الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي ينسحب من مسؤوليته تجاهي وأمي تشدد علي ولا تهتم بي!

السؤال

السلام عليكم

أريد أن أسأل على ماذا يحاسب الإنسان صاحب النفسية المتعبة؟ وكيف لا يستجيب لمشاعره المتلاطمة؟ وأريد إجابةً عن سؤال: كيف أتصرف في حالتي؟ فعائلتي تتعبني كثيراً، فأبي ينسحب عندما تقع عليه مسؤولية تجاهنا، ولا يهتم للدين، ولا يجعله منهج حياته، وأمي لا تهتم بي، وتُهينني ويصدر منها أفعال متناقضة في الدين.

مثال على ذلك: أختي متزوجة، تضع المكياج والعطر فلا تنهرها ولا تنهاها إلا نادراً جداً، وتلبس لباساً ناعماً وخفيفاً، وبالمقابل تتشدد عليّ لأني اخترت أن أزيد الستر في جلبابي، وأن أختاره فضفاضاً، وبلا حزام، ولبسي للخمار -الشال الطويل-، بحجة أني أخالف المجتمع، والشكل العام للواتي يلبسن جلابيب، وتنهرني، بأن تقول لي: إن شكلي ليس مرتباً، وبأني أكبر من عمري، وهي أحياناً تضع العطر وتكشف عورتها أمام إخواني، (فوق الركبة والصدر)، رغم أن تخصصها كان شريعة.

بوسط هذه البيئة أجد من نفسي فترات مختلفة منها يكون إسلامياً قوياً، وأفعالي مشابهة لعقيدتي، وأخرى أكون متعبة منهكة، لا أستطيع ترتيب أولوياتي، وضائعة غير مندفعة للخير، فقط أصلي الصلوات الخمس، ولا بأس إن ضيعت الفجر، وأضيع وقتي، ولا يكون الدين منهجي، وأخلاقي تسوء، وأتعلق فكرياً بالرجال الذين رأيت منهم أخلاقاً جيدة، أو عاملوني باحترام بالجامعة.

الله سبحانه رزقني بصديقات رائعات الأخلاق والمبادئ، لكن وجودي معهن محدود، وعندما أحاول أن أجاهد نفسي في دراستي مثلاً، أو أن أقرأ ما يفيدني، أجد مشاعري كالأمواج تتلاطم، وأشعر بالاختناق وصعوبة بالتركيز.

ما الحل؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آسيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به إنه جواد كريم.

أختنا الكريمة: هل تظنين أن سلعة الله رخيصة؟! ألم يقل نبينا -صلى الله عليه وسلم-: (من خاف أدلجَ ومَن أدلج بلغ المنزلَ ألا إن سلعةَ اللهِ غاليةٌ ألا إن سلعةَ اللهِ الجنةُ)؟ والمعنى كما قال أهل العلم: مَنْ خاف ألَّا يَصِلَ إلى غايتِهِ؛ سار أَثْناءَ الليلَ؛ ليَكونَ ذلك أَرْجى له في الوُصولِ إلى غايتِهِ (ومَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ)، أي: ومَنْ سار بالليلِ وَصَلَ إلى غايتِهِ ونال مُبْتغاهُ.

هكذا كل باحث عن السعادة الحقة، وعن الجنة العالية، وعن رضوان الله تعالى لا بد أن يعلم أن الطريق إلى الله محفوف بالمكاره، وهذا ما أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ)، ومعنى ذلك أن الطريق وعر ولا بد فيه من عقبات، يقول الإمام المناوي رحمه الله: أحاطت المكاره بنواحيها، وهي ما يكرهه المرء ويشق عليه من القيام بالحقوق.

أختنا الكريمة: إن ما تتحدثين عنه هو ما تعاني منه بعض أخواتنا، وأنت -والحمد لله- أقل ضرراً منهن، فمنهن من يجبرها أهلها على التبرج والسفور، والمجتمع يدفعها إلى ذلك، ومع ذلك هي تقاوم وتسير في الطريق السوي.

أنت قد أكرمك الله ببعض الصالحات، بعضهن ليس في مجتمعها أي معين على الطريق معها، ومع ذلك اتخذت كتاب الله منهجا، واجتهدت بالحسنى والكلمة الطيبة أن تجتاز هذا الاختبار، وبعض من صبرن على مرارة الطريق رزقهن الله تعالى بأزواج صالحين وتغيرت حياتهن بالكامل إلى ما كانت ترجوه، ثم بعضهن اجتهدت على أهلها ونجحت في تصويب مسار أهلها، والحمد لله.

أختنا الكريمة: لا بد أن نفهم عدة حقائق ونحن على الطريق:

أولاً: هذه دار اختبار وامتحان ولا بد فيها من الابتلاء، ومن نظر إلى أنها دار نعيم أو دار راحة فقد أخطأ الوجهة، وما فهم قول الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).

ثانياً: أشد الناس ابتلاء هم أنبياء الله تعالى ورسله، وهم أفضل الخلق وخير والخلق، ثم الذين يلونهم من يسيرون على طريقتهم، فالمرء كما أخبر نبينا -صلى الله عليه وسلم- يبتلى على قدر دينه.

ثالثاً: الوضع الذي أنت فيه اليوم ليس هو الأسوأ، لكن لأنك من تعيشين الألم تستشعرين أنه أشد الآلام وأكثرها قوة، ولو نظرت إلى الرسائل التي تأتي من أخواتنا لعلمت أنك في نعيم بالنسبة لهم.

رابعاً: هناك فرق بين السلوك الخاطئ وإرادة الخير، فوالدتك حين تشدد عليك وأبوك حين يتهرب من المسؤولية هم لا يقصدون بك الشر، بل بالعكس هم يريدون لك الخير، لكن وفق منظومة اجتماعية جعلت من بعض التهاون وسيلة للوصول للمقصود، ولذا عليك إيجاد العذر لهم مع النصح الدائم، والدعاء لهم.

خامساً: اتخذي من الإعانة لوالدتك ووالدك، والإسراع في خدمتهم والتفاني في تنفيذ أمرهم -إذا كان في المعروف- وسيلة لكسب قلوبهم، وهو في الوقت ذاته وسيلة للتقرب إلى الله تعالى ببرهم.

سادساً: أخواتك الصالحات، اجتهدي أن تربطي نفسك بهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، واستعيني بهم على التقرب إلى الله عز وجل، فما أجل الصحبة إذا كانت لله تعالى!

سابعاً: احذري من السقوط في فخاخ الشيطان، فيحسن لك القبيح، ويجمل لك بعض ما حرم الله تعالى، فاحذري -أختنا- من الخطوة الأولى، فإن الرجوع عنها عسير، ستقابلين في حياتك من يزينه الشيطان لك خلقا وسمتا وديانة، وسيوهمك الشيطان بأن هذا هو المنقذ لك، سيجتهد في أن يريك منه ما يرغبك فيه، فإذا تمكن من قلبك أراه إياك في المنام حتى يعلق أكثر وأكثر، وتلك والله هي الهاوية أختنا، فاحذري من البداية السيئة، واعلمي أن من قدره الله لك زوجاً سيأتيك وأنت مرفوعة الهامة، محفوظة الكرامة، سليمة المعتقد، فإذا تم الزواج حفظ لك هذا بعد الزواج، ووضعك على رأسه، لأنك لم تهادني في دينك ولم تتنازلي عن ثوابتك.

اعلمي أن أكثر من تهاونت لم تتزوج ممن تهاون معها، وبعض من تزوجت ممن تهاونت في الحديث معه، صارت حياتها جحيما بعد ذلك؛ فالشاب الودود الذي كان يتخير أرق الكلام وأعذبه هو اليوم يشك فيها، وعنده ما يبرر ذلك، إذ من خانت أهلها وحدثت أجنبياً غريباً عنها قد تفعل ذات الشيء، وهذا والله كثير.

أنت على الطريق الصحيح، فعمقي اتصالك بالله تعالى، واعلمي أن السعادة كل السعادة في الطاعة والتقرب من الله، حافظي على نوافلك، وعلى أذكارك، وعلى أورادك من القرآن، وعلى الصحبة الصالحة، وعلى الإحسان إلى الأهل حتى لو أخطؤوا، واحتسبي ذلك عند الله، ولك الأجر العظيم، وستجدين بركته في الدنيا والآخرة.

نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً