الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تنتابني حالات مرضية كلما عزمت على الزواج، فما تفسير ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب أبلغ من العمر 33 عامًا، منَّ الله عليَّ بعمل جيد، وكانت أموري تسير على ما يرام حتى عام 2009، بعد ذلك أُصبت بنزلة برد شديدة، لم أتخيل أنني سأشفى منها، ثم لحق والدي بالأعراض نفسها، وتوفي متأثرًا بها، وفي يوم كنت أنوي التقدم لخطبة فتاة أحلامي، بالرغم من خوفي من الزواج.

بعد شهور قليلة من ذلك، استيقظت فجرًا أتقيأ أشياء غريبة مختلطة بالدم، مصحوبة بإسهال شديد، واستمرت الحياة حتى يناير 2012، حيث كنت شابًا لاهيًا تغرُّني قوتي، فرحًا بغير حق، فاستيقظت ليلًا، وأخي بجواري، ومعدتي تشتعل نارًا، ولا أستطيع التنفس، وقلبي يخفق بسرعة.

مرت تلك الليلة بحمد الله، لكنني لم أعد كما كنت سابقًا، ومنذ ذلك اليوم، ظهرت لدي صعوبة غريبة في البلع، ونقص وزني، وشخص الأطباء حالتي على أنها ارتجاع في المريء، إلى أن أُصبت في ليلة شديدة البرد في أبريل 2012 بنزلة معوية، سقطت على إثرها في إغماءة، واستيقظت بعدها.

عُلقت لي المحاليل وطالت فترة الاستشارات الطبية، حتى وصلت إلى إجراء منظار للمعدة، وكان التشخيص التهابًا في غار المعدة.

لم تكن الأزمة تكمن في الآلام بقدر ما كانت في حالة انتابتني بمراقبة التنفس، وظلت تُعاودني لسنوات، كنوبة نزلة معوية تستمر لليلة أو ليلتين، ثم الذهاب إلى المستشفى، ووضع المحاليل الطبية، دون اكتشاف أي سبب ملموس.

ذهبت إلى أحد الرقاة، فقال لي: "خذ نفسًا عميقًا، وبعد كل زفير قل: باسم الله أوله وآخره". وعندما قرأ عليَّ، تيبست أطرافي، ودارت بي الأرض. شخص حالتي بالسحر، ولكن بالقراءة، شككت أن ما أصابني كان بسبب فرط التنفس أثناء الرقية، مما زاد شكوكي حول ما إذا كانت شكواي عضوية أم نفسية أم روحية؟ خاصة أنها تتزامن دائمًا عند تصريحي عن نيتي الزواج.

في عام 2015، انتابني وسواس شديد بأنني عاجز جنسيًا، فسافرت وأديت العمرة، وألغيت فكرة الزواج من عقلي، ثم انغمست ثانية في شهواتي حتى شهر فبراير الماضي. وكانت حالة التنفس قد فارقتني بعد العمرة، ولكن أثناء الأكل مع أهلي، شعرت فجأة كأنني نسيت البلع، فتغيرت حياتي مرة أخرى، لدرجة أثرت على فسخ ارتباطي، وعلى عملي، وخروجي من البيت، ونقص وزني مرة أخرى، وكان التشخيص أيضًا ارتجاعًا في المريء.

لا أعلم ما علتي، هل هي سبب عضوي أم نفسي أم روحي، خاصة أن الأمر يقل بشكل ملحوظ مع العبادات، كالاعتكاف والعمرة، ويزداد مع ذكر الزواج. ضغط الدم أحيانًا يكون 60/80، فما تشخيصكم لحالتي؟

أفيدوني، شكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إسلام حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
نرحب بك في استشارات إسلام ويب.

عادةً ما أوصي من يستشيرني، ومن يعاني من أعراض مرضية، بأن يبدأ بزيارة الطبيب لتشخيص المرض، فإن تبين أنه يعاني من خلل عضوي، فالعلاج يكون بالعقاقير الطبية، وإن تبين أنه سليم، فذلك دليل على أن مرضه ليس عضويًا، وبالتالي ننصح بالرقية.

قد يشخص الطبيب المرض بناءً على التخمين، وليس اليقين، كونه يعتمد على الأعراض، وبالتالي، فأي علاج يوصف له قد لا يجد المريض منه أي فائدة، فإن كنت لم تستفد من العلاجات التي وُصفت لك، فمن المحتمل أن يكون المرض عندك غير عضوي.

ذكرت في استشارتك أن الأعراض تظهر أثناء التفكير في الزواج، وأنها تخف كثيرًا مع فعل الطاعات كالعمرة والاعتكاف وغير ذلك، وأنها تظهر فجأة، وأحيانًا أثناء تذكرك لأمر ما كما حصل حينما تذكرت البلع، وهذه في نظري من الأسباب التي تجعلنا نوصيك بأن تبحث عن راقٍ أمين وثقة، من أجل أن يرقيك الرقية الشرعية حتى تشفى -بإذن الله تعالى-، بغض النظر عن التشخيص.

أنصحك بألا تكثر من التفكير في معاناتك، وأن تتوكل على الله وتفوض أمرك إليه، فمن توكل على الله كفاه ما أهمه، والأصل أنك سليم جدًا من الناحية الجنسية، فلا تُرسل لعقلك رسائل سلبية فيتفاعل عقلك معها، وبالتالي يؤثر ذلك على أدائك الجنسي في حال الزواج.

ارقِ نفسك بنفسك صباحًا ومساءً بما تيسر من القرآن والأدعية المأثورة، فالرقية نافعة لما نزل وما لم ينزل، وعليك بالأدوية التي وُصفت في القرآن والسنة، فإن شفاءها مضمون لمن كان متوكلاً على الله، وهي العسل، فتناول ملعقة منه صباحًا على الريق، مع ثلاث قطرات من زيت الحبة السوداء.

عليك بالحجامة، فإن الملائكة أوصت بها النبي ﷺ ليلة أُسري به، وأفضل أيامها السابع عشر أو التاسع عشر أو الحادي والعشرون من كل شهر عربي، ففوائد الحجامة كثيرة لا تُحصى.

تناول ملعقة صغيرة من القسط الهندي المطحون، مع ملعقة من العسل مخلوطًا بماء دافئ، فالقسط يعالج الكثير من الأمراض وخاصة الجهاز الهضمي، فضلاً عن الحلق والجهاز التنفسي، والقسط يدخل في تركيب الكثير من العقاقير الطبية.

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وتحيّن أوقات الإجابة، واسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك مما تعاني، فالله هو الشافي سبحانه، وإذا أراد أمرًا فإنما يقول له كن فيكون، وما العلاجات والرقية إلا أسباب شرعها الله للحصول على الشفاء.

أكثر من دعاء ذي النون، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله ﷺ: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

كي يزول ما عندك من هم، أكثر من الاستغفار والصلاة على النبي ﷺ، فذلك من أقوى أسباب تفريج الهموم، كما قال ﷺ: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذاً تُكفى همك ويُغفر ذنبك).

التزم بورد يومي من القرآن الكريم، وحافظ على أذكار اليوم والليلة، يكن ذلك حرزًا لك من الشيطان ومن شر كل ذي شر، ويضفي على نفسك الهدوء والراحة والطمأنينة، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، وأن يوفقك بزوجة صالحة، ويسعدك إنه سميع مجيب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور: عقيل المقطري، مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة الدكتور: محمد عبد العليم: استشاري أول الطب النفسي، وطب الإدمان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إجابتي هذه هي تكملة لما أورده لك الشيخ الدكتور/ عقيل المقطري من النصائح والإرشادات حول حالتك.

من الناحية النفسية: حالتك من الواضح أنها ذات طابع نفسي جسدي، ليس لديك مرض نفسي حقيقي، وليس لديك أيضًا مرض عضوي مجسَّم. الذي بك -أيها الفاضل الكريم- هو قلق المخاوف، وربما يكون هذا مرتبطًا بالبناء النفسي لشخصيتك، والحالة الشديدة التي أيقظتك من النوم هي ما يُسمى بنوبة الهلع أو الفزع أو الهرع، وهو نوع من القلق النفسي الحاد ذو التكوين القلقي، والذي يظهر في شكل مخاوف وتوترات حادَّة، ينتج عنه دائمًا شيء من الوسوسة، التخوف، التردد، وقلق الانتظار، أو القلق التوقعي -كما أُحبُّ أن أسميه-، وأعراض الجهاز الهضمي، فارتجاع المريء علَّة معروفة، وقطعًا القلق يزيدها.

فإذًا حالتك هي حالة نفسوجسدية، نسميها بقلق المخاوف البسيط، وليست حالة مرضية شديدة، تزداد عندك الأعراض -كما تفضلت وذكرت- حين التفكير في أمر الزواج، لأن أمر الزواج أمر وجداني أساسي مهم في حياة الإنسان.

كل ما تحتاجه هو أن تتجاهل هذه الأعراض، وأن تنظِّم حياتك وتُرتِّبها، بحيث تُحسن إدارة وقتك، وأن تنام النوم الليلي المبكر، وتتجنب النوم النهاري، وتمارس الرياضة، وأن تكون لك أهداف في الحياة، وأن تقي نفسك شر الموبقات والهفوات والزلَّات، ونحن الآن مقبلون على شهر الطاعات، شهر رمضان، فهذه فرصة عظيمة جدًّا -أيها الفاضل الكريم- لأن تُراجع نفسك، ولأن تكون أكثر قُربًا من ربك.

يجب أن تكون أهدافك واضحة، لأن الإنسان بدون هدف ينشغل بسفاسف الأمور، خاصة الإنسان القلق، ضع الأهداف، وضع الآليات التي تُوصلك لهذه الأهداف، ويجب أن تكون الرياضة جزءًا من حياتك.

لا تُكثر من التردد على الأطباء، لكن ليس هنالك ما يمنع أن يكون لديك طبيب واحد تُراجعه مثلاً كل ثلاثة إلى أربعة أشهر، فهذا يقيك كثيرًا من تشكك الوساوس المرضية، واجعل حياتك بالفعل صحيَّة وذات معنى.

سيكون من الجميل لك أيضًا أن تتناول أحد مضادات المخاوف، أعتقد أن عقارًا مثل: (سيبرالكس Cipralex)، والذي يُعرف علميًا بـ (إسيتالوبرام Escitalopram)، سيكون جيدًا ومفيدًا جدًّا لك، وأنت لا تحتاج إليه لمدة طويلة.

الجرعة هي أن تبدأ بخمسة مليجرام فقط، تتناولها يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها عشرة مليجرام يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها خمسة مليجرام يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول الدواء.

أخي الكريم: هذا ما أنصحك به، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً