الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطبت فتاة فعلها يناقض ما تدعيه من الالتزام، فهل أستمر معها؟

السؤال

جزى الله العلماء الأفاضل خير الجزاء، على تفضلهم بالإجابة عن أسئلتنا، وجزاكم الله خيرًا، قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

تقدمت لخطبة فتاة، تحدثت مع والدها أولاً، ثم قمت بالرؤية الشرعية بحضور محارمها مرتين، وكانت حريصة على أن أستأذن والدها للتواصل معها.

قبل الخطبة توفي ابن عمها وخالها، فأجلنا الخطبة دون تحديد تاريخ معين، خلال هذه الفترة علمت أنها أحيانًا عند عودتها من العمل، تركب هي وزميلتها في سيارة زميلها لإيصالهم.

علمًا بأن للشركة حافلة خاصة بالعمال، نصحتها أن تركب في الحافلة، وهي تعرف أنه أجنبي عليها، قلت لها: لو كنتُ مكانه، هل ستركبين معي؟ قالت: لا أنت أجنبي، والواجب عليها ركوب الحافلة، لكن لم أر تغيرًا.

نفس زميلها هذا، أعد لها عيد ميلاد في الشركة صحبة إحدى زميلاتها، شموع وحلويات، وقد أبدت فرحها بذلك، وقالت في الأول إن زميلتها أعدت كل شيء، ثم أخبرت أن زميلها هو من كان حريصًا مع زميلتها على ذلك.

الغريب في الأمر أنه قبل أيام من تاريخ عيد ميلادها، سألتها: إن كانت تحتفل بعيد ميلادها فقالت: لا، سألتها ان كانت تقبل مني هدية فأخبرتني أنني أجنبي عنها، وقالت يمكن تأجيل الهدية بعد الخطبة، سألتها من باب أن أعرف رأيها فقط.

شيوخنا الأفاضل: أعتذر عن الإطالة، أنا في حيرة من أمري حين أرى هذا التناقض بين الأقوال والأفعال، بين أن تقول لي إنني أجنبي عنها، ولا تقابلني إلا بوجود محرم، وبين أن تتنقل في سيارة زميلها، ومن ناحية أخرى بين أن تعلمني أن الاحتفال بعيد الميلاد لا يجوز، وأنها لا تقبل مني هدية قبل الخطبة، وأنني أجنبي عنها، وبين أن تقبل بهدايا زميلها وزميلتها بإحضار الشموع، والحلويات للاحتفال بعيد ميلادها.

نصحتها فقالت: "ربي يغفر لي" وقالت أيضًا: "أعتذر؛ لأنني خيبت آمالك، كنت تتصورني في صورة، فوجدتني شخصًا آخر".

حتى لا أظلمها نقلت لكم جوابها حرفيًا، وأنا غير مرتاح، فماذا أفعل؟

أفيدونا جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الكريم الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسال الله تبارك وتعالى أن يهدي بناتنا وشبابنا لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

لا شك أن الذي حصل، الذي سُرد في الاستشارة أمرٌ مزعج، ولكن أرجو ألَّا يأخذ أكبر من حجمه، ويُؤسفنا أن تحصل مثل هذه التساهلات، يعني التساهل في التعامل مع الزملاء والزميلات في مثل هذه الأشياء، عيد الميلاد أو نحو ذلك، ولعلّ الطامّة وجود النساء مع الرجال في مواطن العمل، وهذا ترك مثل هذه الآثار في النفوس، ونحن فعلاً لا نؤيّد الذي حصل جملةً وتفصيلاً، بل لا نؤيد فكرة أن يكون للإنسان عيد ميلاد، وهذه الأشياء التي أخذناها عن غير المسلمين.

لكننا في النهاية نريد أن نقول: أنت ينبغي أن تحكم على القناعات الأصلية، انطباعك عنها، مدى استعدادها للتغيُّر، ومستوى التدين الذي عندها، وعدم الوقوف عند مثل هذه المواقف التي نتمنَّى ألَّا تحدث بالطريقة المذكورة، وأيضًا أرجو أن تعلم أن ما بين الخاطب والمخطوبة أحيانًا مثل هذه الممارسات، فكل طرف يحاول أن يُظهر للطرف الثاني أجمل ما عنده، ليس معنى هذا أننا نؤيد ما حصل، لكننا بالطبع لا نوافق أن يكون في هذا نهاية لما بينكما من علاقات، فإنك لن تجد فتاة بغير عيوب، ولن تجد الفتاة شابًّا بغير نقائص.

نرفض أيضًا مثلاً التقصّد والتحرّي ومحاولة الاختبار للطرف الثاني، سواء منك أو منها؛ لأن مثل هذه الاختبارات قد لا تكون دقيقة، وفي النهاية نحن لا نرى أن يكون هذا مصدرًا للإزعاج، ولكن ينبغي أن تضع الآن نقاطًا واضحة جدًّا، وتستأنفون حياتكم من بعدها. فإذا أردت أن تُكمل فينبغي أن تكون على وضوح تام، والصفحات الماضية ينبغي أن تُطوى قبل أن تحصل الخطبة لمصلحة العلاقة، بل ينبغي أن تطوى وتتبعها توبة إذا وجدت مخالفات شرعية، حتى نبني حياتنا على القواعد الصحيحة.

عليه: أرجو ألَّا تأخذ الأمور أكبر من حجمها، وأن يُوضع هذا النقص وهذا الخلل إلى جوار الإيجابيات الكبرى الموجودة؛ كي تقبل على خطبة هذه الفتاة وجعلها تقبل بك، فنحن دائمًا ينبغي أن نركّز على الجوانب التي تجمع، ثم نحاول أن نضع حدًّا للتصرفات التي لا تُقبل أولاً من الناحية الشرعية، ونجعل هذا هو المعيار الأساس الذي ينبغي أن نبني عليه أسرة مستقرة وحياة ناجحة -بإذن الله تبارك وتعالى-.

نسأل الله أن يُعينك على الخير، ونتمنّى أيضًا أن تعود الفتاة ونعود جميعًا إلى أحكام هذا الشرع، الذي يُحدد العلاقة بين الفتاة وبين كل مَن هو أجنبي بالنسبة لها، والأجنبي هو كل مَن يجوز له أن يتزوج من الفتاة.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يجمعكم على الخير دائمًا، وأن يُعيننا على فهم قواعد الشرع، وألَّا نخلط بين العادات التي فيها مجاملات وبين الشرع الذي يضع النقاط على الحروف، ويبين للإنسان الطريقة التي ينبغي أن يسير عليه حياته، ونسأل الله أن يجمعنا دائمًا على الطاعة، وأن يجعلنا ممّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً