السؤال
الشيخ الفاضل، أنا أحترمك بصفتك إنساناً كرَّسَ حياته من أجل إرضاء الله عز وجل.
كنت أتمني يوماً ما أن أكون شخصاً يدعو إلى طريق الله عز وجل، ولكني قلبي يتقطع كلما أتذكر ما كنت عليه في السابق، وأنا آسف على ذكر خواطري دون التطرق إلى الموضوع.
لقد كنت ولداً طيباً يوماً ما، وكان قلبي حياً، وكانت السعادة تملأ حياتي، حتى إني كنت أُضرَب لأني كنت أفرط من الضحك، ولكني كنت شخصاً بكاءً، عاطفياً لأقصى الدرجات، أبكي حتى ولو لرؤية هرة تُضرَب، وأبكي لمجرد أني أرى شخصاً غاضباً، وكنت غير مؤذٍ تماماً، ولكن لم يجلب لي ذلك إلا العقد النفسية.
علماً بأني كنت أُعذب حرفياً من قبل أقراني، وأمي والناس من حولي، وأقاربي، فإخواني الأكبر مني سناً كانوا ينعتونني بالأبله، حتى الأطفال الأصغر مني سناً كانوا يفعلون ذلك، ويا ليتهم شتموني باللغة العربية الفصحى على الأقل، فإني أحبها، فأحدث شتمهم ذلك في قلبي شرخاً.
كنت أتوجع، ولأني كنت خجولاً جداً كنت أخفي الدموع، وأبكي وحيداً في الظلام، واستمر ذلك لسنين حتى مُحيت ملامحي، وتحولت لكتلة هامدة من البكاء، واستولت عليّ مشاعر الشؤم، وصار كل شيء أسود في نظري.
أبي كان يعمل في منطقة نائية عنا، ولم أجد من يحنو علي، ومن يعطف على نفسي الهزيلة، فالتجأت إلى العادة المحرمة، لجهلي وقصر معرفتي بربي وديني، وأدمنتها لسنين طويلة بحكم ما تمنح لي من لذة، فهي تخدر عقلي وحواسي قليلاً، وتريحني لدقائق، وهكذا ازدادت الوحشة في قلبي، ولم أجد من يداوي أوجاعي؛ فقررت الالتجاء إلى الله تعالى.
لقد وجدت نفسي بارداً، ميت القلب، لا شعور ينبض في صدري، ولا شيء عدا الحزن الشديد، حتى إني كنت عند الصلاة أناجي الله بقولي: لا أشعر بشيء يا رب، حتى صلاتي لا أشعر بها، ولكني ممتن أنك تحس بي، وأنا ممتن، وبأنك تعرفني شخصياً، وأشكرك على هذا بدموعي الحزينة، لعدم قدرتي على الإحساس بشعور الامتنان، حتى إني أصبحت أشك في نفسي، وفي صحة إيماني، وأقول إني مريض بتبلد المشاعر، حيث إني قرأت عن هذا المرض، ووجدت أنه ناتج عن صدمات راسخة في العقل.
هل يحاسب الإنسان متبلد المشاعر على صحة إيمانه؛ إذ يحتاج الإيمان إلى شعور لكي يكون صادقاً، أليس كذلك؟