الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

افتقادي للدافعية يؤخرني عن إنجاز مهامِّي، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية، أود أن أشكركم على موقعكم الرائع، فأنا من المتابعين اليوميين للموقع ولما تقدمونه من إرشادات ونصائح في مختلف الموضوعات.

أنا فتاة في السادسة والعشرين من عمري، طالبة ماجستير، ومشاكلي كثيرة، وسأحاول اختصارها -بإذن الله تعالى-.

مشكلتي الأولى تتعلق برسالة الماجستير؛ فقد مر عام ونصف تقريباً منذ بداية كتابتها، وحتى الآن لم أتمكن من إتمامها، ولا أملك الطاقة الكافية للقيام بذلك، والسبب هو مشاكلي النفسية، على الرغم من أنني أخبر نفسي بأنه يجب علي الكتابة اليوم، وأنني يجب أن أجد وقتًا للاجتهاد، إلا أن مشاكلي الكثيرة تحول دون ذلك، والعبء الذي أواجهه في المنزل ثقيل للغاية؛ مما يسبب لي تعبًا شديدًا، ويجعلني غير قادرة على القراءة أو الكتابة لفترات طويلة.

مشكلتي الثانية: هي الوسواس القهري، فهو يكاد يقتلني، أنا كثيرة الوسوسة بفكرة أنني لا أستطيع إتمام الرسالة، وأنني لن أحصل على تقدير عالٍ، وأعرف أن العلاج يكمن في الإعراض عن الوسوسة وتجاهلها، ولكن كلما حاولت إبعاد هذه الفكرة الوسواسية عن رأسي، تعود إليّ مرة أخرى.

مشكلتي الثالثة: الاكتئاب، فأنا أعاني منه منذ 10 سنوات، وأشتكي من ضيق الصدر دائمًا ، وفقدان الرغبة والحماس في كل شيء، والتفكير بالانتحار مرارًا وتكرارًا.

مشكلتي الرابعة: هي فقدان الثقة بالنفس، فلا أثق في نفسي أبدًا، ربما يعود السبب في ذلك إلى قلة جمالي، فأنا إنسانة لست جميلة، بل عادية، فلا أملك شيئًا أتميز به عن غيري، وما يزيد الطين بلة أنني أعاني من الشيب منذ كان عمري 10 سنوات، فالشيب كثير في شعري، ويكاد يغطيه بأكمله، كما أنني قصيرة القامة، وكلما حاول شخص ما ابتزازي بسبب قصر قامتي، انزعجت وغضبت بسرعة، وأرد عليه، فلا أستطيع تحمل الانتقاد على شكلي من أحد.

وما يزيدني تعاسة أنني الوحيدة بين أخواتي التي تعاني من الشيب وقصر القامة، بل أنا الوحيدة التي تأخر زواجها، فإلى اليوم لم يتقدم أحد لخطبتي إلا في حالات نادرة جدًا، وعادةً ما يكون الشخص في حينها غير مناسب لي.

ومشكلتي الخامسة: أنني أرى نفسي قد كبرت في العمر، على الرغم من صغر سني، ولا أعرف لماذا؟ وأجلس أتحسر على ما مضى من عمري.

لا أعرف ماذا أصابني، فقد كنت إنسانة نشيطة وحيوية، ومحبة للحياة، وكان لدي رغبة وحماس شديدان في المثابرة والدراسة، فما السبب؟ وهل أنا بحاجة لزيارة الطبيب النفسي؟ فأنا لا أستطيع الذهاب إلى الطبيب لكوني خجولة وكتومة جدًا.

أعتذر عن الإطالة، راجيةً منكم سعة صدوركم فيما كتبت إليكم، فلا أحد بجانبي أستطيع البوح له عما بداخلي، ووجدت في موقعكم الخير الكثير، وهذا ما دفعني للكتابة إليكم.

وشكرًا لكم مرة أخرى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك على ثقتك في إسلام ويب، وعلى رسالتك المنسقة والمرتَّبة، والتي تدل على مقدراتٍ معرفيةٍ كبيرةٍ، ومهاراتٍ بكل أسف لم تستشعريها.

أيتها الفاضلة الكريمة: تفحصتُ رسالتك بكل دقة، وأستطيع أن أقول لك: إن فقدان الدافعية الذي جعلك لا تُكملين رسالة الماجستير؛ هو ناتج من التردد، والوسوسة، وعسر المزاج الذي وصفته بالاكتئاب، والضيق في الصدر من الواضح أنه ناتج من حالة القلق الاكتئابي التي تراودك.

أحزنني كثيرًا قولك أنك تفكرين في الانتحار مرارًا وتكرارًا، فهذا أمر مؤلم جدًّا، ومؤسفٌ جدًّا، ونحن لا نريد أبدًا من فتيات الإسلام أن يكون تفكيرهنَّ على هذا النسق، نحن أمة قد كرَّمها الله، وهذا –أيتها الفاضلة الكريمة– يكفي تمامًا لأن يكون الإنسان واثقًا في نفسه، ما دام قد كُرِّم من جانب الله تعالى، ونتمسَّك بالحياة، ونسعى لعمارة الأرض.

فهذه الأفكار القبيحة الشريرة –أي الأفكار حول الانتحار–، يجب ألا تكون جزءً من حياتك.

أنا أعرف أنك لن تنتحري -إن شاء الله تعالى-، لكن هذه الكلمة يجب ألا تكون في قاموسك أبدًا، وانطلقي في الحياة، فالحياة طيبة، وأنت حباك الله تعالى قدرات عقلية وجسدية، وأنت في عمرٍ يتمناه الإنسان، ففجري طاقاتك، وضعي الآية القرآنية هادية لك: {إن الله لا يُغيُّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم}، وضعي قول النبي -صلى الله عليه وسلم- نبراسًا في طريقك: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز".

تدبري هذه الآية، وتمعني في هذه الحكمة، وسوف تكتشفين أنك بالفعل لديك طاقات مخبأة، طاقات ومقدرات كبيرة جدًّا، ويمكن إخراجها بسهولة كبيرة جدًّا، أن تكون أهدافك واضحة، أن تكون عزيمتك قوية، أن يكون لديك القدرة لحسن إدارة الوقت، أن تكون لك آمال وأهداف وطموحات آنية ومتوسطة المدى، وكذلك على المدى البعيد.

انشغالك في البيت أمرٌ طيب وجميل، وهذا دليل على أنك شخص نافع لنفسك ولغيرك، وأعتقد أنك فقط تحتاجين لشيء من حسن إدارة الوقت، وشيء من التحفيز والتشجيع، وهذا يأتي منك أنت، لا تنتظريه من أحد، وتحتاجين لشيء من حسن إدارة الوقت، وهذا سوف يُساعدك كثيرًا، حقّري الفكر الوسواسي.

أرجو أن تأخذي بما ذكرته لك، -وإن شاء الله تعالى- يؤدي إلى تغيير كامل في نمط حياتك.

ذهابك إلى الطبيب النفسي قطعًا سيكون أمرًا إيجابيًا، وأنا أشجعه كثيرًا، وأعتقد أنك أيضًا تحتاجين لعلاج دوائي بسيط، دواء مُحسِّنٌ للمزاج، ومُزيلٌ للوساوس، ويُزيل عنك القلق، ويُحسِّنُ عندك الدافعية -إن شاء الله تعالى-، عقار (سيرترالين Sertraline) هو من أفضل الأدوية التي تناسب حالتك، وأنت تحتاجين له بجرعة صغيرة لمدة ثلاثة إلى أربعة أشهر.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً