الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

محرومة مادياً ومعنوياً..أهلي يبخلون علي حتى بقيمة العلاج!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة، والدي ووالدتي منفصلان منذ أربع عشرة سنة، ومنذ ذلك الحين كان جدّي هو من يتكفّل بمصاريفي، لكن بعد وفاته لم يعد هناك من ينفق عليّ، حتى مصاريف جامعتي تكفّل بها عمّي بجزء، ووالدتي بجزء، وأصدقائي ساعدوني بجزء آخر.

أعاني من مشكلات نفسية كثيرة، وقد عملتُ في وظائف متعدّدة، وارتبطت بعلاقات كثيرة، لكنني أصبحت بلا طاقة، حتى للحديث مع أحد، كما أنني أعاني من قلق اجتماعي منذ طفولتي، وكلما التحقتُ بعملٍ أصابتني نوبة قوية، حتى وأنا أتناول الأدوية، فأضطر إلى ترك المكان والهرب.

أهلي لا يفهمون حقيقة معاناتي، وإذا طلبتُ منهم مساعدة مادية، فلا بد أن أُذلّ أولًا، ثم بعد ذلك يدعون عليّ بأن يدمّر الله حياتي.

أبي لا ينفق علينا، وأمّي تكتفي بالإنفاق على الطعام، ومع ذلك لا تُحسن التدبير؛ تشتري أشياء غالية الثمن، مع أننا في حاجة إلى أشياء أخرى أهم، دائمًا أشعر بإحباط، لأنني لم أستطع أن أُصبح أخصائية نفسية، فالمجال يحتاج إلى مصاريف ودورات تدريبية، ولا أحد يساعدني، حتى أدوية العلاج النفسي التي أحتاجها لا أحصل عليها إلَّا بعد إهانة وذلّ، وحين احتاج أخي إلى حاسوب محمول، وجدت أمي مستعدة لأن تبيع جهاز التكييف لتشتري له حاسوبًا جديدًا، بينما أنا حين طلبتُ هاتفًا قالوا لي: "اشتغلي واشتريه بنفسك".

تدهورت حالتي النفسية كثيرًا، وحين صارحتُ والدتي بأنّها وقفت بجانب أخي، ورفضت الوقوف بجانبي حتى أصبح أخصائية، أجابتني: "أنتِ غير مستقيمة، وكل شيء تقولينه روحي لوالدك"، لكن إن ذهبتُ إلى أبي فإنه إمّا ألَّا يرد عليّ، أو يقول لي: "لا تطلبي مني شيئًا".

أصبحتُ أشعر أنني لم أعد أحتمل، ولم أعد أعرف إلى من ألجأ، حتى العلاج النفسي لا يريدون أن يذهبوا بي، لأتعافى وأتمكّن من متابعة حياتي، ومؤخرًا وجدتُ تدريبًا بسعر رمزي، ومع ذلك لم يوافق أحد على مساعدتي.

لم أعد أعلم ماذا أفعل، خصوصًا وأن الأفكار الانتحارية بدأت تراودني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله تعالى أن يشرح صدركِ، ويُذْهِب همكِ، ويبدلكِ بعد العسر يسرًا، وبعد الضيق فرجًا، وأن يجمع لكِ من أمر الدنيا والآخرة خير ما ترجين، وفوق ما تُؤمِّلين.

أولًا: حقيقة الابتلاء:
إنَّ ما تمرِّين به من ضغوطٍ نفسيةٍ، وظروفٍ أسرية صعبة، وحرمان ماديٍّ ومعنويٍّ؛ إنما هو ابتلاء عظيم، لكن اعلمي أن الله تعالى لا يبتلي عبده إلا لحكمة، والبلاء مهما طال، فله أجل ينتهي، وسيجعل الله تعالى بعد العسر يسرًا، وقد وعد الله تعالى الصابرين والمحتسبين بالفرج، فقال: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًۭا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2-3].

ثانيًا: الحذر من وساوس الانتحار:
الأفكار الانتحارية التي تراودكِ إنما هي من وساوس الشيطان، يريد بها أن يقطع عليكِ طريق الأمل، ويمنعكِ من رؤية أبواب الفرج، التي قد يفتحها الله فجأة، فاحذري أن تستسلمي لها أو تسايريها، واعلمي أن حياتكِ أمانة، وأن نفسكِ ليست ملككِ، وأن قتل النفس من أعظم الكبائر، قال النبي ﷺ: «مَن قَتَلَ نَفْسَهُ بشيءٍ عُذِّبَ به يوم القيامة» (رواه البخاري ومسلم).

ثالثًا: خطوات عملية للتخفيف والمعالجة:
1. بداية العلاج النفسي:
- إن كان العلاج عند الأطباء مكلفًا، فابحثي عن الجمعيات الخيرية أو المبادرات التي تقدم علاجًا نفسيًا مجانيًا أو مخفضًا.
- هذه الجمعيات موجودة في كثير من البلدان العربية، ويمكن الوصول إليها عبر الإنترنت أو من خلال المساجد والجمعيات الأهلية.
- لا تتوقفي عن الدواء فجأة إلا بإشراف طبي، وحافظي على ما تستطيعين من خطة علاجية.

2. بالنسبة للعمل والدخل:
- لا تيأسي من تكرار المحاولات في العمل، ولو كانت بسيطة أو مؤقتة.
- الاستقلال المالي سيزيد ثقتكِ بنفسك، ويخفف ضغط الحاجة للآخرين.
- يمكنكِ البدء بأعمال من المنزل: مثل إدخال البيانات، تعليم الأطفال، التسويق الإلكتروني، أو تدريس مهارة تجيدينها.

3. تحقيق الهدف العلمي:
- إذا كان حلمك أن تصبحي أخصائية نفسية، فابدئي بالخطوات الممكنة الآن.
- استفيدي من الكورسات المجانية على الإنترنت، واطلعي على الكتب المتخصصة، وشاركي في المنتديات التعليمية.
- العلم تراكم، وكل ما تتعلمينه اليوم سيكون رصيدًا لكِ غدًا.

4. التعامل مع الأسرة:
- قللي من النقاشات التي تؤذيك نفسيًا.
- احرصي على برّ والديكِ بما يرضي الله، لكن في الوقت نفسه احمِي نفسك من الأذى النفسي.
- تذكري أن رزقكِ بيد الله، وليس بيد الناس، فلن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، كما قال النبي ﷺ.

رابعًا: تقوية الصلة بالله:
• اجعلي لكِ وردًا يوميًا من القرآن الكريم، خاصة سورة الشرح، ففيها وعد صريح: ﴿فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا﴾.
• أكثري من الدعاء في أوقات الإجابة، وأحسني الظن بالله تعالى.
• ذكّري نفسك دائمًا أن كل ضيق اليوم، هو بابٌ لشيء أوسع غدًا، حتى لو لم تري ذلك بعد.

ختامًا: رسالة أمل:
- أنتِ لستِ وحدك، فهناك من مرّ بظروف أصعب، فصبر وثبت حتى جاءه الفرج.
- لا تجعلي شعورك الحالي حكمًا على مستقبلك، فالله قادر أن يغيّر حياتك في لحظة.
- ابدئي بخطوة صغيرة اليوم نحو التحسن، وأغلقي باب أفكار الانتحار كلما طرأت، واستبدليها بذكر أو آية أو عمل صالح.
- إنها معركة صبر، وأنتِ قادرة -بإذن الله- على تجاوزها، قال تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًۭٔا وَهُوَ خَيْرٌۭ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا۟ شَيْـًۭٔا وَهُوَ شَرٌّۭ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].

وفقكِ الله للخير، وألهمكِ الصواب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً