها غير صحيحة، هنا يغضب غضباً شديداً، ويزداد انفعاله السلبي، وبكل أسف هذا يثبت الأفكار الظنانية لديه.

عموماً هذا الأخ بالفعل يحتاج لعلاج، ويحتاج لمقابلة الطبيب، وأعتقد أنكم إذا رجعتم إلى الطبيب الذي قام بفحصه في المرة السابقة، وشخص حالته أنها حالة قهرية أعتقد أنه سيعيد النظر في التشخيص، حين تذكرون له ما يبدر منه من أفعال ظنانية حسب ما ورد برسالتكم الواضحة، ولا بأس أبداً أن تعرضوا ما ذكرناه من أفكار على الأخ الطبيب، لأن هذه الأخ يحتاج من وجهة نظري لأدوية الذهان، حيث إن الأفكار البارونية أو الظنانية، أو ما يسمى بالأفكار الضلالية الاضطهادية هذه تحتاج لتوجه علاجي آخر، ويفترض أن هذه الحالات تنتج من كيمياء الدماغ، وهناك مادة تسمى بالدوبامين ربما يكون فيها خلل.

وبالنسبة للوساوس القهرية فيكون الاضطراب فيها في مادة تسمى بالسيرتونين، وهنالك أدلة تشير إلى هذا التغير الكيمائي، لكن لا نستطيع أن نقول أنه قطعي ويقيني، والأمر لا يتعلق بالغدة النخامية وإنما يتعلق بخلايا، وأجزاء أخرى في الدماغ، لكن إجراء الفحوصات العامة مهم، وإذا تم إجراء فحص الغدة الدرقية فيكون كافياً ومفيداً، لأن الغدة الدرقية هي تحت سيطرة الغدة النخامية بدرجة كبيرة.

وبالطبع إجراء الفحوصات العامة سيكون مرغوباً، ويمكن أن يكون مدخلاً لإقناعه لتلقي العلاج، ويقال له: "نرى أنك مجهد بعض الشيء، فلماذا لا تذهب للطبيب وتجري بعض الفحوصات؟" هذا ربما يقنعه، والدخول معه في السجال والجدال حول أفكاره الظنانية لا يفيد ولا يجدي، وربما ينفره ويقوى هذه الأفكار، فأرجو أن تناقشوه ولا تخالفوه، ولكن لا تقولوا له أنها صحيحة، وأعتقد من خلال ذلك يمكن أن يقتنع ويذهب للطبيب.

وأفضل أن يتحدث معه شخص واحد، وكثرة الحديث معه من عدة أشخاص قد يزيد من نفوره وانفعاله، لكن إذا تحدث معه شخص واحد يقدره ويحترم رأيه، أعتقد أنه سيذهب للطبيب، ويتناول الدواء، وهذه الحالات -إن شاء الله- يتم شفاؤها بصورة كاملة وتامة، مع ضرورة اتباع الإرشادات الطبية، وتلقي العلاج.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً