الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شعوري بأن لدي أكثر من شخصية جعلني انطوائياً، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أواجه مشكلة، وهي أن لدي أكثر من شخصية.

الشخصية الأولى: انطوائي للغاية، وتظهر هذه الشخصية في المنزل، ومع الأهل والأقارب، وتحديدًا عند دخولي الحيّ الذي أسكن فيه، تبدأ الأعراض بالتوتر الشديد، وصداع، وضيق في الصدر، وخوف وقلق، وأفكار سلبية كثيرة، وشعور بضعف الشخصية، لدرجة أنني إذا صادفت صديقًا قديمًا أتظاهر بأنني لا أعرفه، وأبتعد عن الجميع في الحيّ.

كذلك في المنزل، أجلس في غرفتي وحيدًا، لا أستطيع النظر في وجه أحد، ولا الحديث مع أحد، حتى إنني لا أقدر على رفع صوتي، وأظل في توتر وقلق وصداع مستمر، حتى في وقت النوم أعاني من الأرق، وأستيقظ كثيرًا خلال الليل.

إذا تحدث إليّ أحد، يزداد التوتر لديّ، ويصيبني ألم شديد، وأشعر برغبة شديدة في ضرب من يكلّمني، بل أحيانًا أشعر برغبة في ضرب الجميع، تأتيني قسوة شديدة على الجميع، وأستعيذ بالله دائمًا من الشيطان، لكن لا أستطيع فهم هذا الشعور، وكأن شخصًا آخر يحتل مكاني.

الشخصية الثانية: تظهر مع الأصدقاء، وهنا أكون شخصًا مختلفًا تمامًا، وبأريحية كبيرة، وطمأنينة، وأكون اجتماعياً، وأنا الذي يبدأ الحديث، والذي يمزح كثيرًا، وأحيانًا يضايقهم مزاحي وحديثي.

أكون معهم محبًا للجلسات الجماعية، ومحبًا للمرح، ومع ذلك لا أجرؤ على لمس أغراضهم، أو التصرّف بحرية بينهم، وإذا قرروا الخروج لمكانٍ ما، أشعر أنني سأكون الشخص الذي يُفسد الرحلة، أو أنهم لا يرغبون بمشاركتي أصلًا.

الشخصية الثالثة: تظهر في المجتمع عمومًا، وتكون متقلبة حسب المزاج، وأحيانًا أكون قويّ الشخصية، أتكلم وأناقش وأطالب بحقوقي، وأحيانًا أخرى أكون خجولًا، أبتعد عن الناس وعن النقاشات، خاصة مع من لا أعرفهم.

أنا أعاني كثيرًا من الشخصية التي أكون فيها مع أهلي وأقاربي، أشعر أنني شخص عاق، لا أتكلم مع أحد، ولا أقترب منهم، ويصيبني شعور بالقسوة تجاههم.

وجزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سيف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، وأسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.
الذي أراه - أخي الكريم - أن الحالة التي لديك هي حالة مزاجية أكثر من أنها حالة مرتبطة بالتكوين النفسي لشخصيتك، فمن الواضح أن العامل الجوهري الذي يُوجّه تصرفاتك، وطريقة تفاعلك مع الآخرين ناتج من الناحية المزاجية لديك؛ لذا سيكون من المهم جدًّا أن تتدرّب على كيفية مواجهة المواقف الاجتماعية.

الإنسان يتعلّم ويتطور ويتغيّر ولا شك في ذلك، و-الحمد لله تعالى- أنت مُدركٌ تمامًا للأوقات أو للمواقف التي يكون فيها لديك مزاج سلبي وانفعالات سلبية.

كثيرًا ما نجبر أنفسنا ليتغيّر مزاجنا، مثلًا: موضوع الانطواء داخل المنزل، يجب أن تعرف وبصورة حتمية وقاطعة أن هذا الأمر ليس صحيحًا، هذا الأمر فيه الكثير من السلبية التي تقع عليك وعلى أسرتك، ويجب أن تصل لقناعة مطلقة أنك يجب أن تكون أكثر تفاعلًا في داخل الأسرة، ويجب أن تكون إيجابيًّا، وألَّا تكون عضوًا مهمَّشًا في أسرتك، يجب أن تُمثِّل إضافة حقيقية للأسرة، تجلس مع والديك، مع إخوانك، مع أخواتك، تقترح بعض المقترحات، تقابل الضيوف، تقضي حاجات الأسرة أيًّا كانت، فلا تهمِّش نفسك، هذه هي النقطة الأساسية.

إذًا أنت الآن تعرف ذاتك، واضح من الرسالة أنك تُقيّم ذاتك بصورة صحيحة جدًّا، الآن أريدك أن تقبل ذاتك كما هي، لكن بشرط أن تُحتّم على ذاتك أنك سوف تسعى للتغيير والتطوير، هذه معادلة بسيطة جدًّا، فكلِّ مواقع ومواقف الهشاشة والإخفاق يجب أن تتخلص منها من خلال الإتيان بالسلوك والشعور المخالف، وكما ذكرتُ لك مشكلتك هي مشكلة مزاجية أكثر من أي شيءٍ آخر.

هذا النمط الحياتي الذي تحدثت عنه تُوجد هنالك برامج لتطوير الذات، ومن أبسط هذه البرامج أن تتعلّم شيئين:
الأول هو: كيفية إدارة الوقت، تتعلّم أن تتجنب السهر، وقطعًا الإنسان حين يتجنب السهر وينام مبكّرًا، ثم يستيقظ مبكّرًا، ويؤدي صلاة الفجر، وفترة الصباح هي فترة نشاط، سوف تجد نفسك أنك بالفعل أنجزت الكثير والكثير، وهكذا، أنا ذكرتُ لك النوم المبكّر، وتجنّب السهر لأنه النقطة المركزية في إدارة الوقت.

لا بد أن تكون لك خارطة ذُهنية يوميًا بالأشياء التي يجب أن تفعلها، والتي يجب أن تنفذها، هذه نقطة أساسية، وإدارة الوقت يجب أن تشمل أيضًا الالتزام بالواجبات الاجتماعية، لا تتخلف عن واجب اجتماعي أبدًا، حيال أسرتك، حيال أصدقائك والمجتمع عامّة، إذًا هذه واحدة من الضروريات التي يُعالج الإنسان نفسه من خلالها.

الأمر الثاني: هو أن تُطوّر لديك ما يُعرف بالذكاء العاطفي أو الذكاء الوجداني، وهذا الذكاء هو القوة المعرفية التي من خلالها ندرس أنفسنا، ونحلّل أنفسنا، ونعرف نقاط القوة والضعف في أنفسنا، ثم نسعى للتغيير، ونتعامل إيجابيًّا مع أنفسنا، وأيضًا بالنسبة للآخرين، الإنسان حين يتطور من الناحية المعرفية والناحية الوجدانية فيما يتعلّق بالذكاء، سوف يتعامل مع الآخرين بصورة إيجابية.

هذه أشياء ليست صعبة، أشياء سهلة جدًّا، وإذا التزم بها الإنسان سوف يستفيد كثيرًا.

أريدك أيضًا أن تضع أهدافاً، الحياة بدون أهداف لا جدوى منها، ما هي أهدافك على المدى القصير؟ وأهدافك على المدى المتوسط؟ وأهدافك على المدى البعيد؟

الهدف على المدى القصير يُحقق في أربع وعشرين ساعة، مثلًا إذا قلت: سأجلس اليوم مع والدي لمدة نصف ساعة، وسأصلي صلاة المغرب (مثلًا) معه، هذا هدف وهدف جميل جدًّا، حين تُحققه ستجد أنه هنالك عائد إيجابي جدًّا قد حدث لك.

الهدف متوسط المدى يكون في خلال ستة أشهر، تقول لنفسك: أريد أن أحفظ ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم خلال ستة أشهر! هدف عظيم وهدف ممتاز.

بعد ذلك الأهداف بعيدة المدى: ويتمثل في إكمال التعليم، والتخصص، والزواج، والعمل، هذه كلها أهداف.

إذًا لتجعل مزاجك مزاجًا سويًّا ومزاجًا سليمًا، وتبني شخصيتك بصورة صحيحة؛ هذه هي الأسس التي يجب أن تتبعها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأشكرك كثيرًا على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً